جستجو در تأليفات معظم له
 

قرآن، حديث، دعا
زندگينامه
کتابخانه
احکام و فتاوا
دروس
اخبار
ديدارها و ملاقات ها
پيامها
فعاليتهاى فرهنگى
کتابخانه تخصصى فقهى
نگارخانه
پايگاه هاى مرتبط
مناسبتها
معرفى و اخبار دفاتر
صفحه اصلي  

كتابخانه فقه الدولة الإسلامية
صفحات بعد
صفحات قبل
(الصفحة 104)

كما يؤمن بأنّ الأُمّة لا تنشد في حركتها سوى إشاعة الأمن والاستقرار ، الأمر الذي يغنيه عن التجسّس والتتبّع لآثار الآخرين الذين يحرص على تحقيق رضاهم وسعادتهم:
«وَاعْلَمْ أَنَّهُ لَيْسَ شَيْءٌ بِأَدْعَى إِلَى حُسْنِ ظَنِّ رَاع بِرَعِيَّتِهِ مِنْ إِحْسَانِهِ إِلَيْهِمْ ، وَ تَخْفِيفِهِ الْمَؤُونَاتِ عَلَيْهِمْ ، وَتَرْكِ اسْتِكْرَاهِهِ إِيَّاهُمْ عَلَى مَا لَيْسَ لَهُ قِبَلَهُمْ . فَلْيَكُنْ مِنْكَ فِي ذَلِكَ أَمْرٌ يَجْتَمِعُ لَكَ بِهِ حُسْنُ الظَّنِّ بِرَعِيَّتِكَ ، فَإِنَّ حُسْنَ الظَّنِّ يَقْطَعُ عَنْكَ نَصَباً طَوِيلاً . وَإِنَّ أَحَقَّ مَنْ حَسُنَ ظَنُّكَ بِهِ لَمَنْ حَسُنَ بَلاؤُكَ عِنْدَهُ ، وَإِنَّ أَحَقَّ مَنْ سَاءَ ظَنُّكَ بِهِ لَمَنْ سَاءَ بَلاؤُكَ عِنْدَهُ» .
وحرصاً على ألاّ يكون حسن الظنّ والاعتماد على الاُمّة أجوف هشّاً ، فإنّ الإمام (عليه السلام) ـ وضمن وصيته لمالك بحسن الظنّ بالاُمّة والثقة بها ـ يكشف له عن سبل ترسيخ حُسن الظنّ ، وهذه الثقة بما يلي:
1 ـ الإنسانية .
2 ـ تخفيف المؤونة .
3 ـ الحيلولة دون الأعمال المفروضة .
وسنترك الخوض في هذه السبل الثلاث للفصول القادمة .

(الصفحة 105)


السنن الصالحة والطالحة



تصنّف السنن السائدة بين الناس وفق النظرة الإسلاميّة إلى نوعين:
* سنن صالحة
* سنن طالحة
يطلق على السنن التي تتنافى والمبادىء والمعايير الإسلاميّة اسم «السنن الطالحة» ووظيفة الحاكم تكمن في مجابهة مثل هذه السنن والقضاء عليها . فقد كانت عبادة الأوثان من السنن المتداولة والمشروعة بين القوم عند انبثاق الدعوة الإسلاميّة ، ولمّا كانت هذه السنّة تتناقض ومبادىء الإسلام القائمة على أساس إشاعة التوحيد ، انبرى رسول الله (صلى الله عليه وآله) ليطلق شعاره القرآني«قولوا: لا إله إلاّ الله تفلحوا» ليبدي مجابهته لتلك السنّة المقيتة ، وليعرب عن استعداده للشهادة في إطار محاربته للوثنية .
بينما هنالك السنن التي تنسجم والمباديء الإسلاميّة والتي يصطلح عليها بالسنن الصالحة ، ووظيفة الحاكم إزاء هذه السنن لا تتمثّل في الوقوف بوجهها فحسب ، بل عليه أن يحافظ عليها ويصونها من التلاعب ، إلى جانب توجيه سائر الآداب والأعراف والتقاليد الإيجابية النافعة للمجتمع .
«وَ لاَ تَنْقُضْ سُنَّةً صَالِحَةً عَمِلَ بِهَا صُدُورُ هَذِهِ الأُمَّةِ ، وَاجْتَمَعَتْ بِهَا الأُلْفَةُ ، وَصَلَحَتْ عَلَيْهَا الرَّعِيَّةُ . وَلاَ تُحْدِثَنَّ سُنَّةً تَضُرُّ بِشَيْء مِنْ مَاضِي تِلْكَ السُّنَنِ فَيَكُونَ الأَجْرُ لِمَنْ سَنَّهَا ، وَالْوِزْرُ عَلَيْكَ بِمَا نَقَضْتَ مِنْهَا» .

(الصفحة 106)


آفة الساسة وسبيل الوقاية



لمّا كان ساسة البلاد يتعايشون مع الشؤون التنفيذية ويقضون أغلب أوقاتهم في إصلاح أُمور البلاد ، فإنّهم عادةً ما يصابون بالإعياء وعدم امتلاك الرؤية الواضحة والإدراك الصائب لبعض الأحداث ، وبالتالي قد تلفّهم الحيرة والغربة عن بعض قضايا البلاد و . . .
هذه هي الآفة الكبرى التي تعترض الساسة ، وقد تتفاقم هذه الآفة لتتحوّل إلى خطر جدّي يهدّد هؤلاء الساسة إذا ما حصلوا على شهرة واعتبار اجتماعي إلى جانب أنشطتهم التنفيذية التي يمارسونها في الحكومة . ففي هذه الحالة ـ وبالإضافة إلى اغترارهم بالأوضاع السائدة ـ سيعيشون تبعية شديدة لذلك الاعتبار الاجتماعي ، الأمر الذي يجعلهم يتخلّفون عن امتلاك الرؤية الصائبة والفهم الصحيح للقضايا الاجتماعية والأحداث التي تشهدها البلاد من جهة ، والضعف واللا أُبالية تجاه المسائل العبادية والشخصية من جهة اُخرى .
أمّا علاج هذه الآفة فإنّما يكمن في مجالسة العلماء والانفتاح على تجارب الحكماء:
«وَأَكْثِرْ مُدَارَسَةَ الْعُلَمَاءِ وَمُنَاقَشَةَ الْحُكَمَاءِ ، فِي تَثْبِيتِ مَا صَلَحَ عَلَيْهِ أَمْرُ بِلادِكَ ، وَإِقَامَةِ مَا اسْتَقَامَ بِهِ النَّاسُ قَبْلَكَ» .

الرسالية أم الاختصاص؟

إنّ التعمّق في كلام الإمام (عليه السلام) يرشد إلى مسألة اُخرى ، فهناك شعاران مرفوعان اليوم في مجتمعنا الإسلامي: أحدهما يتبنّى الاختصاص ويراه هو الملاك
(الصفحة 107)

في الانتخاب ، بينما يولي الآخر الأصالة للرسالية في الاختيار .
لقد تضمّن كلام الإمام (عليه السلام) ضرورة الجمع بين الأمرين في اختيار الأفراد لممارسة المسؤولية في الدولة ، فقد أشار (عليه السلام)على مالك بمدارسة العلماء من أجل تحقّق الصفة الرسالية ، كما أوصاه بمناقشة الحكماء والانتفاع بها ، بغية تحقّق صفة الاختصاص .

المصير المشترك ووحدة طبقات المجتمع


تقوم الرؤية العلوية للمجتمع على أنّه جسد واحد ذو أعضاء متّحدة المصير ، وللوقوف على هذه الرؤية لابدّ من استعراض بعض المقدّمات:
* مفهوم المجتمع
عادة ما يتألّف المجتمع من مجموعة من الأفراد الذين تحكمهم الروابط والعلاقات التي تصل بعضهم بالبعض الآخر . وعليه فالمجتمع تركيب يفتقر لوجوده وكيانه في حالة غياب الأفراد .
* استقلال المجتمع
نريد أن نتعرّف على هذا الكيان بعد أن عرفنا أنّه مركّب من عدد من الأفراد ، كما نروم الوقوف على العلاقة القائمة بين الفرد والمجتمع ، وهل للمجتمع من وجود وشخصية إزاء هؤلاء الأفراد وفي حالة غيابهم أم لا؟
بعبارة اُخرى: هل هناك من وجود عيني وخارجي لمجتمع دون وجود أفراده ، أم بالعكس ليس هناك من استقلال لمجتمع دون أفراد الجنس البشري؟
لقد طُرق هذا الموضوع لأول مرة في وسط الفلاسفة المسلمين من قبل ابن خلدون في مقدّمته لكتابه التأريخي «العبر» فقال: كلّ مجتمع يعيش مرحلة الولادة
(الصفحة 108)

والطفولة والشباب ثمّ الكهولة فالموت ، فإنّه بالتالي سيموت شاء أم أبى ، كما تكهّن بمتوسّط عمر كلّ مجتمع(1) .
ومن الواضح أنّ المجتمع لمّا كان يتألّف من الأفراد ، فإنّ هؤلاء الأفراد يرتبط بعضهم بالبعض الآخر وأنّهم يعيشون مصيراً مشتركاً واحداً ، فإنّهم يتأثّرون بأعمال بعضهم البعض شاءوا أم أبوا . فإن كانت الأكثرية الساحقة سيّئة انعكس ذلك أيضاً على الأقلّية الصالحة ، وإن كانت الأكثرية صالحة استفادت الأقلّية من خيّرات ذلك الصلاح ، وهكذا يتداخل مصير كلّ طائفة مع سائر الطوائف .
وبناءً على هذا فإنّ الإمام (عليه السلام) يرى أنّ من وظائف الحاكم ضرورة التعرّف على طبقات المجتمع والالتفات إلى سلامة كلّ منها ، فقال (عليه السلام):
«وَاعْلَمْ أَنَّ الرَّعِيَّةَ طَبَقَاتٌ لاَ يَصْلُحُ بَعْضُهَا إِلاّ بِبَعْض ، وَلاَ غِنَى بِبَعْضِهَا عَنْ بَعْض: فَمِنْهَا جُنُودُ اللَّهِ ، وَمِنْهَا كُتَّابُ الْعَامَّةِ وَالْخَاصَّةِ ، وَمِنْهَا قُضَاةُ الْعَدْلِ ، وَمِنْهَا عُمَّالُ الإِنْصَافِ وَالرِّفْقِ ، وَمِنْهَا أَهْلُ الْجِزْيَةِ وَالْخَرَاجِ مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ وَمُسْلِمَةِ النَّاسِ ، وَمِنْهَا التُّجَّارُ وَأَهْلُ الصِّنَاعَاتِ ، وَمِنْهَا الطَّبَقَةُ السُّفْلَى مِنْ ذَوِي الْحَاجَةِ وَالْمَسْكَنَةِ ، وَكُلٌّ قَدْ سَمَّى اللَّهُ لَهُ سَهْمَهُ ، وَوَضَعَ عَلَى حَدِّهِ فَرِيضَةً فِي كِتَابِهِ أَوْ سُنَّةِ نَبِيِّهِ (صلى الله عليه وآله) عَهْداً مِنْهُ عِنْدَنَا مَحْفُوظاً» .

  • 1 . مقدّمة ابن خلدون: 170 وما بعدها; ترجمة مقدّمة ابن خلدون: 1 / 324 .