(الصفحة 10)
بالباطل من خلال تدليس قد يطمس معالم الهدى ويساهم ـ والعياذ بالله ـ في إضلال الأمّة ، ولعلّ فيها طالب حقّ يسعى لما يسكّن روعه ، ويلتقي بالفطرة التي زيّنها الله في قلبه من حبّ آل محمّد وولايتهم
{وَلَكِنَّ اللهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الاِْيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ}(1) ، أو مؤمناً موالياً بحاجة لما يربط على قلبه ويثبت عقيدته ويرسخ ولاءه . . . الأمر الذي يدخل في صميم الدور الرسالي لعلماء الدين . من هنا نجد الإمام الخميني قدّس الله سرّه ينهض بهذا الدور ويباشر هذه المسؤولية على امتداد مسيرته ، حتّى ختم حياته وزيّن مطلع وصيّته للاُمّة الإسلامية بحديث الثقلين إذ يقول:
«إنّ حديث الثقلين متواتر بين جميع المسلمين وقد نقل في كتب السنّة ـ من الصحاح الستّة إلى الكتب الأخرى ـ بألفاظ مختلفة وموارد متكرّرة ، متواتراً عن رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) . وهذا الحديث حجّة قاطعة على جميع البشر خصوصاً مسلمي المذاهب المختلفة ، ويجب على كلّ المسلمين الذين تمّت الحجّة عليم أن يقدموا الإجابة عن ذلك ، وإذا كان ثمّة عذر للجاهلين غير المطّلعين فلا عذر لعلماء المذاهب» .
ويقول رضوان الله عليه في مقطع آخر من الوصية:
«نحن فخورون بأنّ مذهبنا جعفري وأنّ فقهنا ، هذا البحر الزاخر ، هو أحد آثاره ، ونحن فخورون بكلّ الأئمّة المعصومين عليهم صلوات الله ، ونحن ملتزمون باتّباعهم» .
ولمّا كان الكتاب قد اُلّف قبل فترة بعيدة ، فقد طلبت من سماحة
(الصفحة 11)
الشيخ مدّ ظلّه ملاحظة صياغة بعض العبارات وإدخال شيء من التعديلات ، كما اقترحت عليه تغيير اسم الكتاب ، فقد نُشر في طبعته السابقة باسم
«أهل البيت أو الشخصيات اللامعة في آية التطهير» فتفضّل واستجاب مشكوراً . . .
وإلى جانب الترجمة ، قمت بتخريج بعض الروايات والنصوص المنقولة وإرجاعها إلى مصادرها ، وتعديل مصادر أخرى ـ مذكورة في الأصل ـ إلى طبعاتها الجديدة المتداولة ، ولما كانت أغلب التخريجات مُجملة مكتفية باسم الكتاب أو الجزء دون ذكر رقم الصفحة فقد قمت بتفصيلها ، بالإضافة إلى توضيح بعض ما احتملت غموضه على القارئ ، وحيث إنّي قمت بإدراج تعليقات المؤلّف في المتن نفسه ونقلتها من الحاشية وضمّنتها الأصل; لذا فإن كلّ ما في الهامش يرجع إلى الترجمة لا التأليف ، واكتفيت بذكر الأمر هنا على التوقيع في ذيل كلّ تعليق . . .
نسأل الله لسماحة الشيخ الصحّة والعافية ودوام التوفيق; ليرفد الأمّة بالمزيد من النتاجات العقائدية والفكرية إلى جانب ما يضطلع به من أعباء ومسؤوليات الإفتاء والمرجعية ، إنّه سميع مجيب .
(الصفحة 12)
(الصفحة 13)
بسم الله الرحمن الرحيم
(إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً} الأحزاب (33)
تُعدّ هذه الآية الشريفة ـ وفقاً لروايات العامّة والخاصّة ـ من أشهر ما نزل في واقعة معيّنة تخصّ ثلّة خاصّة من أقرباء النبيّ(صلى الله عليه وآله) ، ولا ريب في دلالة هذه الآية على أفضلية أهل البيت(عليهم السلام) وطهارتهم ومنزلتهم .
إنّ خلاصة مدلول هذه الآية درر مرصعة بالفضيلة والطهارة والكفاءة ، واستحقاق مرتبة الخلافة العظمى ، إنّ آية التطهير تخصّ بالذكر اُناساً يَسمّون فوق اُفق الإنسانية حتّى الكاملة منها ، ويسبحون في فضاء لا يرقى إليه أحد ، لا ملكٌ مقرّب ولا نبيٌّ مرسل ولا صدِّيق ولا شهيد . . .
وإن قلنا: إنّ هذه الصفوة من عباد الله تمسّكوا بهذه الآية ، وأثبتوا على أساسها في عشرات الموارد تفوّقهم وأفضليتهم على غيرهم ، لما كان قولنا جزافاً . . .
(الصفحة 14)
لقد سمّرت هذه الآية الشريفة أعين ذوي البصائر صوب قمم العصمة والطهارة ، وكبَحَت المتعصّبين بلجام عصبيتهم ، وأعيتهم عن التنكّر لأفضلية أهل البيت(عليهم السلام) وأحقّيتهم وكمالهم ، ومن هناك حيث يطلع طلاّب الحقّ الذين تخلّصوا من جمود التعصّب ، تتجلّى أحقّيتهم صلوات الله عليهم .
والوقوف على دلالة هذه الآية الكريمة والإحاطة بمفادها العميق يتطلّب المزيد من الدراسة والتحرّي والتحقيق ، وللوهلة الأولى ـ إذا ما صرفنا النظر عن الروايات ـ نرى أنّ البحث ينبغي أن ينصبّ على نكات خمس رئيسية جديرة بالاهتمام:
النكتة الأولى:
كون الآية الكريمة قد ذُكرت خلال آيات خاطبت زوجات النبيّ(صلى الله عليه وآله) ، وعند التدقيق يتّضح أن لا علاقة لها بهاتيك النسوة .
النكتة الثانية:
المفارقة التي تسجّل حول الآية بلحاظ شأن نزولها من جهة ، وقد نزلت بصورة مستقلّة في مورد خاصّ ، وكان محلّ نزولها بيتاً من بيوت نساء النبيّ(صلى الله عليه وآله) ، ومن جهة أُخرى ترتيبها في طريق التدوين ، الذي تخلّل آيات تتحدّث عن نساء النبيّ(صلى الله عليه وآله) بحيث جاءت مقحمة في سياق:
{وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلاَ تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الاُْولَى وَأَقِمْنَ الصَّلاَةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللهَ وَرَسُولَهُ إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً}(1) .
النكتة الثالثة:
البحث في المقصود من «الإرادة» في قوله تعالى: