(الصفحة 479)
الاشتغال بوجه.
ثمّ إنّه لو بان بعد ذلك انّ الدم المردّد كان غير معفوّ عنه وانّه دم الحيض ـ مثلاًـ فيمكن أن يقال بأنّه من موارد الجهل بالنجاسة وانّه لا يجب عليه الإعادة والقضاء نظراً إلى انّ الجهل بالنجاسة انّما يوجب الاجزاء من جهة مانعيتها بمعنى انّ مانعية النجاسة انّما هي مع العلم بالنجاسة وإحرازها، وامّا في صورة الجهل فلا يكون هناك مانعية من هذه الجهة والمفروض في المقام احتمال كون الدم معفوّاً عنه غير مانع من تحقّق الصلاة ويمكن أن يقال بالعدم نظراً إلى انّ المجهول في المقام هو كونه معفوّاً عنه بعد الفراغ عن أصل النجاسة وإحرازها ولا دليل على إجراء حكم الجهل بالنجاسة على الجهل بالمعفوية كما لا يخفى.
الفرع الثاني: لو شكّ في كون الدم غير المستثنى أقلّ من الدرهم حتّى يكون معفوّاً عنه أم لا حتّى لا يكون كذلك ويجري فيه الوجه الرابع من الوجوه المتقدّمة في الفرع السابق وكان ذلك الوجه هي العمدة في الحكم بالعفو هناك وهكذا في المقام.
ولكنّه ربّما يقال ـ والقائل هو بعض الأعلام ـ بأنّ العفو وعدمه في مورد الكلام يبتنيان على ملاحظة انّ الدم المانع هل يكون مقيّداً بعنوان وجودي وهو كونه بمقدار الدرهم فما زاد أو بعنوان عدمي وهو عدم كونه أقل من الدرهم، فعلى الأوّل يجري استصحاب عدم كون الدم بقدر الدرهم فما زاد لجريان استصحاب العدم الأزلي فهو دم بالوجدان وليس بمقدار الدرهم بالاستصحاب فيدخل بذلك تحت العموم ويعفى عنه في الصلاة.
وعلى الثاني مقتضى الاستصحاب الجاري في العدم الأزلي عدم اتّصافه بالقلّة فيدخل تحت العموم ويكون مانعاً تجب إزالته والأخبار الواردة في المقام وإن كانت
(الصفحة 480)
مختلفة ـ حيث إنّه يستفاد من بعضها انّ المانع هو الدم بمقدار الدرهم فما زاد كما في رواية الجعفي «وإن كان أكثر من قدر الدرهم» ويستفاد من بعضها الآخر انّ المانع هو الدم الذي لا يكون أقلّ من قدر الدرهم كما في رواية محمد بن مسلم «وما كان أقلّ من ذل فليس بشيء» ورواية الجعفي في قوله «إن كان أقلّ من قدر الدرهم فلا يعيد الصلاة ـ إلاّ انّ المستفاد من كلماتهم هو الأخير حيث ذكروا: انّ ما دون الدرهم يعفى عنه، وعليه فيكون المانع هو الدم المقيّد بأن لا يكون أقلّ من ذلك وهو وصف عدمي وهذا غير بعيد.
ولكن قد عرفت عدم جريان الاستصحاب في العدم الأزلي بهذه الكيفية لعدم كون الاتصاف ـ وجودياً كان أو عدمياً ـ له حالة سابقة متيقّنة لأنّ ثبوت شيء ـ وجودي أو عدمي ـ لشيء فرع ثبوت المثبت له والسالبة المنتفية بانتفاء الموضوع تغاير المنتفية بانتفاء المحمول ولا مجال لإبقاء الاُولى وإثبات الثانية بوجه.
ثمّ إنّه أفاد في «المستمسك» انّه على تقدير جريان هذا الاستصحاب لا مجال له في المقام لأنّ زيادة الدم ليست من قبيل عوارض الوجود المسبوقة بالعدم الأزلي بل هي منتزعة من نفس تكثّر حصص الماهية فهذه الكثرة كثرة قبل وجودها وبعده لا انّها قبل الوجود لا كثرة وبعد الوجود صارت كثرة.
أقول لا تنبغي المناقشة في انّ الكثرة وصف إضافي يحتاج إلى موضوع وقبل وجود الماهية وتحقّقها لا يكون هناك طرف الإضافة حتّى يتحقّق هذا الوصف ولا مجال لدعوى كونها من لوازم الماهية كالزوجية بالإضافة إلى الأربعة فيمكن أن يقال على تقدير جريان الاستصحاب المذكور بأنّه قبل الوجود لا وجود ولا كثرة وبعد الوجود تكون الكثرة مشكوكة يستصحب عدمها.
وكيف كان فقد عرفت انّ مقتضى التحقيق في هذا الفرع أيضاً هو العفو إلاّ أن
(الصفحة 481)
يكون الدم مسبوقاً بالزيادة المتيقّنة فتستصحب زيادتها ويحكم بثبوت المانع وعدم العفو كما اُفيد في المتن.
(الصفحة 482)
مسألة 4 ـ المتنجّس بالدم ليس كالدم في العفو عنه إذا كان أقلّ من الدرهم، ولكن الدم الأقلّ إذا أزيل عينه يبقى حكمه 1.
1 ـ امّا عدم كون المتنجّس بالدم كالدم كما في المتن، وعن المنتهى والبيان وبعض آخر فلاختصاص الأدلّة بالدم ومن الظاهر انّ المتنجّس بالدم لا يكون دماً. نعم قد يقال كما عن الذكرى والروض والمعالم والمدارك بأنّه كالدم لأنّ الفرع لا يزيد على أصله والمتنجّس بالدم انّما تستند نجاسته إليه فإذا لم يكن المستند إليه مقتضياً للبطلان فكيف يقتضيه المستند إليه ولكن هذه القواعد الاستحسانية خارجة عن الأدلّة التي يرجع إليها في الأحكام التعبّدية فالأقوى ما في المتن.
وامّا الدم الأقلّ الذي اُزيلت عينه فالظاهر ـ كما في المتن وجمع من الكتب ـ بقاء حكمه الذي هو العفو وعدم وجوب الإزالة للصلاة وما يمكن أن يكون وجهاً له أحد اُمور:
الأوّل: استصحاب العفو الثابت حال بقاء العين وعدم زوالها.
وأورد عليه بأنّه من الاستصحاب التعليقي الذي هو عبارة عن انّه لو وقعت الصلاة فيه حال بقاء العين كانت صحيحة جائزة والآن كما كان.
والجواب عدم كونه من الاستصحاب المذكور لأنّ المستصحب هو عدم مانعية الدم بعد زوال عينه فكان الدم في السابق غير مانع والآن كما كان وزوال العين لا يوجب انتفاء الموضوع ويمكن أن يكون المستصحب عدم مانعية الثوب المشتمل على الدم من الصلاة فيه وانّه الآن كما كان، ومن الظاهر انّ ثبوت المانعية وعدمها لا يتوقّف على تحقّق الصلاة ووجودها كيف والمانع يمنع عن تحقّقها فكيف يتوقّف على وجودها. نعم يمكن أن يقال: إنّ المانعية وعدمها وصفان للدم لا للثوب ومن المعلوم انّ الدم بعد زوال عينه لا يكون باقياً عرفاً وبقاء الموضوع المعتبر في الاستصحاب
(الصفحة 483)
لابدّ وأن يكون متحقّقاً بنظر العرف وعليه فلا يبقى مجال لغير الاستصحاب التعليقي فتدبّر.
الثاني: الأولوية القطعية عند العرف نظراً إلى انّه لا يكاد يشكّ في انّ الدم مع بقاء عينه إذا لم يكن مانعاً عن الصلاة فبعد زواله لا يكون مانعاً بطريق أولى لوضوح انّ أدلّة العفو لا دلالة لها عرفاً على شرطية وجود الدم في الحكم بصحّة الصلاة فانّها وردت تخصيصاً في أدلّة المانعية فتدلّ على عدم مانعية الدم الأقل لا على شرطية وجوده فإذاً فالأولوية القطعية ثابتة.
ويمكن الإيراد عليه بعدم وضوح الأولوية بعدما عرفت في المتنجّس بالدم من انّه لا سبيل في الأحكام التعبّدية إلى غير ما هو المتفاهم من ظواهر الأدلّة والمفروض في المقام انّ الدم قبل زوال العين كان دماً معفواً عنه لكونه أقلّ من مقدار الدرهم على ما هو المفروض والآن ليس في البين دم بل متنجّس بالدم ومجرّد ثبوت الدم في السابق لا يوجب الفرق.
وبعبارة اُخرى الفرق بين المقام وبين الفرض السابق وهو المتنجّس بالدم ليس إلاّ في مجرّد وجود الدم في السابق هنا دونه وهل هذا يصير فارقاً بين الفرضين وموجباً للحكم بالعفو هنا دونه ومن الظاهر انّ مرجع الفرق إلى مدخلية وجود الدم في السابق في الحكم بالعفو ولا يمكن الالتزام به.
الثالث: إطلاق بعض أدلّة العفو الشامل لما إذا زالت العين أيضاً فانّها على قسمين لأنّ منها ما فرض انّ الثوب مشتمل على وجود الدم حال الصلاة وهذا القسم خارج عن مورد الاستدلال.
ومنها: ما فرض اشتمال الثوب على الدم في مدّة قبل الصلاة حتّى انّه نسيه فصلّى كما في صحيحة ابن أبي يعفور «عن الرجل يكون في ثوبه نقط الدم فينسى أن