جستجو در تأليفات معظم له
 

قرآن، حديث، دعا
زندگينامه
کتابخانه
احکام و فتاوا
دروس
اخبار
ديدارها و ملاقات ها
پيامها
فعاليتهاى فرهنگى
کتابخانه تخصصى فقهى
نگارخانه
پايگاه هاى مرتبط
مناسبتها
معرفى و اخبار دفاتر
صفحه اصلي  

كتابخانه فقه الدولة الإسلامية
صفحات بعد
صفحات قبل
(الصفحة 70)


الدكتاتورية والاستبداد



إنّ خصلة التكبّر والغطرسة التي تنبع من الاغترار بالذات والاعتزاز بها إلى جانب حبّ التسلّط والفرعنة إنّما تقود الإنسان إلى الطغيان والاستبداد بالرأي وفرض أفكاره على الآخرين . وإذا ما اشتمل الحاكم على هذه الخصلة وأخذ بزمام الاُمور ودار دفّة الحكم بهذه الذهنية فإنّه لا يلجأ في خاتمة المطاف إلى الغطرسة والكذب والرعب وإضاعة الحقوق فحسب ، بل سيقضي على الدين ـ الإسلام الحنيف ـ ليحيل عزّة المسلمين ذلاًّ وسعادتهم بؤساً وشقاءً:
«ولا تقولنّ: إنّي مُؤَمَّر آمرٌ فأُطاع ، فإنَّ ذلك إدغالٌ في القلب ، ومَنْهَكَةٌ للدين ، وتقرّبٌ من الغِيَرِ» .

مناهضة الاستكبار



قلنا: إنّ جذور الغطرسة والاستبداد تعود إلى التأثّر بالذات والعجب بها إلى جانب حبّ التسلّط والهيمنة ، ونضيف إلى ذلك هنا أنّ مصدر كلّ هذه الأمراض هو الجهل البشري ، فلو وقف الإنسان على آليته الروحية والجسمية ، والتفت إلى مدى ضعفه وعجزه مقابل الذات الربوبية المقدّسة ، وأيقن أنّ كلّ مالديه منه وإليه سبحانه وأنّه «بحوله وقوّته يقوم ويقعد» لهرب من هذا الطغيان والتفرعن ، ولشعر بالخجل من هذا التمرّد والشموس .
ولذلك يذكِّر الإمام علي (عليه السلام) بالتأمّل في نفسه والالتفات إلى موقعه ، من خلال استحضار عظمة اللّه وجبروته كي لا يخالجه أدنى شعور بالكبر والرفعة:

(الصفحة 71)

«وَإِذَا أَحْدَثَ لَكَ مَا أَنْتَ فِيهِ مِنْ سُلْطَانِكَ أُبَّهَةً أَوْ مَخِيلَةً ، فَانْظُرْ إِلَى عِظَمِ مُلْكِ اللَّهِ فَوْقَكَ وَقُدْرَتِهِ مِنْكَ عَلَى مَا لاَ تَقْدِرُ عَلَيْهِ مِنْ نَفْسِكَ ، فَإِنَّ ذَلِكَ يُطَامِنُ إِلَيْكَ مِنْ طِمَاحِكَ ، وَيَكُفُّ عَنْكَ مِنْ غَرْبِكَ ، وَيَفِيءُ إِلَيْكَ بِمَا عَزَبَ عَنْكَ مِنْ عَقْلِكَ» .

التفرعن والتباهي



قد يعيش الإنسان سكر القدرة ، فتذهب به الظنون الباطلة إلى نسيان كونه مخلوقاً من مخلوقات الله ، فيحسب أنّ قدرته قد تضاهي قدرة الله المطلقة .
يقول الإمام (عليه السلام) بشأن هذه الظنون التي تسوق الإنسان الى الهاوية:
«إيّاكَ ومُساماةَ اللّهِ في عَظَمَتِه ، والتَشَبُّهِ بِهِ فِي جَبَروتِهِ ، فإنّ اللّهَ يُذِلُّ كلَّ جبّار ، ويُهِينُ كلَّ مختال» .
لقد أتى (عليه السلام) بلفظه «التشبّه» التي تفيد الدقّة في روعة تصوير هذا المفهوم; وذلك لأنّ التشبّه والتشابه وإن كانت من مادّة التشبيه والشبه ، إلاّ أنّ الشبه لايتضمّن المعاني اللطيفة والظريفة التي تكمن في لفظة «التشبّه» .
يقال أحياناً: «زيد كالأسد» ، فقد جعل زيد شبيه الأسد ، ووجه الشبه بينهما الشجاعة ، فيقال: زيد في الشجاعة كالأسد ، فقد استفدنا من هذا الوجه في الشبه من أجل وصف شجاعة زيد ، وقد كان الوصف يستهدف كون زيد شجاعاً ويشبه الأسد في هذه الشجاعة .
ولذلك ليس هنالك من إشكال في بيان هذا الهدف فحسب ، بل كان من الصواب والمنطق أن تستعمل كلمة الشبيه والشبه .
وأحياناً لا يراد بهذا الشبه الغرض الحقيقي ، بل المراد الشبه الكاذب والخيالي
(الصفحة 72)

البعيد عن الحقيقة والواقع . فهنا لم يعد مجال لكلمة «شبيه»; لعدم وجود شبه في هذه الحالة ، غاية ما في الأمر هناك نوع شبه كاذب وخيالي بعيد عن العقل و المنطق ، ولذلك يستفاد هنا من مفردة «التشبّه» أي أنّنا نبيّن موضوعاً لا واقعية له فنتحدّث عن شيئين لا يتشابهان واقعاً ، بل يروم الإنسان ليبدي التشابه الظاهري بين هذين الشيئين .
فنقول على سبيل المثال: «لقد أصبح الدهن ماءً من الحرارة» إلاّ أنّنا نعلم بعدم وجود أيّ شبه واقعي بين الدهن والماء ، بل حيث سال الدهن جعلنا بينه وبين الماء شبهاً ، وأردنا أن نقول: إنّ هذا الدهن قد أصبح شبيه الماء ظاهرياً بفعل حالة السيولة والانسياب .
أو نقول: «طُرِح الخبز خارج المائدة فجَفَّ كالخشب» . هنا أيضاً ليس هناك من شبه حقيقي بين الخبز والخشب ، بل قلنا بنوع من التشابه بين هذين الاثنين ـ الخبز والخشب ـ من ناحية الجفاف .
أو أن نقول: «إنّ هذا اللحم لم ينضج كما ينبغي فهو صلب كالبلاستيك» . فالواقع ليس هناك من شبه بين الاثنين ، ولم نرد سوى عكس صلابة اللحم . ففي هذه الحالات لا يوجد شبه بقدر ما هنالك نوع من التشبّه .
ونخلص ممّا سبق إلى أنّ معنى كلمة «التشبّه» واستعمالها اللغوي يكون حيث عدم وجود الشبه الواقعي بين شيئين ، إلاّ أنّه يراد إبراز وجود مثل هذا الشبه .
ولذلك اعتمد الإمام علي (عليه السلام) من خلال دقّة تصويره وروعة بيانه هذه المفردة بشأن الأفراد الذين يزعمون الجبروت ويحاولون التشبّه بأمر يعدّ من مختصّات الذات الإلهية المقدّسة .
فالمراد أنّه لا يسع أحد التشبّه حقّاً بمقام كبرياء الله في جبروته وعظمته ، أي ليس من شأن المخلوق أن يكون كالخالق قط ، لكن لهذا المخلوق أن يعتقد بمثل هذا
(الصفحة 73)

الشبه في ظنّه وزعمه فيخوض بإظهار هذا الأمر ، فقد قال (عليه السلام):
«إيّاك ومساماة الله في عظمته ، والتشبّه به في جبروته» فهو يحذِّر منه و يذمّ عاقبته .
وتفيد هذه القضية معنى آخر يجعلنا نقف بصورة أعمق على المفهوم الذي أورده أمير المؤمنين (عليه السلام) ، وهو أنّ قدراتنا مهما بلغت ـ وإن كانت هذه القدرة موظّفة في خدمة الإسلام وفي ظلّ الحكومة الإسلاميّة بغية تطبيق الأحكام الشرعية وإقامة العدل الإلهي ونشر الحقّ والقسط ـ فهي أيضاً ليست قدرة مستقلّة وقائمة بذاتها .
نعم ، هي ليست قدرة ذاتية يعتنى بها وتتقوّم بنفسها ، أو أنّها منبعثة من كياننا ووجودنا ، بل هي كسائر القدرات الدنيوية التبعية وفي طول قدرة البارئ تبارك وتعالى ، وهذا أمر مفروغ منه فليس لنا من قدرة في عرض القدرة الإلهية .
وإنّنا لنؤكّد هذا المعنى الذي نعيش الإيمان به على مستوى اليقين ، بحيث نسند قدرتنا في أدنى الأعمال والحركات حتّى من قبيل الجلوس والقيام ، ولذلك لاننفكّ نردّد «بحول الله وقوّته أقوم وأقعد»(1) وإلاّ فأين نحن من هذا القيام والقعود؟ فلولا حول الله وقوّته لما صعد نَفَس ولا نزل . إنّنا نؤمن بأنّ كلّ حول وقدرة لله وحده «لا حول ولا قوّة إلاّ بالله»(2) .
وعليه نخلص إلى أنّ كلّ قدرة نتمتّع بها في هذه الدنيا ـ فردية كانت أم اجتماعية ـ هي قدرة في طول القدرة الإلهية وظلّها . فكلّ قدرة لدينا هي ذرّة يسيرة من تلك القدرة الإلهية الأزلية ، وقد أُودعناها كأمانة ولا ندري إلى متى ستدوم ومتى تسلب منّا . فهل بعد هذا لأحد أن يسلب الله هذه القدرة ويرى لنفسه
  • 1 . الوسائل: 6 / 361 ، أبواب السجود ب13 .
  • 2 . الكافي: 2 / 425 ، 521 ، 523 ، 525 و 530 .

(الصفحة 74)

شمّة من جبروت الله المختص به فيحسب أنّ قدرته في عرض القدرة الإلهية؟
ولو استعنّا بمثال من عالم الطبيعة فَمَثَل قدرة هذا الفرد والقدرة الإلهية مثل الشمس المنيرة وذلك الكوكب الصغير الذي يستمدّ نوره من تلك الشمس .
نعلم أنّ السماوات قد ملأت بآلاف الكواكب الصغيرة والكبيرة كالكرات الباردة المظلمة التي تكتسب ضياءها من الشمس ، فإن شوهدت منيرة ساطعة فإنّ نورها قد اقتبس من الشمس ، ولو لم تطلع عليها هذه الشمس لبقيت باهتة مظلمة متعذّرة الرؤية .

مضاعفة خطأ من اعتقد بحصانته من الخطأ

أجل ، هناك تحذير شديد من قبل الإمام (عليه السلام) إلى أولئك الأفراد الذين يحصلون على بعض المناصب الدنيوية من مغبّة نسيان أنفسهم والخروج عن حدودهم ، بهدف إعادتهم إلى رشدهم وعدم إيغالهم في الوهم والخيال .
ويمكننا أن ندرك عمق وأهمّية هذا التحذير العلوي إذا ما أيقنّا بأنّ ليس للإنسان من حصانة تجاه اللبس والخطأ أبداً . فالإنسان ليس بمعصوم وهو معرَّض للخطأ على الدوام ، وقد يمارس بعض الأخطاء التي تجرّ عليه الويلات أحياناً ، وقد تبدو هذه الويلات على درجة من الخطورة حين لا يمتلك هذا الفرد من نيّة سيّئة فحسب ، بل حين يرد الميدان ظنّاً منه بإسداء الخدمات وما يجعل الآخرين يعيشون في رفاهية من العيش والأمن والسلام; غير أنّ أخطاءه التي تفرزها الوساوس الشيطانية على درجة من الضلال بحيث لا تستتبع سوى الفساد والانحراف .
وهنا تتفاقم هذه المسألة وتتّخذ طابعاً أكثر مأساوية ، ولعلّ نشوء هذه الأخطاء غالباً ما يعود إلى تلك اللحظات التي يعرض فيها الخطأ بينما يرى صاحبها