جستجو در تأليفات معظم له
 

قرآن، حديث، دعا
زندگينامه
کتابخانه
احکام و فتاوا
دروس
اخبار
ديدارها و ملاقات ها
پيامها
فعاليتهاى فرهنگى
کتابخانه تخصصى فقهى
نگارخانه
پايگاه هاى مرتبط
مناسبتها
معرفى و اخبار دفاتر
صفحه اصلي  

كتابخانه تفسیر آیة التطهیر
صفحات بعد
صفحات قبل
(الصفحة 95)

ومن الآيات التي تتضمّن وجود إرادة تكوينية للإنسان وإمكان تخلّف المراد عن الإرادة في هذه الحالة ، نذكر جملة منها:
1 ـ {يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ}(1) .
2 ـ {يُرِيدُونَ أَنْ يَخْرُجُوا مِنْ النَّارِ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنْهَا وَلَهُمْ عَذَابٌ مُقِيمٌ}(2) .
وفي هذه الآيات يتّضح معنى أنّ الإرادة التكوينية للبشر ورغبتهم لا تتحقّق دائماً ، وبطبيعة الحال فهي ليست نافذة بالضرورة ، ويستفاد كذلك من هذه الآيات أنّ هذه الإرادة البشرية محكومة ومقهورة بالإرادة الأزلية للباري تعالى ، وعندما تصطدم وتتعارض الإرادتان ، فإنّ ما يريده الله هو ما سيجري ويتحقّق لا ما يريده الناس .

أمّا الآيات التي تشير إلى الإرادة التشريعية ، فمنها:

1 ـ {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاَةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَر أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لاَمَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ مَا يُرِيدُ اللهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَج
  • (1) الصفّ : 8  .
  • (2) المائدة : 37  .

(الصفحة 96)

وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ}(1) . من المسلّم أنّ الإرادة في هذه الآية الشريفة {يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ} إرادة تشريعية ، أي أنّ الهدف الإلهي من جعل هذه الأحكام هو تطهير الناس ، إذن فالإرادة التشريعية هنا هي وضع أحكام الطهارة من غسل ووضوء وتيمّم ، والهدف هو طهارة الناس من الحدث والخبث ، وبديهي أنّ البعض سيمتثل لهذه الأحكام ويعمل بها ، بينما سيعرض عنها آخرون ولا ينفذونها ، أمّا لو كانت إرادة إلهية على نحو التكوين لما أمكن لأحد أن يتخلّف عن تطهير نفسه .
وقد ذكرنا في معنى الإرادة التشريعية أنّها تتعلّق بفعل الغير ـ على ضوء إرادته واختياره ـ وفي هذه الآية اُضيفت إرادة الله سبحانه وتعالى إلى أفعال الناس ، وغايتها أن يقوم المؤمنون وفق اختيارهم بالوضوء والغسل والتيمّم ، وكون الإرادة هنا تعلّقت بفعل الإنسان ، إذن لا ترديد أنّ الإرادة في هذه الآية {يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ} إرادة تشريعية لا تكوينية .
2 ـ { . . . فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَر فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّام أُخَرَ يُرِيدُ اللهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُم الْعُسْرَ . . .}(2) . وممّا سبق بيانه في الآية السابقة يتّضح أنّ «الإرادة» في هذه الآية من قبيل سابقتها تشريعية أيضاً ، وأنّها بصدد وضع قانون الصيام وضوابطه المختلفة المتعلّقة بالسفر والحضر أو الصحّة والمرض ، بما يخفّف على المضطرّين ، ولا يوقعهم في العُسر والمشقّة ، ويجعل الصيام
  • (1) المائدة : 6  .
  • (2) البقرة : 185  .

(الصفحة 97)

مفروضاً على الجميع دون مراعاة للحالات الخاصّة ، إذن الإرادة في الآية تتعلّق بتشريع الأحكام والفروض ، وليست هذه إلاّ الإرادة التشريعيّة بعينها .

الإرادة في آية التطهير

بعد بيان نوعيّ الإرادة  ، لننظر في آية {إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً} من أيّ القسمين هي؟
ذهب بعض مفسِّري العامّة وكبار علمائهم إلى أنّ الإرادة في آية التطهير هي من قبيل الإرادة التشريعية ، ويرجع هذا الرأي إلى ما افترضوه في أنّ مخاطب الآية هو زوجات النبيّ(صلى الله عليه وآله) ، أو ما هو أعمّ من الزوجات وأهل البيت ، وذلك لوقوعها في سياق الآيات التي كانت تحثّ الزوجات وترغبهنّ بأعمال معيّنة وتحدّد لهنّ تكاليفهنّ تجاه الرسول(صلى الله عليه وآله) ، فافترضوا أنّ التطهير المشار إليه في الآية هو محصلة امتثالهنّ وقيامهنّ بما اُمرن به ، وعلى هذا يكون الغرض من هذا التشريع (في الآية) تطهير زوجات النبيّ(صلى الله عليه وآله) وأهل بيته(عليهم السلام)وتنزيههنّ عن الذنب وعصيان الرسول(صلى الله عليه وآله) ، وأنّه تطهير تشريعي يعقّب العمل الذي يقوم به المكلّف وفق اختياره ورغبته ، لا تكويني سيتحقّق بإرادة الباري عزّوجلّ وبصرف النظر عن فعل ورغبة المكلّف .

ماذا يقول سيّد قطب في ظلاله ؟

يقول في ذيل آية التطهير: «في العبارة تلطّف ببيان علّة التكليف وغايته ، تلطّف يشي بأنّ الله سبحانه ـ يشعرهم بأنّه بذاته العلّية ـ
(الصفحة 98)

يتولّى تطهيرهم وإذهاب الرجس عنهم; وهي رعاية علوية مباشرة بأهل هذا البيت ، وحين نتصوّر من هو القائل ـ سبحانه وتعالى ـ ربّ هذا الكون ، الذي قال للكون: كن فكان . الله ذو الجلال والإكرام ، المهيمن العزيز الجبّار المتكبِّر . وأخيراً فإنّه يجعل تلك الأوامر والتوجيهات وسيلة لإذهاب الرجس وتطهير البيت ، فالتطهير من التطهّر ، وإذهاب الرجس يتمّ بوسائل يأخذ الناس بها أنفسهم ويحقّقونها في واقع الحياة العملي»(1) .
على هذا المبنى الذي يفرضه سيّد قطب في آية التطهير فلا سبيل أمامه إلاّ اعتبار الإرادة هنا تشريعية ، إذ هو يفرض العلّة في التكليف إزالة الرجس والتحلّي بالطهارة ، وعليه فإنّ الأوامر والنواهي التي جاءت بها الآيات السابقة للنساء كانت لتحقّق هذه الحالة ، الحالة التي لن توجد وتتحقّق إلاّ من خلال العمل بتلك التكاليف ، ومن ثمّ ليست إرادة الباري سوى تشريع الأحكام لهنّ ، وهذا التشريع جاء لمجرّد إزالة الرجس وإيجاد الطهارة . ومع أنّ سيّد قطب يصرّح في بعض عباراته بأنّ الله سبحانه وتعالى باشر بذاته المقدّسة تطهير أهل البيت وتولّى إذهاب الرجس عنهم ، (الله الذي يخلع الوجود على مخاطبيه بمجرّد «كن» فيكونون ، وهذه العبارات لا تليق ولا تناسب إلاّ شأن الإرادة التكوينية ، فالخطاب بـ «كن» من أبرز مصاديق الحالة التكوينية) لكن الرجل في بداية حديثه ونهايته جعل آية التطهير علّة وغاية لفرض واجبات وإلقاء تكاليف إلهية على نساء النبيّ(صلى الله عليه وآله) ، وأنّ الامتثال لهذه

  • (1) في ظلال القرآن / سيّد قطب 5 : 2862  .

(الصفحة 99)

التكاليف هو السبيل الوحيد للخلاص من الأرجاس والتحلّي بالطهارة ، وهذا التركيب لا ينطبق إلاّ مع الإرادة التشريعية التي تبيّن لنا أنّها متعلّقة بفعل المكلّف . على هذا يمكننا القول: إنّ سيّد قطب يذهب إلى أنّ الإرادة الإلهية في آية التطهير تشريعية لكنّه لم يصرّح بهذا المعنى ، كما أنّه جاء ببعض خصائص ومميّزات الإرادة التكوينية وطبّقها على الآية .

هل الإرادة في آية التطهير تشريعيّة ؟

بعدما اتّضح أنّ كلتا الإرادتين ـ التكوينية والتشريعية ـ مذكورتان في القرآن الكريم ، نقول: إنّ الإرادة في آية التطهير تكوينية بعدّة أدلّة:
1 ـ ينبغي في تحديد معنى «إرادة» وغيرها من الكلمات ملاحظة الظهور النوعي لها ، والمعنى الذي يشكّل الغلبة ويحقّق لنفسه حالة الأصل ، بحيث يفتقر صرفه لمعنى آخر إلى القرينة ، وعند خلوّ الذكر والإطلاق عن القرائن تُحمل الكلمة على معناها الظاهر . وممّا لا شكّ فيه أنّ ظهور «الإرادة» وشيوع استعمال هذا اللفظ في القرآن الكريم هو في المعنى التكويني ، بحيث يمكننا القول: إنّ المعنى المقابل ، أي
التشريعي (أي نفس التكاليف الشرعية من أوامر ونواه) لم يكن في القرآن إلاّ نزراً يسيراً ، ووفق ما تحرّيناه فإنّه من 138 مورداً ذكرت
فيه «الإرادة» فقد استعملت في 135 مورداً في المعنى التكويني (ونقصد ـ بطبيعة الحال ـ الإلهي منه والإنساني) ، واستعملت في 3 موارد فقط