( صفحه 508 )
هي خصوص صلاة الجمعة; لاحتمال كون المراد بها صلاة الظهر، أو الأعمّ منها ومن صلاة الجمعة، وإلى أنّه لا دلالة لها على خصوص صورة الجمع; لشمول إطلاقها لصورة التفريق أيضاً ـ : أنّه لم تقم قرينة على كون المراد بالأذان الثالث هو أذان صلاة العصر; لاحتمال كون المراد به هو الأذان الثاني لصلاة الجمعة، الذي ابتدعه عثمان بعد الخطبتين(1)، والمراد بالأذانين قبله هما أذان الصبح، والأذان الأوّل لصلاة الجمعة الواقع قبل الخطبتين، أو أذان الإعلام وأذان الصلاة، كما ربما يقال(2).
ويؤيّده إطلاق البدعة عليه، الظاهرة في التشريع الذي قد ارتكبه أحد وصدر منه، بخلاف مطلق التشريع، فتدبّر. كما أنّه يؤيّده ورود التعبير في بعض الأخبار(3) بأنّ الأذان الثاني بدعة; نظراً إلى أنّ الظاهر عدم ثبوت البدعتين في أذان يوم الجمعة، وأنّ الذي عبّر عنه بالأذان الثالث هو الذي عبّر عنه في بعض الأخبار بالأذان الثاني، والظاهر أنّ المراد منه هو الأذان الثاني لصلاة الجمعة الواقع بعد الخطبتين، كما لا يخفى. وكيف كان، فالاستدلال بالرواية على حكم خصوص المقام غير تامّ.
الموضع الثاني: عصر يوم عرفة، والمراد منه صورة الجمع بينها، وبين الظهر، ولم يظهر فيه خلاف، بل عن جماعة كثيرة دعوى الإجماع
- (1) صحيح البخاري 1: 247 ب21 ح912، السنن الكبرى للبيهقي 4: 423 ـ 424 ح5777 و 5778.
- (2) كتاب الصلاة، تقريرات بحث المحقّق النائيني للآملي 1: 381 ـ 382.
- (3) لم نعثر على رواية بهذه العبارة، ولكن قال في المعتبر 2: 296، الأذان الثاني بدعة، وبعض أصحابنا يسميّه الثالث; لأنّ النبيّ (صلى الله عليه وآله) شرع للصلاة أذاناً وإقامة، فالزيادة ثالث على ترتيب الاتّفاق إلخ.
( صفحه 509 )
صريحاً وظاهراً(1).
ويدلّ عليه صحيحة ابن سنان، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: السنّة في الأذان يوم عرفة أن يؤذِّن ويقيم للظهر، ثمّ يصلّى ثمّ يقوم، فيقيم للعصر بغير أذان، وكذلك في المغرب والعشاء بمزدلفة(2).
وظهورها في الجمع ممّا لا ينبغي أن ينكر وإن وقع فيها التعبير بـ «ثمّ»، إلاّ أنّ هذا التعبير وقع في الإتيان بالصلاة الاُولى بعد الأذان والإقامة، مع أنّه لا فصل بينهما، ومقتضى إطلاقها أنّه لا فرق بين عرفة وغيرها من المواضع; لأنّ الموضوع هو يوم عرفة، وظاهره كون الخصوصيّة للزمان.
لكن عن ظاهر السرائر(3) اختصاص الحكم بعرفة، وأيّده في الجواهر(4)بكونه المنساق من النصّ، ولعلّ نظره إلى الوقوع في سياق المزدلفة، مع أنّه لا دلالة له على الاختصاص بوجه، خصوصاً بعد احتمال كون الملاك في ذلك هو الفضيلة الخاصّة للدعاء في ذلك اليوم، التي لا فرق فيها بين عرفة وغيرها من المواضع، فالإنصاف ثبوت الإطلاق للرواية.
الموضع الثالث: عشاء ليلة المزدلفة إذا جمع بينها، وبين صلاة المغرب، ويشهد له ـ مضافاً إلى صحيحة ابن سنان المتقدّمة في الموضع الثاني ـ
- (1) الخلاف 2: 334 ـ 335 مسألة 151، وص336 مسألة 153، غنية النزوع: 181، منتهى المطلب 4: 919، وج11: 36 ـ 39، تذكرة الفقهاء 8 : 167، جواهر الكلام 9: 60.
- (2) تهذيب الأحكام 2: 282 ح1122، وعنه وسائل الشيعة 5: 445، كتاب الصلاة، أبواب الأذان والإقامة ب36 ح1.
- (3) السرائر 1: 304.
- (4) جواهر الكلام 9: 62.
( صفحه 510 )
صحيحة منصور بن حازم، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: صلاة المغرب والعشاء بجمع بأذان واحد وإقامتين، ولا تصلّ بينهما شيئاً، وقال: هكذا صلّى رسول الله (صلى الله عليه وآله) (1).
وصحيحة الحلبي، عن أبي عبدالله (عليه السلام) أيضاً قال: قال: لا تصلِّ المغرب حتّى تأتي جمعاً، فصلِّ بها المغرب والعشاء الآخرة بأذان وإقامتين، الحديث(2).
والمراد من الجمع هي المزدلفة، وفي رواية محمد بن علي بن الحسين، عن النبيّ والأئـمّة ـ صلوات الله وسلامه عليه وعليهم ـ أنّه إنّما سمّيت المزدلفة جمعاً; لأنّه يجمع فيها بين المغرب والعشاء بأذان واحد وإقامتين(3).
وبمثلها يندفع الإشكال من جهة عدم الدلالة على خصوص صورة الجمع، كما لا يخفى.
ثمّ إنّه لا مجال لاستفادة سقوط الأذان في جميع موارد الجمع من السقوط في هذه المواضع الثلاثة; لعدم وضوح دلالة الأدلّة الواردة فيها على كون الملاك للسقوط هو مجرّد الجمع، خصوصاً بعد افتراقها مع سائر الموارد في كون الجمع فيها مستحبّاً دون سائر الموارد، بل لابدّ من استفادة السقوط في غير هذه المواضع من دليل آخر لو كان، وظاهر المتن هو وجود الدليل عليه،
- (1) تهذيب الأحكام 5: 190 ح630، وص480 ح1703، الاستبصار 2: 255 ح899 ، وعنهما وسائل الشيعة 14: 15، كتاب الحجّ، أبواب الوقوف بالمشعر ب6 ح3.
- (2) الكافي 4: 468 ح1، تهذيب الأحكام 5: 188 ح626، وعنهما وسائل الشيعة 14: 14، كتاب الحجّ، أبواب الوقوف بالمشعر ب6 ح1.
- (3) الفقيه 2: 127 ح546، وعنه وسائل الشيعة 14: 15، كتاب الحجّ، أبواب الوقوف بالمشعر ب6 ح6.
( صفحه 511 )
كما أنّ الذي يظهر من العروة عدم وجوده(1).
والظاهر إمكان الاستفادة من الروايات المتعدّدة:
منها: صحيحة عمر بن اُذينة، عن رهط، منهم: الفضيل، وزرارة، عن أبي جعفر (عليه السلام) أنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) جمع بين الظهر والعصر بأذان وإقامتين، وجمع بين المغرب والعشاء بأذان واحد وإقامتين(2).
ويمكن المناقشة في الاستدلال بها تارة: بأنّ هذه الرواية رواها الصدوق بنحو الإرسال، إلاّ أنّه قال: بين الظهر والعصر بعرفة، ثمّ قال: بين المغرب والعشاء بجمع(3). وعليه: فلا دلالة لها على السقوط في غير يوم عرفة وبمزدلفة.
واُخرى: بأنّ ترك رسول الله (صلى الله عليه وآله) الأذان في الصلاة الثانية لا دلالة له على السقوط، فلعلّه كان تركاً للمستحبّ إشعاراً بجواز تركه، كأصل الجمع بين الصلاتين.
وبعبارة اُخرى: لا دلالة للرواية إلاّ على مجرّد جواز ترك الأذان في الثانية، وهو لا ينافي بقاءه على استحبابه، كسائر الموارد.
وتندفع المناقشة الاُولى بأنّ رواية الصدوق إيّاها بالنحو المذكور لا توجب خللا في إطلاق الرواية بالنحو الأوّل، خصوصاً بعد كونها بهذا
- (1) العروة الوثقى 1: 434 مسألة 1393.
- (2) تهذيب الأحكام 3: 18 ح66، وعنه وسائل الشيعة 5: 445، كتاب الصلاة، أبواب الأذان والإقامة ب36 ح2.
- (3) الفقيه 1: 186 ح885 ، وعنه وسائل الشيعة 5: 445، كتاب الصلاة، أبواب الأذان والإقامة ب36 ح3.
( صفحه 512 )
النحو مسندة بسند صحيح.
والثانية بما أشرنا إليه مراراً(1)، من أنّ الحاكي لفعل رسول الله (صلى الله عليه وآله) لو كان هو الإمام (عليه السلام) ، وكان غرضه منه بيان الحكم، غاية الأمر بهذا النحو، ومن هذا الطريق، تكون الحكاية كاللفظ الصادر منه في جواز التمسّك بإطلاقه، واستفادة الحكم من الخصوصيّات التي وقعت مورداً للتعرّض. وعليه: فالتصريح بترك الأذان في كلا موردي الجمع يكشف عن العناية بذلك، وأنّ غرضه (عليه السلام) منه هو سقوطه فيه، وثبوت الفرق بينه، وبين غيره من سائر الموارد التي لا يتحقّق الجمع فيها، كما لا يخفى.
ومثلها صحيحة عبدالله بن سنان، عن الصادق (عليه السلام) : أنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) جمع بين الظهر والعصر بأذان وإقامتين، وجمع بين المغرب والعشاء في الحضر من غير علّة بأذان واحد وإقامتين(2).
ودعوى أنّ التعرضّ لذكر ترك الأذان ليس إلاّ كالتعرّض لأصل الجمع، الذي لا مجال فيه إلاّ للحمل على مجرّد الجواز; من دون احتمال كونه على سبيل الاستحباب.
مدفوعة بأنّ التعرّض لذكر الجمع إنّما هو في مقابل العامّة القائلين بعدم جوازه(3); لاعتقادهم باختلاف مواقيت الصلاة، وتباينها من جهة الوقت،
- (1) في ج1: 67 و 233، وص451 هنا.
- (2) الفقيه 1: 186 ح886 ، وعنه وسائل الشيعة 4: 220، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت ب32 ح1.
- (3) الاُمّ 1: 77، المجموع: 308 ـ 322، المغني لابن قدامة 2: 112 ـ 126، الشرح الكبير 2: 114 ـ 118، بداية المجتهد 1: 174 ـ 178، الخلاف 1: 588 مسألة 351، وص591 مسألة 353، تذكرة الفقهاء 2: 365 مسألة 66، نهاية التقرير 1: 100 ـ 101 و 146 ـ 147.