جستجو در تأليفات معظم له
 

قرآن، حديث، دعا
زندگينامه
کتابخانه
احکام و فتاوا
دروس
اخبار
ديدارها و ملاقات ها
پيامها
فعاليتهاى فرهنگى
کتابخانه تخصصى فقهى
نگارخانه
پايگاه هاى مرتبط
مناسبتها
معرفى و اخبار دفاتر
صفحه اصلي  

كتابخانه فقه حماة الوحی
صفحات بعد
صفحات قبل
(الصفحة 278)

دون جهلهم وأنانيّتهم ، بل هذا هو حال الأكثرية دائماً ، القوانين السماوية تتضمّن كافّة مفاهيم العدل والكمال والجلال ، إلاّ أنّها لا تفرض مفاهيمها على الناس قسراً ، فهي تطرح مشاريعها على الناس «وَمَن شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَن شَاءَ فَلْيَكْفُرْ»(1)، ولا يلومنّ إلاّ نفسه .
إنّ هدف الأنبياء هو جمع الناس على الدين والعبادة التي تكفل الفلاح والسعادة ، إلاّ أنّ هذا الهدف لم يدخل حيّز التطبيق أبداً: {يَا حَسْرَةً عَلَى الْعِبَادِ مَا يَأْتِيِهمْ مِن رَسُول يَأْتِيهِمْ إِلاَّ كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِءُونَ}(2) .
فالدين الإسلامي الذي جاء لتكامل الإنسان إنّما يمتلك الجهاز القيادي الكامل الذي لا يألو جهداً في إشاعة مفاهيم القرآن ، إلاّ أنّهم وبدءاً برسول الله (صلى الله عليه وآله) وأمير المؤمنين (عليه السلام) إنّما اصطدموا بجمّ من الحوادث التي تعرقل مشاريعهم وأهدافهم ، وقد بلغت هذه الحوادث ذروتها حتّى صوّرها أمير المؤمنين (عليه السلام) : «فصبرت وفي العين قذى وفي الحلق شجا»(3) .
وحين تدافعت الاُمّة لإمارته ، ولم يكن له بدّاً من قبولها رغم نفرته منها قال: «لولا حضور الحاضر وقيام الحجّة بوجود الناصر وما أخذ الله على العلماء أن لا  يقارّوا على كظّة ظالم ولاسغب مظلوم لألقيت حبلها على غاربها . . .»(4) ألم ينتصر المسلمون في ظلّ قائدته ، ويتّسع نور الإسلام في أطراف الدنيا؟ أو يمكن تصوّر تقاعس الإمام عن القيام بوظيفته في الزعامة؟ الواقع هو أنّ الدافع الذي كان يقف وراء رفض الإمام (عليه السلام) للزعامة هو علمه بهذه الصدور التي ملأت حقداً وغيضاً وطمعاً ، فما أكثر أمثال طلحة والزبير ومعاوية ، ولم تكن سيرة علي (عليه السلام)

  • (1) اقتباس من سورة الكهف: الآية 29 .
  • (2) سورة يس : الآية 30  .
  • (3) نهج البلاغة : 83 .
  • (4) نهج البلاغة : 90 .

(الصفحة 279)

تنسجم وتأمين الطلبات اللامشروعة ، ولذلك كان يعلم بأنّ هذه الخلافة التي تطالبه بالتزام جانب الحقّ والعدل وتطبيق الأحكام الإسلامية والمفاهيم القرآنية ستؤلّب عليه أعداء الدين ، وبغضّ النظر عن كلّ ذلك فقد قبل الخلافة وسار بالعدل وربط الاُمّة بدينها وقرآنها إلاّ أنّ ثمن ذلك كان باهضاً .
وخلاصة القول هو أنّه لا ينبغي أن يظنّ المؤلف بأنّ الحسين (عليه السلام) لو أطاح بحكومة يزيد وأخذ بزمام الاُمور فإنّه سيتمكّن تماماً من إشاعة الحرية والفضيلة ومفاهيم القرآن وبسط العدل والقسط والمساواة والإنصاف ، فلو انتصر الحسين (عليه السلام) واندحر يزيد ، فهناك مئات الأفراد من أمثال يزيد الذين تلبّسوا بلباس الإسلام ، وهذا ليس ذنب الأئـمّة (صلى الله عليه وآله)  ، بل ذنب هؤلاء المهووسين الذين يمثّلون عقبة كؤودة في طريق أئـمّة الدين وزعماء المسلمين .
وما عليك إلاّ أن تتأمّل صرخات الحسين (عليه السلام) يوم عاشوراء ، كان نداء مظلوميّة الإمام: علامَ تقاتلونني ، ما ذنبي؟ أو يكون ذنبي في دعوتكم لي ورسائلكم التي وردتني أن أقدم علينا فليس لنا من إمام ، فقدمت إليكم؟ لقد صوّرتم برسائلكم مدى الظلم والجور بما يجعلني لا أتريّث في القدوم إليكم ، أولم ير المؤلّف أنّ جواب هذه الصرخات المظلومة كان قد تمثّل بالتهليل والتصفير والسخرية والسبّ والشتم .

  • فغدوا حيارى لا يرون لوعظه فغدوا حيارى لا يرون لوعظه
  • سوى الأسنّة والرماح جواباً(1) سوى الأسنّة والرماح جواباً(1)

فليوقن المؤلّف العزيز بأنّ الإمام (عليه السلام) حتّى لو فتح الكوفة ، لما واجه من أولئك الأقزام سوى ذلك الجواب ، طبعاً ستقف الطائفة المؤمنة الغيورة إلى جانب الحسين (عليه السلام) وتهبّ للدفاع عنه ، غير أنّ ناهبي بيت المال وقطّاع الطرق واللصوص

  • (1) أعيان الشيعة 7: 26، والقصيدة بكاملها للسيّد رضا بن هاشم الرضوي الموسوي اللكهنوي .

(الصفحة 280)

سوف لن يقفوا مكتوفي الأيدي .
إذن ، فالصورة الاُولى التي رسمها المؤلّف ـ والتي تمثّل حلماً لذيذاً ـ لايمكن قبولها بأيّ شكل من الأشكال .

الصورة الثانية :

نريد أن نرى هل أنّ حادثة كربلاء وفقدان القائد ووقوع الاُمّة في قبضة يزيد كانت ضرراً على الإسلام أم نفعاً ؟ ولو كانت نفعاً فهل نبارك للأفراد الذين صنعوا هذه الحادثة المؤلمة ، أم لابدّ أن ندينهم ونلعنهم إلى يوم القيامة؟
لقد أشرنا باختصار إلى أنّ حادثة كربلاء قد انطلقت لصالح الإسلام منذ ولادتها ، وقد فشلت كافّة مخططات معاوية ومؤامراته وأمواله الطائلة التي أنفقها في إطار معاداة عليّ وأهل بيت النبوّة والرسالة  (عليهم السلام) ، وكان الفضل في ذلك لركب الأسرى والسبايا الذي خاطب الرأي العام في كلّ مكان وفضح يزيد و كشف مظلومية الحسين  (عليه السلام) ، والأهمّ من ذلك ما لعبته هذه الحادثة آنذاك من دور في التسلّل إلى أفكار يزيد ، فيزيد كان عازماً ـ منذ اليوم الأوّل لتربّعه على عرش السلطة ـ على القضاء على الإسلام وإبادة القرآن ، والتذكير والاعتزاز بعصر الآباء والأجداد، والتغنّي بالأصنام والأوثان ، فكان شعاره المشؤوم .

  • لَعبت هاشمُ بالملك فلا لَعبت هاشمُ بالملك فلا
  • خَبَرٌ جاءَ ولا وَحيٌ نَزَل(1) خَبَرٌ جاءَ ولا وَحيٌ نَزَل(1)

إلاّ أنّ يزيد نفسه قد استوقف تنفيذ هذه الخطّة بصورة موقّتة ، وقد علم بأنّ عليه أن يتحمّل الضربات تلو الضربات وينتظر زعزعة حكمه إذا أراد أن يقضي على الإسلام ويقتل الحسين  (عليه السلام) ، ولاشكّ أنّ ذلك التوقّف كان معلولا لحادثة

  • (1) تقدم في ص 207 .

(الصفحة 281)

كربلاء وقافلة الأسرى . وإذا أردت أن تقف على هذا المعنى فتأمّل ما قاله يزيد بعد شهادة الحسين (عليه السلام) وهو يقارن بينه وبين الإمام: «فلعمري ما أحد يؤمن بالله واليوم الآخر يرى لرسول الله فينا عدلا ولا ندّاً»(1) . لاشكّ أنّ يزيد ينطق بذلك خداعاً ، فهو لا يؤمن برسول الله (صلى الله عليه وآله) إلاّ أنّ الحادثة اضطرّته إلى ذلك ليثني على رسول الله (صلى الله عليه وآله)  ، وإلاّ فقد أنشد:

  • لعبت هاشمٌ بالملك فلا لَستُ من خَندف إن لم أنتقم لَستُ من خَندف إن لم أنتقم
  • خَبَرٌ جاءَ ولا وحيٌ نَزَلْ من بني أحمد ما كان فَعَل(2) من بني أحمد ما كان فَعَل(2)

نعم ، كلّما قام زُعماء الدين وإن قتلوا ومن معهم من أتباعهم فإنّ أهدافهم ومشاريعهم دخلت حيّز العمل والتطبيق ، غاية ما في الأمر أ نّ ذلك يستتبع التضحية والفداء وفقد الأحبّة ، وإلاّ فالشهادة هي تحقيق الهدف ، لقد استشهد الحسين (عليه السلام) إحياءً للسنّة ، وحقّاً كان إحياؤها بشهادته ، لو لم ينهض الإمام ويتحمّل بصبر تلك المصائب وقتل الأحبّة وسبي النساء ، لما بقي من الإسلام إلاّ اسمه ، ومن القرآن إلاّ رسمه ولعلا صرح يزيد وعبيدالله وتحطّم صرح الدين ، نهضة الحسين (عليه السلام) وتضحياته العظيمة هي التي حالت دون بلورة خطط يزيد ، بل نهضة الحسين (عليه السلام) فضحت حكومة بني اُميّة وعرفت الاُمّة بشخصية يزيد ، ونهضة الإمام الحسين (عليه السلام) أثبتت أصالة الإسلام وحفظت القرآن . وهذا غيض من فيض آثار تلك الشهادة في أوائل واقعة كربلاء الأليمة .

معطيات الحادثة بعد وقوعها:

ربّما لا ينضب الحديث في هذا المجال ، فالمدرسة الحسينية مدرسة الحرية

  • (1) تاريخ الطبري 4: 355 .
  • (2) تقدم في ص 207 .

(الصفحة 282)

والتحرّر ، وكلّ ثائر في الإسلام إنّما يستصغر شأنه ودمه مقارنة بالحسين (عليه السلام) واستمداداً للعزم منه . المدرسة الحسينية مدرسة الشرف والشجاعة والمساواة والتضحية من أجل إنماء شجرة الإسلام ، لقد تعلّم شهداء المدرسة الإسلامية دروس الفداء والتضحية من هذا الرجل الربّاني أبي الأحرار والثورة ، والتأمّل في الحديث القائل بأنّ كلّ مسجد إنّما بني بفضل دم شهيد سفك لا يفيد سوى الإقرار والشهادة على صحّة هذا الحديث ، فما المساجد والمعابد التي تشكّل مراكز العبودية إلاّ قبسات من شعاع الحسين (عليه السلام) وتضحياته الحسام ، لقد استشهد الحسين  (عليه السلام) ، أمّا الإسلام فقد التقط أنفاسه وتجدّدت حياته .
نعم ، إنّما أحرقت خيام الحسين (عليه السلام) لتُقام خيام الإسلام التي تنشر معارف الدين وأحكام القرآن إلى يوم القيامة ، لقد أصبح الحسين (عليه السلام) والإسلام اليوم بمثابة «الصورة والمادّة» وصار الحسين (عليه السلام) هو الفصل المميّز للإسلام .

الحسين (عليه السلام) والإسلام:

لا يسع الأحرار من محقّقي الأديان ومفكّريها في بحثهم لحقيقة الدين إلاّ من خلال الإمام الباذل لمهجته ، وقد تعرّفت الدنيا اليوم ومن خلال دراستها لحادثة كربلاء على منهج الإسلام ومفاهيم هذا الدين الحنيف ، فكانت بركة بطلها هذا التشيّع الذي ساد وما زال يسود كافّة بقاع الأرض ، فقد عاش المذهب الاثناعشري ردحاً من الزمن حياته خلف الحُجب ولم يستطع الأئـمّة الأطهار (عليهم السلام) من التعرّض علناً لمسألة من مسائله على أساس فقههم دون اللجوء إلى التقيّة والحذر من العدوّ ، بينما غدا ببركة الحسين (عليه السلام) مذهباً رسمياً يظهر ملايين البشر من خلاله تشيّعهم ليمارسوا حياتهم وتعاليمهم بالانضواء تحت لواء الإمام الصادق (عليه السلام) زعيم المذهب .