(الصفحة 489)
ومنها: رواية علي بن أبي حمزة انّ رجلاً سأل أبا عبدالله (عليه السلام) وأنا عنده عن الرجل يتقلّد السيف ويصلّي فيه؟ فقال: نعم، فقال الرجل إنّ فيه الكيمخت؟ قال: وما الكيمخت؟ قال: جلود دواب منه ما يكون ذكياً ومنه ما يكون ميتة، فقال: ما علمت انّه ميتة فلا تصلِّ فيه.
ومنها: رواية سماعة بن مهران انّه سأل أبا عبدالله (عليه السلام) عن تقليد السيف في الصلاة وفيه الفراء والكيمخت فقال: لا بأس ما لم تعلم انّه ميتة. وهذا بخلاف الروايات الواردة فيما تتمّ الظاهرة في عدم الجواز مع الشكّ في التذكية.
وبذلك يظهر الفرق بين ما تتمّ وما لا تتمّ من هذه الجهة وانّه يعتبر في جواز الصلاة في الأوّل مع الشكّ في التذكية إحرازها ولو بالأمارة الشرعية ولا يعتبر في جواز الصلاة في الثاني إلاّ عدم العلم بكونها ميتة والشكّ في التذكية لا يمنع عن الصحّة بوجه.
وقد انقدح ممّا ذكرنا انّ دلالة الموثقة على الجواز مع الشكّ لا تلازم الدلالة عليه مع العلم بكونه ميتة فما لا تتمّ إذا علم بكونه كذلك لا تجوز الصلاة فيه.
ثمّ إنّه على تقدير ثبوت التعارض بين الموثقة والصحيحة وعدم إمكان ا لجمع بما ذكر تصل النوبة بعد التساقط إلى عموم ما دلَّ على المنع عن الصلاة في النجس وتصير النتيجة موافقة لما في المتن أيضاً، هذا كلّه بالإضافة إلى الميتة.
وامّا بالإضافة إلى نجس العين فقد قال في «المستمسك» بعد بيان حكم الميتة: «ومن هذا يظهر لك وضوح استثناء ما كان من نجس العين فانّه مع انّه ميتة لعدم قبول نجس العين للتذكية انّه نجس أيضاً قبل الموت فأولى بالمانعية».
وأورد عليه بعدم اختصاص الكلام باجزاء الميتة بل البحث فيما يعمّ الميتة وغيرها كما إذا صنع قلنسوة من شعر الكلب وهو حي أو من شعر خنزير أو مشرك
(الصفحة 490)
كذلك فانّه من أجزاء نجس العين وليس من الميتة في شيء لأنّه من الحي بل لو فرض موت الحيوان لا يؤثر ذلك في مثل الشعر من الأجزاء التي لا تحلّها الحياة فكونه مانعاً عن الصلاة انّما هو لكونه ممّا لا يؤكل لحمه ومن النجاسات الذاتية لا لأجل كونه ميتة كما هو ظاهر.
فالدليل على عدم العفو ـ حينئذ ـ هو قصور دليل العفو عمّا لا تتمّ من الشمول لأجزاء نجس العين لأنّ عمدته هي موثقة زرارة المتقدّمة الظاهرة في النجاسة العرضية وقد عرفت المناقشة في سند رواية الحلبي مع انّه على تقدير تمامية السند تكون دلالتها على العفو بالإطلاق ولا محيص عن تقييده لأنّ الحيوانات النجسة بالذات من مصاديق ما لا يؤكل لحمه وهذا العنوان بنفسه جهة مستقلّة في المانعية ولا فرق فيها بين ما تتمّ وما لا تتمّ أصلاً كما يدلّ عليه موثقة ابن بكير المعروفة التي هي عمدة الدليل في ذلك الباب وقد وقع فيها التصريح بالبطلان إذا وقعت الصلاة في شيء من أجزائه ولو كان مثل الروث والبول والبصاق وعبّر فيها بكلمة «كلّ» الظاهرة في العموم والشمول لجميع الأجزاء، وعليه فالموثقة تدلّ بالعموم ورواية الحلبي تدلّ بالإطلاق ولو قيل بأنّ التعبير فيها أيضاً بكلمة «كلّ» ظاهر في العموم فالتعارض بين العامين ـ حينئذ ـ نقول بعد حصول التعارض والتساقط يرجع إلى عموم ما دلّ على المنع عن الصلاة في النجس الذي كان دليل العفو على فرض تماميته مخصصاً له فتصير النتيجة أيضاً عدم ثبوت العفو في أجزاء نجس العين.
ثمّ إنّه لا منافاة بين ما ذكرنا من استفادة البطلان من جهة غير المأكولية وبين ما أفاده الماتن ـ دام ظلّه ـ من التصريح بعموم العفو ولو كان متنجّساً بنجاسة غير المأكول لأنّ صيرورة غير المأكول سبباً لحصول النجاسة العرضية لما لا تتمّ لا يستلزم وجود جزء منه فيه ودليل مانعية غير المأكول انّما يكون ناظراً إلى مانعية
(الصفحة 491)
نفس الأجزاء ولا دلالة لها على المنع فيها لو تأثّر شيء آخر بسبب الملاقاة مع الأجزاء كما لا يخفى.
(الصفحة 492)
الرابع: ما صار من البواطن والتوابع كالميتة التي أكلها والخمر التي شربها، والدم النجس الذي أدخله تحت جلده، والخيط النجس الذي خاط به جلده فإنّ ذلك معفو عنه في الصلاة، وامّا حمل النجس فيها فالأحوط الاجتناب عنه خصوصاً الميتة وكذا المحمول المتنجّس الذي تتمّ فيه الصلاة، وامّا ما لا تتمّ فيه الصلاة مثل السكين والدراهم فالأقوى جواز الصلاة معه 1.
1 ـ والوجه في صحّة الصلاة في مثل الميتة والخمر والدم المذكورات في المتن انّها بعد الدخول في الجوف أو تحت الجلد وإن كان يصدق عليها عنوان المحمول بالنظر الدقيق إلاّ انّه لا يكون عند العرف معدوداً من المحمول ولا يتحقّق عنوان الصلاة في النجس أو معه عندهم بوجه لصيرورتها تابعة للبدن وعليه فلا يبقى مجال لاحتمال كونها من المحمول المتنجّس فيترتّب عليه حكمه من البطلان على تقدير القول به فيه فيلزم عليه القيء والإخراج ليتمكّن من الصلاة كما حكى نظره عن بعض الفقهاء فيما إذا أكل الإنسان مالاً مغصوباً حيث أوجب عليه القيء والإخراج لأنّ كونه في بطنه تصرّف في مال الغير واستيلاء عليه وهو حرام فيجب عليه الإخراج مقدّمة للردّ إلى المالك.
ولكن الظاهر كما عرفت عدم كونه معدوداً من المحمول في المقام لصيرورته تابعاً للبدن كما انّه في مثال الغصب يتحقّق التلف عرفاً ومع التلف لا معنى للتصرّف فيه حتّى يحكم بحرمته ووجوب ردّه إلى مالكه فلا مجال لوجوب القيء والإخراج. نعم ورد في هذا المورد رواية ربّما يستفاد منها ذلك والتحقيق في صلاحية الرواية للاستناد وعدمها في محلّه.
وامّا الخيط النجس فإن خاط به الثوب فلا إشكال في انّه يصير جزء من اللباس لأنّ من أجزائه الخيط وعليه فلا وجه للعفو عن نجاسته وإن خاط به الجلد فقد
(الصفحة 493)
حكم في المتن تبعاً للجواهر بعدم كونه من المحمول وبثبوت العفو فيه ولكن صرّح السيّد في «العروة» بكونه يعدّ من المحمول.
ويؤيّده انّه لا فرق ظاهراً بينه وبين العظم النجس الذي جبر به مع انّه لا خلاف ظاهراً كما عن المبسوط في عدم العفو عنه بل عن الذكرى والدروس الإجماع عليه. نعم لو اكتسى العظم المزبور اللحم فهو معفوّ عنه كما حكى عن بعض الكتب.
ويمكن الاستشهاد لما في المتن بأنّ الخيط بعد خياطة الجلد به يصير عرفاً تابعاً للبدن فإنّ البدن وإن لم يكن مركّباً من مثل الخيط بل له أجزاء خاصّة إلاّ انّه بعد خياطة جلده بالخيط يصير الخيط جزءً له عرفاً. وإن شئت قلت: إنّه لا يتحقّق عند العرف الصلاة في النجس أو معه في هذه الصورة فتدبّر.
وامّا المحمول ففيه فروض ثلاثة:
الأوّل: المحمول النجس وقد احتاط فيه وجوباً في المتن بالاجتناب خصوصاً إذا كان النجس من أجزاء الميتة أو نفسها وعن جماعة من أعلام الفقهاء(رض) المنع وقد استدلّ له بعدّة أخبار:
منها: صحيحة علي بن جعفر عن أخيه (عليه السلام) قال: سألته عن الرجل يمرّ بالمكان فيه العذرة فتهب الريح فتسفى عليه من العذرة فيصيب ثوبه ورأسه يصلّي فيه قبل أن يغسله؟ قال: نعم ينفضه ويصلّي فلا بأس. نظراً إلى دلالتها على المنع عن الصلاة مع حمل أجزاء العذرة في الثوب إلاّ أن ينفضه.
وأورد عليه بأنّ الرواية أجنبية عمّا نحن فيه لأنّ الكلام في حمل العين النجسة في الصلاة لا في الصلاة في النجس ومورد الرواية هو الثاني لأنّ العذرة إذا وقعت على الثوب سواء نفذت في سطحه الداخل أم لم تنفذ فيه يعدّ جزء من الثوب ومعه تصدق الصلاة في النجس كما إذا كان متنجساً.