( صفحه 521 )
خصوصاً بعد كون محطّ نظر الراوي في نقل القصّة هو إتيانه (عليه السلام) بالنافلة في سنة، وتركه لها في السنة السابقة، من دون نظر إلى مسألة الأذان والإقامة، ولذا ترك التعرّض لهما بالإضافة إلى صلاة المغرب في كلا الموردين، وكيف كان، فلا دلالة لها على عدم قدح التطوّع بوجه بناءً على النقل الذي ذكرنا.
ومنها: رواية عبدالله بن سنان قال: شهدت صلاة المغرب ليلة مطيرة في مسجد رسول الله (صلى الله عليه وآله) ، فحين كان قريباً من الشفق نادوا وأقاموا الصلاة فصلّوا المغرب، ثمّ أمهلوا الناس حتّى صلّوا ركعتين، ثمّ قام المنادي في مكانه في المسجد، فأقام الصلاة فصلّوا العشاء، ثمّ انصرف الناس إلى منازلهم، فسألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن ذلك؟ فقال: نعم، قد كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) عمل بهذا(1).
ولكنّها لا دلالة لها إلاّ على أنّ الإتيان بالركعتين بعد صلاة المغرب لا يقدح في الجمع الموجب لسقوط الأذان، ولا دلالة لها على أنّ الإتيان بالنافلة الموظّفة التي هي أربع ركعات أيضاً يكون كذلك.
ومنها: رواية أبي عبيدة قال: سمعت أبا جعفر (عليه السلام) يقول: كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) إذا كانت ليلة مظلمة وريح ومطر صلّى المغرب، ثمّ مكث قدر ما يتنفّل الناس، ثمّ أقام مؤذّنه، ثمّ صلّى العشاء الآخرة ثمّ انصرفوا(2).
والظاهر أنّ المراد من قوله (عليه السلام) : «ثمّ أقام» هي الإقامة فقط، كما أنّ الظاهر
- (1) الكافي 3: 276 ح2، وعنه وسائل الشيعة 4: 218، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت ب31 ح1.
- (2) تهذيب الأحكام 2: 35 ح109، الاستبصار 1: 272 ح985، وعنهما وسائل الشيعة 4: 203، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت ب22 ح3.
( صفحه 522 )
أنّ المراد من «المكث» هو إتيانه (صلى الله عليه وآله) أيضاً بالنافلة، ولكنّها لا دلالة لها أيضاً على أنّ المراد بالنافلة هي النافلة الموظّفة، بل يمكن أن يكون المراد بها هو مطلق النافلة المتحقّق بالإتيان بركعتين، بل مقتضى الجمع بين الروايات أيضاً ذلك.
ومنها: صحيحة ابن سنان المتقدّمة(1) في الجمع يوم عرفة، الظاهرة في أنّ السنّة في الأذان فيه هو الإتيان بالأذان في الاُولى وتركه في الثانية مع الجمع بترك النافلة أيضاً.
ومنها: صحيحة منصور بن حازم المتقدّمة(2) أيضاً، الواردة في الجمع بمزدلفة، الناهية عن الصلاة بينهما شيئاً، وأنّه خلاف ما فعل رسول الله (صلى الله عليه وآله) ، المحمولة على النافلة الموظّفة بقرينة غيرها من الروايات.
وبالجملة: ملاحظة الروايات الواردة في الباب، وحمل بعضها على البعض الآخر، تقضي بكون القادح في الجمع هو النافلة الموظّفة لا مطلق النافلة، كما أنّه لا دلالة لشيء منها على أنّ تمام الملاك في الجمع هو ترك التنفّل، بل مفادها هو الاحتمال الرابع المذكور في المتن، فتدبّر.
( صفحه 523 )
موارد سقوط الأذان والإقامة
مسألة 3: يسقط الأذان والإقامة في مواضع:
منها: الداخل في الجماعة التي أذّنوا وأقاموا لها; وإن لم يسمعهما ولم يكن حاضراً حينهما.
ومنها: من صلّى في مسجد فيه جماعة لم تتفرّق; سواء قصد الإتيان إليها أم لا، وسواء صلّى جماعة ـ إماماً أو مأموماً ـ أم منفرداً، فلو تفرّقت أو أعرضوا عن الصلاة وتعقيبها وإن بقوا في مكانهم لم يسقطا عنه، كما لا يسقطان لو كانت الجماعة السابقة بغير أذان وإقامة; ولو كان تركهم لهما من جهة اكتفائهم بالسماع من الغير، وكذا فيما إذا كانت باطلة من جهة فسق الإمام مع علم المأمومين به، أو من جهة اُخرى، وكذا مع عدم اتّحاد مكان الصلاتين عرفاً; بأن كانت إحداهما داخل المسجد والاُخرى على سطحه، أو بعدت إحداهما عن الاُخرى كثيراً.
وهل يختصّ الحكم بالمسجد، أو يجري في غيره أيضاً محلّ إشكال، فلا يترك الاحتياط بالترك مطلقاً في المسجد وغيره، بل لا يبعد عدم الاختصاص بالمسجد، وكذا لا يترك فيما لم تكن صلاته مع الجماعة أدائيّتين; بأن كانت إحداهما أو كلتاهما قضائيّة عن النفس أو الغير على وجه التبرّع أو الإجارة، وكذا فيما لم تشتركا في الوقت، كما إذا كانت الجماعة السابقة عصراً، وهو يريد أن يصلّي المغرب، والإتيان بهما في موارد الإشكال رجاءً لا بأس به 1 .
1 ـ قد تعرّض في المتن لذكر موضعين من مواضع سقوط الأذان والإقامة معاً.
الموضع الأوّل: الداخل في الجماعة التي أذّنوا وأقاموا لها وإن لم يسمعهما
( صفحه 524 )
ولم يكن حاضراً حينهما، والظاهر أنّ السقوط في هذا الموضع ممّا لا إشكال فيه، بل ولا خلاف بين المتعرّضين له(1)، ويدلّ عليه السيرة القطعيّة العمليّة من المتشرّعة(2)، حيث لم يعهد من أحد منهم الأذان والإقامة مع الشركة في الجماعة; سواء كان حاضراً حينهما أم لم يكن، بل لا يكاد يخطر ببالهم ثبوت وظيفتهما في هذه الصورة، وإن كانوا مراقبين للإتيان بالوظائف الاستحبابيّة أيضاً.
مضافاً إلى الروايات المتعدّدة التي يستفاد منها ذلك، كموثّقة عمّار، عن أبي عبدالله (عليه السلام) في حديث قال: سئل عن الرجل يؤذِّن ويقيم ليصلّي وحده، فيجيء رجل آخر فيقول له: نصلّي جماعة، هل يجوز أن يصلّيا بذلك الأذان والإقامة؟ قال: لا، ولكن يؤذِّن ويقيم(3).
فإنّ السؤال فيه ظاهر في مفروغيّة كفاية الأذان والإقامة إذا كان للجماعة وإن لم يسمعهما المأموم، وإنّما كان مورد سؤاله ومحلّ ترديده ما إذا كان الأذان والإقامة بقصد الصلاة وحده مع عدم سماع الغير لهما، واُجيب بعدم الاكتفاء وتجديد الأذان والإقامة للجماعة.
ورواية معاوية بن شريح، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: إذا جاء الرجل مبادراً
- (1) المعتبر 2: 136، منتهى المطلب 4: 414، تذكرة الفقهاء 3: 62 مسألة 170، الدروس الشرعيّة 1: 164، مجمع الفائدة والبرهان 2: 168، مفتاح الكرامة 6: 406، مستند الشيعة 4: 529، جواهر الكلام 9: 67.
- (2) مستمسك العروة الوثقى 5: 562 ـ 563، المستند في شرح العروة الوثقى، موسوعة الإمام الخوئي 13: 284 ـ 285.
- (3) الكافي 3: 304 ح13، تهذيب الأحكام 2: 277 ح1101، الفقيه 1: 258 ح1168، وعنها وسائل الشيعة 5: 432، كتاب الصلاة، أبواب الأذان والإقامة ب27 ح1.
( صفحه 525 )
والإمام راكع أجزأته تكبيرة واحدة لدخوله في الصلاة والركوع، ومن أدرك الإمام وهو ساجد كبّر وسجد معه ولم يعتدّ بها، ومن أدرك الإمام وهو في الركعة الأخيرة فقد أدرك فضل الجماعة، ومن أدركه وقد رفع رأسه من السجدة الأخيرة وهو في التشهّد فقد أدرك الجماعة وليس عليه أذان ولا إقامة، ومن أدركه وقد سلّم فعليه الأذان والإقامة(1); فإنّها ظاهرة في سقوط الأذان والإقامة عن المدرك للجماعة.
ورواية أبي مريم الأنصاري قال: صلّى بنا أبوجعفر (عليه السلام) في قميص بلا إزار ولا رداء ولا أذان ولا إقامة ـ إلى أن قال: ـ فقال: وإنّي مررت بجعفر وهو يؤذِّن ويقيم فلم أتكلّم فأجزأني ذلك(2).
فإنّها ظاهرة في سقوط الأذان والإقامة عن الإمام مع سماعه لهما ولو عن المنفرد، بل وسقوطهما عن المأموم في هذه الصورة أيضاً.
ورواية محمد بن عذافر، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: أذّن خلف من قرأت خلفه(3).
ثمّ إنّ مقتضى إطلاق المتن شمول الحكم للإمام أيضاً; بمعنى أنّه إذا دخل في الجماعة التي اُذّن واُقيم لها يجوز أن يكتفي بهما وإن لم يسمعهما أصلا، ويدلّ عليه الروايات المتعدّدة:
- (1) الفقيه 1: 265 ح1214، وعنه وسائل الشيعة 8 : 393، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجماعة ب49 ح6.
- (2) تهذيب الأحكام 2: 280 ح1113، وعنه وسائل الشيعة 5: 437، كتاب الصلاة، أبواب الأذان والإقامة ب30 ح2.
- (3) تهذيب الأحكام 3: 56 ح192، الفقيه 1: 251 ح1130، وعنهما وسائل الشيعة 5: 443، كتاب الصلاة، أبواب الأذان والإقامة ب34 ح2.