جستجو در تأليفات معظم له
 

قرآن، حديث، دعا
زندگينامه
کتابخانه
احکام و فتاوا
دروس
اخبار
ديدارها و ملاقات ها
پيامها
فعاليتهاى فرهنگى
کتابخانه تخصصى فقهى
نگارخانه
پايگاه هاى مرتبط
مناسبتها
معرفى و اخبار دفاتر
صفحه اصلي  

كتابخانه فقه حماة الوحی
صفحات بعد
صفحات قبل
(الصفحة 79)

يصرّح بأنّه معلّم خاص ، بل صرّحت الآيات بعموميّة تعليمه للجميع ، من قبيل الآية: {لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِى ضَلاَل مُبِين}(1) .
فالآية الكريمة صريحة في عمومية تعليم وتربية رسول الله للاُمّة ، وكذلك الآية الكريمة من سورة الجمعة ، رغم أنّها خصّت تعليم الرسول بالاُميّين وعرب مكّة وأُمّ القرى ، إلاّ أنّها أزالت تلك الخصوصية ومنحت ذلك التعليم بعداً عمومياً ، فقالت: {هُوَ الَّذِى بَعَثَ فِى الاُْمِّيِّينَ رَسُولا مِنْهُمْ يَتْلُواْ عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِى ضَلاَل مُبِين* وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ}(2) .
كما صرّحت الآية: {كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولا مِنكُمْ يَتْلُواْ عَلَيْكُمْ آيَاتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُم مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ}(3) .
وبناءً على هذا فالنبي الأكرم (صلى الله عليه وآله) معلّم عام للناس كافّة ، ولا نريد أن نقول بأنّ التعليم إنّما يقتصر على طائفة محدودة هي طائفة من بني هاشم ، بل نقول: إنّ دعوة إبراهيم وإسماعيل (عليهما السلام) هي قيام النبي محمّد (صلى الله عليه وآله) من أجل تربية وإعداد هذه الصفوة من أهل بيت النبوّة ، وهذا ما لم يتحفّظ عليه جملة من مفسّري العامّة التي أوردت في تفاسيرها لهذه الآيات كلمة «أهل البيت» . وقد كان حديث أبي عمرو الزبيري عن الإمام الصادق (عليه السلام) الذي أوردناه سابقاً صريحاً في هذا المعنى .
ولا بأس بدراسة سائر الآيات بهذا الخصوص من أجل توضيح المراد بما

  • (1) سورة آل عمران: الآية 164 .
  • (2) سورة الجمعة: الآية 2 ـ 3 .
  • (3) سورة البقرة: الآية 151 .

(الصفحة 80)

لايبقى معه مجال للشكّ ، ففي الوقت الذي يعتبر فيه القرآن الكريم تعليم الكتاب والحكمة لكافّة الناس ، نراه قد صنّف مثل هذا التعليم لينتقل به من الاختصاص إلى العموم; أي أنّه خصّ التزكية والتعليم بالأنبياء ومن الأنبياء إلى طائفة خاصّة ومن هذه الطائفة إلى عامّة الناس ، ولا يسعنا هُنا إلاّ أن نستعرض هذا التصنيف كما صرّح به كتاب الله:
1 ـ قال الله تعالى بشأن عيسى (عليه السلام) : {وَيُعَلِّمُهُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْراةَ وَالاِْنجِيلَ}(1) ، وخاطب النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله) قائلا: {وَأَنزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُن تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيماً}(2) . فالآيتان الكريمتان وأمثالهما مختصّتان بأنبياء الله ، فالله هو معلم عيسى ومحمّد (صلى الله عليه وآله)  ، وقد تولّت الذات الإلهيّة المقدّسة تعليم الأنبياء الكتاب والشرائع وأسرار الحكمة ، فالله هو المربّي والنبيّ هو التلميذ وعلم الكتاب والحكمة هي المواد الدراسية .
2 ـ قام الأنبياء في بعض الأحيان بوظيفة التعليم الخصوصي ، فأعدّوا طائفة من المتخصّصين في علم الكتاب والحكمة وتزكية النفس وتهذيبها ، فقد علّم الخضر موسى (عليه السلام)  ، كما كان أمير المؤمنين (عليه السلام) التلميذ الممتاز الخاصّ للنبي الأكرم (صلى الله عليه وآله)  ، حيث قال: «علّمني ألف باب»(3) وقد تتلمّذ هارون على يد أخيه موسى (عليه السلام)  ، كما تتلمّذ الحواريون على يد عيسى (عليه السلام)  . وأوضح آية يمكننا الاستشهاد بها بشأن تعليم النبي الخاصّ لتلامذته وخاصّته من أهله ، هي التي نخوض في بحثها {وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ} .
3 ـ أمّا الآيات التي تدلّ على عمومية رسالة النبي (صلى الله عليه وآله) وكون التهذيب

  • (1) سورة آل عمران: الآية 48 .
  • (2) سورة النساء: الآية 113 .
  • (3) الإرشاد للمفيد 1: 34، إعلام الورى 1: 318، بحار الأنوار 40: 144 ح 50.

(الصفحة 81)

الأخلاقي والتعليم والتزكية عامّة للجميع ، فهي الآية الثانية من سورة الجمعة والآية 151 من سورة البقرة والآية 164 من سورة آل عمران التي ذكرناها سابقاً .
فالذي تفيده الآيات الواردة في هذا الباب هي:
1 ـ أنّ الأنبياء تلامذة مدرسة الوحي .
2 ـ الأنبياء أساتذة المجتمعات البشرية .
3 ـ تلامذة الأنبياء على قسمين: تلامذة متفوّقون يتعلّمون ويتزكّون مباشرة من قبل النبي وتعليمه الخاصّ ، وتلامذة اعتياديون يتلّقون تعليم النبي وهدايته وإرشاده العام .
4 ـ المهمّ في جميع هذه المدارس هو تعليم كتاب الله والحكمة ، فالله يعلّم أنبياءه كتابه من خلال الوحي كما يعلّمهم أسرار الخلقة والدين ، فيقوم الأنبياء بتعليم هذه الأُمور بصورة خاصّة إلى التلامذة المتفوّقين الذين يضاهون الأنبياء بلطف الله في إخلاصهم وطاعتهم وتسليمهم لله ، كما يقومون بأنفسهم أو بواسطة هؤلاء التلامذة الأكفّاء بتعليم هذه المواد العلمية إلى عامّة التلامذة .

إشكال مهمّ:

كان البحث في أن تستنبط قضية الإمامة من الكتاب ، وقد استشهدنا بالآيات المرتبطة بدعوة إبراهيم (عليه السلام) على أنّ مبدأ الإمامة قد طرح منذ زمان إبراهيم (عليه السلام)  ، والشرائط التي ينبغي أن تتوفّر وتكتمل في الإمام هي الوقوف التام على كتاب الله وأسرار الدين ، واشتماله على النفس الزكية والروح السامية ، التي لا يشوبها أدنى دنس أو سابقة من شرك وظلم ورجس أخلاقي وعبادة للهوى والهوس والخرافات . وقد تمسّكنا ـ لإثبات هذا الأمر ـ بذيل الآية التي قالت: {وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ . . .} والحال أنّ هذه الآية وردت بشأن تعليم وتزكية
(الصفحة 82)

عامّة المسلمين ، وقد ورد في القرآن قوله: {لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُواْعَلَيْهِمْ آيَاتِهِوَيُزَكِّيهِمْوَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ}(1) .
وبناءً على هذا فكما يتمتّع الإمام بتعليم وتزكية النبي ، فإنّ هذا التعليم والتزكية يشملان عامّة المسلمين ، فأيّ امتياز للأئمة ورد في هذه الآيات؟ فكما أنّ النبي معلّمهم ومواده الدراسية هي الكتاب والحكمة والتزكية ، فهو معلّم الجميع ويعلّمهم ذات المواد ، فليس هنالك أيّ مزيّة للأئمّة على غيرهم ، في أنّهم تلامذة مدرسة الوحي ، وأنّ لهم اطّلاعاً وإحاطة بجميع كتاب الله وأسرار الشريعة ويشتملون على كافّة الكمالات الإنسانية ، فلو كانوا كذلك ، لكان كلّ تلميذ في هذه المدرسة كذلك أيضاً ; لأنّ الآيات لم تثبت سوى كون النبي (صلى الله عليه وآله) معلّماً لهم بصورة خاصّة ولعامّة الناس بصورة عامّة وكون المواد الدراسيّة نفسها .
هذه خلاصة الإشكال الذي قد يقتدح في ذهن مَن ليس له معرفة بالقرآن الكريم ، وهنا لابدّ من الالتفات إلى أصل القضية ليتّضح الأمر .
فقد سأل إبراهيم وإسماعيل (عليهما السلام) أمرين مهمّين هما:
1 ـ بعث نبيٍّ من ذريّتهما من طائفة بني هاشم .
2 ـ قيام النبي المبعوث من هذه الطائفة بتعليم وتزكية طائفة من أهل بيت النبوّة ، بحيث ينهض رسول الله بهذه الوظيفة مُباشرة دون واسطة .
وبناءً على هذا فإنّ مثل هذا التعليم الخاص كان غاية ودعوة إبراهيم وولده إسماعيل (عليهما السلام)  ، وقد أُجيبت دعوتهما ، أي قد بعث نبي من هذه الطائفة ، كما قام الرسول بوظيفته التعليمية مُباشرة ، ولا تعني استجابة الدعاء أنّ إبراهيم وإسماعيل (عليهما السلام) يريدان فيقوم النبي ويمارس وظيفته التعليميّة دون أن يكون للأئمّة من دور في هذا الأمر ، بل معنى استجابة الدعاء هو ظهور أفراد أشدّاء وأزكياء

  • (1) سورة آل عمران: الآية 164 .

(الصفحة 83)

وعُلماءبكتاب اللهوآيات الرحمن ،ومن ذوي البصائر بفلسفة الدين وأسرار الخليقة .
ودليل هذا الظهور أنّهم في الوقت الذي يعيشون الإخلاص والتسليم ، وتنبض قلوبهم بالتوحيد وعشق الحق ، فقد كانوا يتضرّعون لأن يظهر مثل هؤلاء الأفراد في هذه الطائفة يتّصفون بالإخلاص في العبودية لله ، ويعيشون الانقطاع والتسليم لله والطهارة من كلّ رجس ودنس ، وعليه : فهذه الطائفة المخلصة كانت تمتلك الاستعداد الروحي ، وقد تعلّمت وتزكّت بفضل هذا الإستعداد في مدرسة الرسالة تحت إشراف النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله) وتعليمه الخاصّ .
ولعلّ كلمات أمير المؤمنين علي (عليه السلام) في نهج البلاغة بشأن كيفيّة ترعرعه في حضن رسول الله (صلى الله عليه وآله) والسموّ والكمال الذي بلغه في ظلّ العناية التي أولاها إيّاه النبي (صلى الله عليه وآله) ومنزلته الخاصّة لديه إشارة إلى هذا المعنى ، فقد قال (عليه السلام) : «وضعني في حجره وأنا ولد يضمّني إلى صدره ، ويكنفني إلى فراشه ، ويمسّني جسده ويشمّني عرفه ، وكان يمضغ الشيء ثمّ يلقمنيه ، وما وجد لي كذبة في قول ، ولا خطلة في فعل . ولقد قرن الله به (صلى الله عليه وآله) من لدن أن كان فطيماً أعظم ملك من ملائكته يسلك به طريق المكارم ، ومحاسن أخلاق العالم ليله ونهاره . ولقد كنت أتّبعه اتّباع الفصيل أثر اُمّه ، يرفع لي في كلّ يوم من أخلاقه علماً يأمرني بالاقتداء به ، ولقد كان يجاور في كلّ سنة بحر فأراه ولا يراه غيري ، ولم يجمع بيت واحد يومئذ في الإسلام غير رسول الله (صلى الله عليه وآله) وخديجة وأنا ثالثهما ، أرى نور الوحي والرسالة ، وأشمّ ريح النبوّة ، ولقد سمعت رنّة الشيطان حين نزل الوحي عليه (صلى الله عليه وآله) فقلت: يا رسول الله ما هذه الرنّة؟ فقال: هذا الشيطان آيس من عبادته ، إنّك تسمع ما أسمع وترى ما أرى ، إلاّ أنّك لست بنبيّ ، ولكنّك وزير وإنّك لعلى خير»(1) .

  • (1) نهج البلاغة لمحمد عبده: 436 ـ 437 .