جستجو در تأليفات معظم له
 

قرآن، حديث، دعا
زندگينامه
کتابخانه
احکام و فتاوا
دروس
اخبار
ديدارها و ملاقات ها
پيامها
فعاليتهاى فرهنگى
کتابخانه تخصصى فقهى
نگارخانه
پايگاه هاى مرتبط
مناسبتها
معرفى و اخبار دفاتر
صفحه اصلي  

كتابخانه فقه حماة الوحی
صفحات بعد
صفحات قبل
(الصفحة 192)

الغيبي من خلال المدد الإلهي الذي يدعى بالإفاضة الرحمانية ، كما اتّضح لدينا أيضاً أنّ الزعامة الدائمة الهادية إلى الصراط المستقيم لا يمكنها أن تكون غير محيطة بالحوادث والوقائع التي يواجهها المسلمون والإسلام طيلة التأريخ ، وذلك لأنّها إذا كانت جاهلة بهذه الحوادث فإنّها ستشقّ عصا المسلمين وتفرّق صفوفهم وتعرّض الكيان الإسلامي للتصدّع والانهيار ، وتحيل القرآن الكريم ـ هذا الكتاب الذي يتضمّن سعادة الاُمم والشعوب على مرّ العصور ـ إلى كتاب لا يبقى منه سوى شكله ورسمه ، بينما وعد الحقّ بخلود هذا الكتاب العزيز وأنّه محفوظ حتّى عن سقوط أحد حروفه ، فكيف يتعامل أئـمّة الدين وزعماء المسلمين مع الأحداث بما يقود إلى تلك النتيجة المؤسفة! أو لا يتعرّض الإسلام إلى الإبادة والزوال من قِبل الأعداء الذين يتربّصون به الدوائر ، والذين لا يرقبون في المسلمين إلاًّ ولا ذِمَّة؟
لاشكّ أنّ هذا السقوط والزوال حتمي وتصدّع القرآن قطعي لو لم يكن الأئـمّة الأطهار (عليهم السلام) عالمين بحوادث الدهر ، في حين قطع القرآن على نفسه قضية بقائه وديمومته {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ}(1) ، وبشّر من جانب آخر بانتصار حكومة العدل الإلهي التي ستنشر قيم العدل والفضيلة في كافّة أرجاء المعمورة ، فقال عزّ من قائل: {وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِى الاَْرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ}(2) .
وهنا يُطالعنا هذا السؤال: إذا كانت زعامة الأُمّة من قِبل هؤلاء الأئـمّة الذين لهم مثل هذا العلم والدراية وأنّهم يبلغون بالاُمّة كمالها المنشود ، فكيف يتّجه الإسلام نحو الضعف والاُفول؟ وقد قال القرآن {الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِى الاَْرْضِ} أو يدبّ الضعف في صفوف المسلمين في ظلّ زعامة اُولئك الأئـمّة؟ وناهيك عمّا

  • (1) سورة الحجر : الآية 9  .
  • (2) سورة القصص : الآية 5  .

(الصفحة 193)

تقدّم ; فإنّ الله هو الذي أنزل القرآن وتكفّل بحفظه ، فهو لن يصبح كتاباً عادياً أبداً؟
ونقول في الجواب: إنّ الإسلام لا يتّجه إلى الضعف والاُفول لو كان الأئـمّة الأطهار (عليهم السلام) هم الذين ينهضون بالأمر ،فهم عالمون بصيرون ،وهدايتهم ـ لو امتثلت ـ فسوف تؤدّي إلى قوّة شوكة الإسلام والمسلمين ، غير أنّ الخطّة التي رسمها القرآن الحكيم لم تطبَّق ، وانحطاط المسلمين كان نتيجة طبيعية لتنحية أولئك الزعماء ، وهذا ما أرادت أن تُشير إليه الآية في أنّ هذا الضعف ناشئ عن إقصاء الأئـمّة ، وأنّ الإسلام سيستعيد قوّته مستقبلا ، وهذا لا يتسنّى إلاّ في ظلّ حكومة أتقياء الدهر وعلى رأسهم إمام العصر والزمان ـ أرواحنا وأرواح العالمين له الفداء ـ الذي سيبعث الحياة من جديد حين تكون السيادة في حكومته للقرآن وتعاليمه الحقّة ، ستكون الدنيا آنذاك متعطّشة لحكومة العدل القرآني ، والتفاصيل في المجلّد الثاني .

أمير المؤمنين (عليه السلام) والآية الكريمة :

قال علي (عليه السلام) «لتعطفنّ الدنيا علينا بعد شماسها عطف الضروس على ولدها» ، وتلا عقب ذلك {وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ  . . .} (1).
لقد أبان الإمام بهذه العبارة منزلة الإمام ، كما أفصح عن دافع ظهور حكومة العدل القرآني ، في حين اتّضحت دلالة الآية في حلول اليوم الذي سيشهد حاكمية الإسلام بزعامة الإمام .
ما أشقى الاُمّة حين ولّت ظهرها لهذه الصفوة وأبعدتها عن الزعامة! ولكن سوف لن يكون بوسعها إقصاء مُعزّها الذي سيأخذ بيدها ويفيض عليها بركات الدنيا والآخرة حين تعلن وفاءها ووقوفها إلى جانبه .
نعم ، انحطاط المسلمين كان معلولا لعدم انصياعهم لزعامة أولياء الله من تلك

  • (1) نهج البلاغة لمحمد عبده: 704 حكم 210 .

(الصفحة 194)

الصفوة ، لا إلى عدم العلم بحوادث التأريخ . وكأنّ السائل أراد بالسؤال أن يشير إلى علّة الضعف التي أفرزتها افتقار الزعامة لمقوّماتها وشرائطها .
وعوداً على بدء فقد اتّضح أيضاً أنّ الإمام بصفته الزعيم الأبدي ، عالم بكافّة الوقائع والحقائق والأسرار والسير نحو الجمال والكمال .
وهنا لابدّ من الإذعان بأنّ بصيرتهم هي عين الواقع التي تأبى الخطأ والانحراف ، فقد شعّت أنوار قلوبهم بالله {نُورُ السَّمَوَاتِ وَالاَْرْضِ} الذي لم يجعل للظلمة من سبيل إلى قلوبهم ، فقد طهرت حتّى لم تتمكّن هذه الحُجب من الوقوف بوجهها .
واتّضح أيضاً بأنّ الإمام طالما كان الحاكم الإسلامي والزعيم المطلق ; فإنّ حكومته متقوّمة بالغيب الذي يشمل حتّى الحوادث الشخصية البسيطة ، كما تبيّن أنّ الكتاب السماوي ـ القرآن ـ قد استودعه الله الأئـمّة {ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا} .
وقد تكفّل القرآن ببيان أنّ المراد من هذا الإرث هو استنارة قلوب الأئـمّة بنور القرآن: {قُلْ كَفَى بِاللَّهِ شَهِيداً بَيْنِى وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الِكَتابِ}(1) ، وقد قال الإمام الصادق (عليه السلام) : «وعندنا والله علم الكتاب كلّه»(2) ، كما فهمنا أنّ آصف بن برخيا بنصّ الآية الكريمة قد أوتي بعض العلم بالكتاب ، فانطوى على تلك القدرة والقوّة العلمية ، فما بالك بمن اُوتي العلم بالكتاب كلّه! في حين لا زال البعض يعيش القلق الفكري ويتساءل: هل يتجاوز علم الإمام حدّ استنباط آيات الأحكام؟
وأخيراً وقفنا على إحاطتهم بأعمال العباد ، وأنّه لا يعزب عن علمهم مثقال ذرّة من تلك الأفعال ، وأنّهم الشهداء على الناس يوم القيامة في محكمة العدل «فمن

  • (1) سورة الرعد: الآية 43 .
  • (2) الكافي 1: 229 باب أنّه لم يجمع القرآن كلّه إلاّ الأئمّة ، وأنّهم يعلمون علمه كلّه ح5 .

(الصفحة 195)

صدّق صدّقناه يوم القيامة ، ومن كذّب كذّبناه يوم القيامة»(1) ، فإذا أنكر منكر عمله ، نادوه: صه فقد كنّا مطّلعين على عملك ، كما علمنا بأنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) ربيب الوحي قد أفاض عليهم علومه مضافاً إلى ما خصّهم الله به من عنايته وفضله وأفاض عليهم من لطفه ورحمته .
كانت هذه نماذج من علم الإمام ، والقرآن هو الشاهد على هذه العلوم ، ولنا الآن أن نلتمس سبل هذه العلوم دون اللجوء إلى أقوال تلامذة الوحي ، فما مصدر علم الإمام؟

المعلّم الأوّل :

لقد ذكرنا خلال الأبحاث السابقة أنّ النبيّ أو الإمام لا يدرك جميع الأشياء بنبوّته أو إمامته ، بل هم لا يستغنون في كلّ آن عن الفيض الإلهي ، فالنبوّة والإمامة لا تجعله بمجرّدها عالماً بكلّ شيء .
إذن ، فهذا العلم الجمّ الذي يملكه الإمام لابدّ أن يكون قد تعلّمه في مدرسة ، وقد مرّ علينا أنّ الإفاضة هي وسيلة الإمام في علمه ، فالله هو الذي يفيض ويتلطّف بأئمة الدين زعماء المسلمين ، وقد قلنا بأنّه يحكم بما يريه الله {لِتَحْكُمَ بِيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ}(2) ، وأنّهم بعناية الله صفوة عابدة مخلصة عالمة بالكتاب {ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا . . .}(3) ، وبيّنا أيضاً بأنّ يوسف كان مُنَصَّباً من قِبَل الله رغم نهوضه بأمر دون الزعامة العامّة ، وأنّه معلَّم منه: {وَعَلَّمْتَنِى مِنْ تَأْوِيلِ الاَْحَادِيثِ}(4) .

  • (1) الكافي 1: 190 باب أنّ الأئمّة شهداء الله عزّوجلّ على خلقه ح2 .
  • (2) سورة النساء: الآية 105 .
  • (3) سورة فاطر: الآية 32 .
  • (4) سورة يوسف: الآية 101 .

(الصفحة 196)

والذي نريد أن نخلص إليه هو أنّ المعلّم الأوّل للإمام هو العليم المطلق ، وما ذلك إلاّ لإخلاصه وتسليمه وانقياده المطلق للحقّ ، فيحظى بالعناية الإلهية و الفضل الربّاني ليتغلّب على ما يعترضه في مسيرته من حوادث وأحداث .

المعلّم الثاني:

المعلّم الثاني للإمام هورسول الله (صلى الله عليه وآله)  ،فقدقلناسابقاًبأنّ دعوة إبراهيم وإسماعيل كانت لأجل ظهورصفوة صالحة في ذرّيّتهم تتربّى في مدرسة الرسالة ، وكانت نتيجة الدعوة أن تولّى رسول الله (صلى الله عليه وآله) بشخصه تعليم علي (عليه السلام) وتربيته منذ نعومة أظفاره . وقد صرّحت بذلك آيات سورة البقرة {وَإِذْ يَرْفَعُ إِبرَاهِيمُ . . . .} (1). وهو ما أشار إليه الإمام الصادق (عليه السلام) استناداً إلى الآية ، فقال: «لم يعلّم الله محمّداً (صلى الله عليه وآله) علماً إلاّ وأمره أن يعلّمه علياً (عليه السلام) »(2) . وبناءً على ما تقدّم فالنبي الأكرم (صلى الله عليه وآله) هو المعلّم الثاني للإمام .

الإمام الصادق (عليه السلام) وعلم الإمام:

سأل الحارث بن المغيرة الإمام الصادق (عليه السلام) عن مصدر علم الإمام ، فأجاب (عليه السلام) : «وراثة من رسول الله (صلى الله عليه وآله) ومن عليّ (عليه السلام) » . فقال الحارث: إنّا نتحدّث أنّه يقذف في قلوبكم وينكت في آذانكم  (صلى الله عليه وآله)  ، قال (عليه السلام) : «أو ذاك»(3) .
أي أنّ الإمام ملهم وتلميذ مدرسة النبي (صلى الله عليه وآله) والإمام علي (عليه السلام)  ، وقد مرّ(4) علينا قول الباقر (عليه السلام) أنّ الإمام يسمع الصوت ولا يرى ولا يعاين الملك»(5) .

  • (1) سورة البقرة: الآية 127 .
  • (2) الكافي 1: 263 باب أنّ الله عزّوجلّ لم يعلّم نبيّه علماً إلاّ أمره . . . ح1 .
  • (3) الكافي 1: 264 باب جهات علوم الأئمّة  (عليهم السلام) ح2 .
  • (4) في ص 167 .
  • (5) الكافي 1: 176 باب الفرق بين الرسول والنبيّ والمحدّث ، ح1 .