جستجو در تأليفات معظم له
 

قرآن، حديث، دعا
زندگينامه
کتابخانه
احکام و فتاوا
دروس
اخبار
ديدارها و ملاقات ها
پيامها
فعاليتهاى فرهنگى
کتابخانه تخصصى فقهى
نگارخانه
پايگاه هاى مرتبط
مناسبتها
معرفى و اخبار دفاتر
صفحه اصلي  

كتابخانه فقه حماة الوحی
صفحات بعد
صفحات قبل
(الصفحة 225)

وعليه : فالنهضة الحسينية كانت اللبنة الأساس لإقامة الحياة الإنسانية القائمة على أساس مفردات العزّة والكرامة والشجاعة ورفعة الإسلام والمسلمين .
ومن هنا فإنّ طاعة الإمام  (عليه السلام) واجبة على كلّ مسلم وإنسان حرّ غيور ، والتخلّف عنه وعدم الالتحاق به يعدّ أسوأ أنواع إلقاء النفس في التهلكة والقضاء على كيان الإسلام والمسلمين ، والموت معه هو الموت من أجل العدل والحرية والإسلام والقرآن والتوحيد .
فحركة الحسين (عليه السلام) أنصع صفحة ذهبية في التأريخ علّمت الناس دروس التضحية والكفاح ، وفضحت أساليب الأعداء وما يضمرون من شرٍّ وعدوان للإسلام ، ولذلك فإنّ عزمه الذي يستند فيه إلى المصلحة الإسلامية التي رسمها له الحقّ والنبيّ وأمير المؤمنين لم يكن ليضعف لأقوال ابن عباس وأمثاله ، فهؤلاء لا يعلمون خطورة وظيفة الحسين (عليه السلام) ؟ أمّا الإمام (عليه السلام) فقد كان يعلم أين يتّجه وماذا سيحدث .
ثانياً: هناك بعض الأسناد والوثائق التأريخية التي استدلّ بها المؤلّف ، ونذكرها بأجمعها:
1) لقد نقل الطبري في تاريخه عن أبي مخنف لقاء الإمام لزهير بن القين وقال: «قال زهير لصحبه حين رجع من عند الإمام: مَن أَحبّ منكم أن يتبعني ، وإلاّ فإنّه آخر العهد . إنّي ساُحدّثكم حديثاً: غزونا بلنجر ففتح الله علينا وأصبنا غنائم ، فقال لنا سلمان الباهلي: أفرحتم بما فتح الله عليكم وأصبتم من الغنائم؟ فقلنا: نعم ، فقال لنا: إذا أدركتم شباب آل محمّد فكونوا أشدّ فرحاً بقتالكم معهم بما أصبتم من الغنائم ، فأمّاأنافإنّي أستودعكم الله ، قال: ثمّ والله ما زال في أوّل القوم حتّى قُتل»(1) .
إنّ هذا النقل من الطبري جدير بالتأمّل ، فهو موثوق تماماً من حيث السند ;

  • (1) تاريخ الطبري 4: 299 .

(الصفحة 226)

لأنّه يروي عن أبي مخنف الذي يرى البعض أنّه يأبى الخدش والطعن ، وزهير هو ذلك الرجل الذي كان يتحاشى لقاء الإمام حين رجع من مكّة بعد أن أدّى مراسم الحجّ ، إلاّ أنّه التقى الإمام صدفة ، كان زهير يأبى لقاء الإمام والالتحاق بركبه ، فما الذي سمعه خلال ذلك اللقاء؟ وماذا رأى؟ حتّى يعود إلى خيمته ويودّع صحبه ، أو لم يكن يدرك بأنّه سيرد ميداناً يحصل فيه على الشهادة؟ ألم يذكّره الإمام (عليه السلام) بتلك القصّة ويبيّن له حقيقة الأمر؟ أفقال له الإمام (عليه السلام) : إذا وقفت إلى جانبي فإنّي لأرجو أن أنتصر وأستولي على الكوفة وستصبح من أعيانها وأشرافها في الحكومة؟ لو كان هذا ما قاله الإمام لزهير لما ودّع قومه وقال: إنّه آخر العهد ، فالواقع هو أنّ الإمام (عليه السلام) قد أخبره بواقع الأمر .
إذن ، فالإمام كان عالماً بعواقب الأُمور وقد أخبر بها زهير ووعده بالشهادة ، وهذا هو الأمر الوحيد الذي من شأنه تفسير حديث زهير ، ولم يكتف الرجل بهذا المقدار ، بل تطرّق إلى معركة بلنجر وحديث سلمان ، وعليه : فسلمان كان يعلم بهذه الحادثة أيضاً ، سلمان الفارسي(1) الذي تربّى على يد رسول الله (صلى الله عليه وآله)  .
ولا اُريد أن أقول بأنّ سلمان كان على علم بكلّ تفاصيل الحادثة ، إلاّ أنّه كان على يقين بتلك الواقعة المريرة على الحسين  (عليه السلام) ، وكان يعلم أنّ زهيراً أيضاً سيشارك فيها ، وكان زهير أيضاً على يقين بأنّ المراد بالحديث كربلاء وشهادته هناك . فهل ما زال الإمام يفكّر بتحقيق النصر والقضاء على الحكومة الظاهرية ليزيد وتسلّم مقاليد الحكم؟ فسلمان كان يعلم بتلك الحادثة التي سيحصل فيها زهير على الشهادة دفاعاً عن إمام الإسلام والمسلمين ، بينما ليس للحسين (عليه السلام) مثل هذا العلم وتفاصيل الحركة مجهولة بالنسبة له ، وليس لديه ما يقوله سوى: «لا ندري على ما تتصرّف بنا وبهم الاُمور» .

  • (1) ذكر ابن الأثير في الكامل 4: 42 أنّه سلمان الفارسي، وكذا المفيد في الإرشاد 2: 73 وغيرهما .

(الصفحة 227)

2 ـ نقل ابن الأثير في الكامل حادثتين ، وسنورد عباراته ثمّ نناقشها ، فقد قال: «فلمّا أتى الحسين خبر قتل أخيه من الرضاعة ـ في منزل زُبالة ـ ومسلم بن عقيل ـ في منزل الثعلبية ـ أعلم الناس ذلك وقال: قد خذلنا شيعتنا ، فمن أحبّ أن ينصرف فلينصرف ليس عليه منّا ذمام ، فتفرّقوا يميناً وشمالا حتّى بقي في أصحابه الذين جاؤا معه من مكّة ، وإنّما فعل ذلك لأنّه علم أنّ الأعراب ظنّوا أنّه يأتي بلداً قد استقامت له طاعةُ أهله فأراد أن يعلموا علامَ يقدمون .
ثمّ سار حتّى نزل بطن العقبة ، فلقيه رجل من العرب فقال له: أنشدك الله لما انصرفت ، فوالله ما تقدم إلاّ على الأسنّة وحدّ السيوف ، فإنّ هؤلاء الذين بعثوا إليك لو كانوا كفوك مؤونة القِتال وطّؤا لك الأشياء فقدمت عليهم لكان ذلك رأياً ، فأمّا على هذه الحال التي تذكر ، فلا أرى أن تفعل ، فقال: إنّه لا يخفى عليّ ما ذكرت ، ولكنّ الله ـ عزّوجل ـ لا يغلب على أمره ، ثمّ ارتحل منها»(1) .
فالذي نخلص إليه هو أنّ الإمام (عليه السلام) لم يشعر بأيّ تردّد حين أخبر بقتل رسوله مسلم بن عقيل ولم تضعف إرادته ، ثمّ يواصل مسيرته رغم تصريحه بعدم وجود جيش لنصرته في الكوفة وأنّ أشياعه لم يفوا بعهودهم ، فهل يفهم من كلامه (عليه السلام) : «خذلنا شيعتنا» أنّ البعض قد تخلّى عن نصرتنا؟ أم قصده زال مركز ثقلنا ولم نعد نمتلك القوّة الشعبية الموالية هناك؟ وما إن سمع البعض مقالة الإمام حتّى تفرّقوا يميناً وشمالا ، فهل بقي من أمل بالنصر فلم تقطع الصلة لحدّ الآن بين القيادة والجيش؟ أفلا يعني رفع البيعة والتخيير بالبقاء والانسحاب أنّ باب النصر قد أُغلق؟ فلِمَ واصل الإمام حركته ولم يتردّد حتّى بلغ كربلاء! لِمَ رجع مَن التحق به في الطريق ممّن يبحثون عن الطعام الدسم ، بينما واكبه من انطلق معه من مكّة ممّن سمع خطبته

  • (1) الكامل لابن الأثير 4: 43 .

(الصفحة 228)

«خُطّ الموت . . .»(1) وقد أُحيطوا علماً بالحوادث والوقائع التي لم تزيدهم سوى قوّة وصلابة؟ أوَ لا يعني انصراف ذلك النفر استحالة النصر وبقاء أولئك الأصحاب لعلمهم منذ البداية بتلك الحادثة المروّعة؟
ثمّ أخذت الأخبار المحزنة تتقاطر عليهم ، حتّى إذا بلغوا العقبة ، انبرى لهم ذلك الرجل العربي البليغ الذي صوّر للإمام أوضاع الكوفة «أنشدك الله لما انصرفت فوالله ما تقدم إلاّ على الأسنّة وحدّ السيوف . . .» إلاّ أنّ هذا الكلام المنطقي لم يكن له أدنى أثر على إرادة الإمام حتى قال: «ولكن الله عزّوجلّ لا يغلب على أمره »، أي هناك وظيفة لابدّ أن أقوم بها وليس لي من إرادة مقابل إرادة الله ، فهل ما زال الإمام (عليه السلام) لا يعلم عواقب الاُمور راجياً النصر وتشكيل الحكومة الإسلامية فيواصل مسيرته، أم كان هناك شيء آخر يدفع الحسين (عليه السلام)  ؟
لقد ردّ الإمام (عليه السلام) على ذلك الرجل: أنّه لا يخفى علينا ما ذكرت إلاّ أ نّ طريقنا لا يعرف الرجوع ، وليس لي سوى التسليم للحقّ ، فالله لا يغلب على أمره . فهنالك رسالة مُلقاة على عاتقي ولابدّ لي من النهوض بها ، أولم يتحدّث الإمام عن مشيئة الله؟ أفلم يكن عالماً بشهادته؟ الشهادة التي أرادها الله لحسين (عليه السلام) فتقبّلها بقبول حسن .
نعم ، لم يكن هناك من شيء خافياً على الحسين  (عليه السلام) ، ولم يكن هناك من عامل يمكنه أن يثني الإمام عن عزمه ، حيث نراه يحثّ الخطى بعد ذلك الحوار ليواصل مسيرته ويقوم بوظيفته .
3 ـ أورد ابن الأثير في الكامل قصّة الأفراد الأربعة الذين أتوا الإمام (عليه السلام) من الكوفة والتقوه في «عذيب الهجانات» فقال بعد أن ذكر التفاصيل: «فقال لهم الحسين: أخبروني خبر الناس خلفكم ، فقال له مجمع بن عبدالله العائذي وهو

  • (1) يأتي في ص 232 .

(الصفحة 229)

أحدهم: أمّا أشراف الناس فقد أعظمت رشوتهم ، وملئت غرائره فهم ألْبٌ واحد عليك ، وأمّا سائر الناس فإنّ قلوبهم تهوي إليك وسيوفهم غداً مشهورة عليك ، وسألهم عن رسوله قيس بن مِسهر ، فأخبروه بقتله وما كان منه ، فترقرقت عيناه بالدموع ولم يملك دمعته ، ثمّ قرأ: {فَمِنْهُم مَن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَن يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلا }(1) ، اللّهمّ اجعل لنا ولهم الجنّة ، واجمع بيننا وبينهم في مستقرّ رحمتك وغائب مذخور ثوابك»(2) .
فالذي نخلص إليه من هذا الحوار واستشهاد الإمام (عليه السلام) بالآية ، هو أنّ الإمام أشار إلى هدفه في إحقاق الحقّ وإجابة دعوة أهل الكوفة ، فقد كان أوّل سؤال سأله أولئك الأفراد هو خبر أهل الكوفة وحالتهم الروحية ، هل هم متأهّبون لدخولنا؟ إلاّ أنّ إجابتهم كانت مثبّطة ، فقد وقفت الآلاف التي بعثت لك برسائلها إلى جانب العدوّ ، فالأشراف قد أعظمت رشوتهم ، أمّا الضُعفاء فهُم متعطّشون لبسط العدل والقسط ، ولكن ليس لديهم القدرة على اتّخاذ القرار في المجتمعات الفاسدة ، فالضعف الماليّ والحرمان وضعف الإرادة تجعلهم خاضعين لإرادة الدولة ، فهم مع الإمام قلباً وضدّه سيفاً ، فإذا قلنا: ما زال الإمام حتّى في ظلّ هذه الظروف يأمل بتحقيق النصر ، لا نرى أيّ منطق وعقل يوافقنا على ذلك ، مع ذلك لم تتزلزل إرادة الإمام (عليه السلام) ولم ينثنِ عن عزمه ومواصلة مسيرته .
ومن هنا يعلم بأنّ هناك هدفاً أسمى يسعى الإمام إلى تحقيقه ، فالإمام (عليه السلام) لم يقترح على الحرّ الرياحي الرجوع والانصراف ، في حين لم يكن الحرّ يعلم بهدف الإمام ، وأولئك القادمون من الكوفة كانوا يظنّون أيضاً بأنّ الحسين (عليه السلام) إنّما يروم السيطرة على الكوفة ، ولذلك أشاروا عليه بالانصراف ، بينما كان الإمام عالماً بما

  • (1) سورة الأحزاب: الآية 23 .
  • (2) الكامل لابن الأثير 4: 49 ـ 50 .