جستجو در تأليفات معظم له
 

قرآن، حديث، دعا
زندگينامه
کتابخانه
احکام و فتاوا
دروس
اخبار
ديدارها و ملاقات ها
پيامها
فعاليتهاى فرهنگى
کتابخانه تخصصى فقهى
نگارخانه
پايگاه هاى مرتبط
مناسبتها
معرفى و اخبار دفاتر
صفحه اصلي  

كتابخانه فقه حماة الوحی
صفحات بعد
صفحات قبل
(الصفحة 276)

لهم إلهاً كما كان للآخرين ، وفي نهاية الأمر يخبر القرآن عنهم بقوله: {وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الْذِلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ}(1) .
وهذا نبيّ الإسلام أعظم زعيم عرفه العالم الإنساني ، فرغم جهوده الجبّارة ونجاحه في نشر رسالة السماء في أنحاء العالم ، إلاّ أنّه لم يستطع أن يجعل الإسلام بكماله وتمامه هو الحاكم المطلق للعالم . هل استطاع نبيّ الإسلام إبّان حياته أن يضع الأئـمّة الأطهار (عليهم السلام) صراحة في مواقعهم؟ نعم ، بعد كلّ تلك المدّة من الزعامة والجهود المضنية في رفع مستوى الاُمّة وتعويدها على ممارسات الدين ومفاهيمه وربطها بعجلة الحضارة والرقيّ والتمدّن وإنقاذها من الجهل والوثنية والتعنّت والتعصّب والمنطق الغاشم لأمثال أبي سفيان وصنمية أمثال أبي جهل ، طرح أواخر حياته الشريفة قضية الغدير التي صرّحت بخلافة علي (عليه السلام)  ، فأطلق ذلك الرجل الذي كان قربه ـ وقد تغذّى على مفاهيم الإسلام ـ عبارته المعروفة «إنّ الرجل ليهجر»(2)!
هل استطاع الإسلام آنذاك إجتثاث جذور اليهود؟ هل استقطب إليه النصارى؟ هل استطاع إفهام تلك البشارة الصريحة والميثاق الغليظ الذي اشتملت عليه التوراة والإنجيل بشأن نبوّة محمّد (صلى الله عليه وآله) ويجعلهم يذعنون لصحّة ما يقول؟ وهل استطاع النبي (صلى الله عليه وآله) أن يخضع كافّة تلك الحكومات الجبّارة لحكومته ويجعلها تنضوي تحت لواء الإسلام؟
وهذا أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام)  ، ألم يتزعّم الاُمّة ويأخذ بزمام الاُمور؟ ألم تندفع إليه الجماهير وتضطرّه لقبول الخلافة؟ وعليه : فقد امتلك الجيش الجرّار والإمكانات وما من شأنه أن يجعل الحكومة تطبّق الأهداف القرآنية

  • (1) سورة البقرة: الآية 61 .
  • (2) مسند أحمد 1: 760 ح 3336 .

(الصفحة 277)

المقدّسة ، أمّا زعامته وعلمه بأوضاع العالم الإسلامي وشجاعته واقتداره وارتشافه من ثدي الوحي وتتلمّذه على يد الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله) فحدّث ولا حرج ، ولكن ألم تشهد هذه الزعامة منذ انبثاقها ذلك التمرّد والعصيان ، ولاسيّما من أولئك الذين لم يروق لهم عدل علي (عليه السلام)  ، فرفعوا لواء المعارضة حتّى زجّوا بالإمام إلى ميادين القتال ، فكانت أوّلها معركة الجمل ، ألم يقل القرآن: {وَقَرْنَ فِى بُيُوتِكُنَّ}(1) فهل قرّت عائشة في بيتها أم تزعّمت العسكر لقتال علي (عليه السلام)  ، فخاطبها بكلّ حزن وأسى «أهكذا أمرك رسول الله (صلى الله عليه وآله) ؟»(2) .
وأخيراً رأينا كيف امتدت زعامة معاوية واتّسعت رقعتها ومدى الدماء الزكيّة التي أُريقت من أجل تلك الزعامة .
والذي نريد أن نخلص إليه هو بطلان تصوّر الموفّقية والنجاح التامّ لأئـمّة الدين في الزعامة ، ولو تزعّم الحسين (عليه السلام) الأمر لعانى ما عانى منه من قبله من الزعماء الربّانيين .

سر عدم النجاح :

لا شكّ أنّ السرّ في عدم موفقيّة هؤلاء القادة هو أنّ الاُمّة ليست توّاقة جميعها للعدالة ، كما أنّ الأفكار هي الاُخرى ليست مطهّرة من الشوائب ، فسنّة الله لم تجر بأن تبقى البشرية على فطرتها ولا تتأثّر بعوامل الانحراف ، بل غالباً ما تسيطر الشهوات والأطماع والخرافات والجهل على العقول ، وهذه هي العناصر التي تهدّد الحكومات ، ولذلك ليس لقوانين السماء حكومة عادلة موفّقة تماماً من أجل بسط العدل والقسط ، فهي لا تستطيع أن تقطع دابر المخلّين بالأمن والاستقرار وتحول

  • (1) سورة الأحزاب: الآية 33 .
  • (2) المناقب للخوارزمي: 189، مناقب آل أبي طالب لابن شهر آشوب 3: 161 ، وعنه بحار الأنوار 32: 182 .

(الصفحة 278)

دون جهلهم وأنانيّتهم ، بل هذا هو حال الأكثرية دائماً ، القوانين السماوية تتضمّن كافّة مفاهيم العدل والكمال والجلال ، إلاّ أنّها لا تفرض مفاهيمها على الناس قسراً ، فهي تطرح مشاريعها على الناس «وَمَن شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَن شَاءَ فَلْيَكْفُرْ»(1)، ولا يلومنّ إلاّ نفسه .
إنّ هدف الأنبياء هو جمع الناس على الدين والعبادة التي تكفل الفلاح والسعادة ، إلاّ أنّ هذا الهدف لم يدخل حيّز التطبيق أبداً: {يَا حَسْرَةً عَلَى الْعِبَادِ مَا يَأْتِيِهمْ مِن رَسُول يَأْتِيهِمْ إِلاَّ كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِءُونَ}(2) .
فالدين الإسلامي الذي جاء لتكامل الإنسان إنّما يمتلك الجهاز القيادي الكامل الذي لا يألو جهداً في إشاعة مفاهيم القرآن ، إلاّ أنّهم وبدءاً برسول الله (صلى الله عليه وآله) وأمير المؤمنين (عليه السلام) إنّما اصطدموا بجمّ من الحوادث التي تعرقل مشاريعهم وأهدافهم ، وقد بلغت هذه الحوادث ذروتها حتّى صوّرها أمير المؤمنين (عليه السلام) : «فصبرت وفي العين قذى وفي الحلق شجا»(3) .
وحين تدافعت الاُمّة لإمارته ، ولم يكن له بدّاً من قبولها رغم نفرته منها قال: «لولا حضور الحاضر وقيام الحجّة بوجود الناصر وما أخذ الله على العلماء أن لا  يقارّوا على كظّة ظالم ولاسغب مظلوم لألقيت حبلها على غاربها . . .»(4) ألم ينتصر المسلمون في ظلّ قائدته ، ويتّسع نور الإسلام في أطراف الدنيا؟ أو يمكن تصوّر تقاعس الإمام عن القيام بوظيفته في الزعامة؟ الواقع هو أنّ الدافع الذي كان يقف وراء رفض الإمام (عليه السلام) للزعامة هو علمه بهذه الصدور التي ملأت حقداً وغيضاً وطمعاً ، فما أكثر أمثال طلحة والزبير ومعاوية ، ولم تكن سيرة علي (عليه السلام)

  • (1) اقتباس من سورة الكهف: الآية 29 .
  • (2) سورة يس : الآية 30  .
  • (3) نهج البلاغة : 83 .
  • (4) نهج البلاغة : 90 .

(الصفحة 279)

تنسجم وتأمين الطلبات اللامشروعة ، ولذلك كان يعلم بأنّ هذه الخلافة التي تطالبه بالتزام جانب الحقّ والعدل وتطبيق الأحكام الإسلامية والمفاهيم القرآنية ستؤلّب عليه أعداء الدين ، وبغضّ النظر عن كلّ ذلك فقد قبل الخلافة وسار بالعدل وربط الاُمّة بدينها وقرآنها إلاّ أنّ ثمن ذلك كان باهضاً .
وخلاصة القول هو أنّه لا ينبغي أن يظنّ المؤلف بأنّ الحسين (عليه السلام) لو أطاح بحكومة يزيد وأخذ بزمام الاُمور فإنّه سيتمكّن تماماً من إشاعة الحرية والفضيلة ومفاهيم القرآن وبسط العدل والقسط والمساواة والإنصاف ، فلو انتصر الحسين (عليه السلام) واندحر يزيد ، فهناك مئات الأفراد من أمثال يزيد الذين تلبّسوا بلباس الإسلام ، وهذا ليس ذنب الأئـمّة (صلى الله عليه وآله)  ، بل ذنب هؤلاء المهووسين الذين يمثّلون عقبة كؤودة في طريق أئـمّة الدين وزعماء المسلمين .
وما عليك إلاّ أن تتأمّل صرخات الحسين (عليه السلام) يوم عاشوراء ، كان نداء مظلوميّة الإمام: علامَ تقاتلونني ، ما ذنبي؟ أو يكون ذنبي في دعوتكم لي ورسائلكم التي وردتني أن أقدم علينا فليس لنا من إمام ، فقدمت إليكم؟ لقد صوّرتم برسائلكم مدى الظلم والجور بما يجعلني لا أتريّث في القدوم إليكم ، أولم ير المؤلّف أنّ جواب هذه الصرخات المظلومة كان قد تمثّل بالتهليل والتصفير والسخرية والسبّ والشتم .

  • فغدوا حيارى لا يرون لوعظه فغدوا حيارى لا يرون لوعظه
  • سوى الأسنّة والرماح جواباً(1) سوى الأسنّة والرماح جواباً(1)

فليوقن المؤلّف العزيز بأنّ الإمام (عليه السلام) حتّى لو فتح الكوفة ، لما واجه من أولئك الأقزام سوى ذلك الجواب ، طبعاً ستقف الطائفة المؤمنة الغيورة إلى جانب الحسين (عليه السلام) وتهبّ للدفاع عنه ، غير أنّ ناهبي بيت المال وقطّاع الطرق واللصوص

  • (1) أعيان الشيعة 7: 26، والقصيدة بكاملها للسيّد رضا بن هاشم الرضوي الموسوي اللكهنوي .

(الصفحة 280)

سوف لن يقفوا مكتوفي الأيدي .
إذن ، فالصورة الاُولى التي رسمها المؤلّف ـ والتي تمثّل حلماً لذيذاً ـ لايمكن قبولها بأيّ شكل من الأشكال .

الصورة الثانية :

نريد أن نرى هل أنّ حادثة كربلاء وفقدان القائد ووقوع الاُمّة في قبضة يزيد كانت ضرراً على الإسلام أم نفعاً ؟ ولو كانت نفعاً فهل نبارك للأفراد الذين صنعوا هذه الحادثة المؤلمة ، أم لابدّ أن ندينهم ونلعنهم إلى يوم القيامة؟
لقد أشرنا باختصار إلى أنّ حادثة كربلاء قد انطلقت لصالح الإسلام منذ ولادتها ، وقد فشلت كافّة مخططات معاوية ومؤامراته وأمواله الطائلة التي أنفقها في إطار معاداة عليّ وأهل بيت النبوّة والرسالة  (عليهم السلام) ، وكان الفضل في ذلك لركب الأسرى والسبايا الذي خاطب الرأي العام في كلّ مكان وفضح يزيد و كشف مظلومية الحسين  (عليه السلام) ، والأهمّ من ذلك ما لعبته هذه الحادثة آنذاك من دور في التسلّل إلى أفكار يزيد ، فيزيد كان عازماً ـ منذ اليوم الأوّل لتربّعه على عرش السلطة ـ على القضاء على الإسلام وإبادة القرآن ، والتذكير والاعتزاز بعصر الآباء والأجداد، والتغنّي بالأصنام والأوثان ، فكان شعاره المشؤوم .

  • لَعبت هاشمُ بالملك فلا لَعبت هاشمُ بالملك فلا
  • خَبَرٌ جاءَ ولا وَحيٌ نَزَل(1) خَبَرٌ جاءَ ولا وَحيٌ نَزَل(1)

إلاّ أنّ يزيد نفسه قد استوقف تنفيذ هذه الخطّة بصورة موقّتة ، وقد علم بأنّ عليه أن يتحمّل الضربات تلو الضربات وينتظر زعزعة حكمه إذا أراد أن يقضي على الإسلام ويقتل الحسين  (عليه السلام) ، ولاشكّ أنّ ذلك التوقّف كان معلولا لحادثة

  • (1) تقدم في ص 207 .