جستجو در تأليفات معظم له
 

قرآن، حديث، دعا
زندگينامه
کتابخانه
احکام و فتاوا
دروس
اخبار
ديدارها و ملاقات ها
پيامها
فعاليتهاى فرهنگى
کتابخانه تخصصى فقهى
نگارخانه
پايگاه هاى مرتبط
مناسبتها
معرفى و اخبار دفاتر
صفحه اصلي  

كتابخانه فقه الدولة الإسلامية
صفحات بعد
صفحات قبل
(الصفحة 42)

الجوانب المعنوية ونشرها بين صفوف الناس ، وألاّ يتخلّوا عن هذه المسؤوليّات التأريخية بحجّة أنّها من اختصاصات الحوزات الدينية ورجال الدين .

* الرابع: عمارة البلاد

الوظيفة الاُخرى الأساسية والمهمّة لمالك الأشتر هي عمارة البلاد . وهذا الكلام ـ ورغم التهم والافتراءات التي ألصقت وما زالت تلصق بالإسلام طيلة التأريخ ـ إنّما يفيد أنّ الإسلام وخلافاً للرهبنة المسيحية يولي أهمّية قصوى للقضايا المادّية والرفاهية في حياة المجتمع الإسلامي ، ويرى ضرورة التمتّع بكافّة النِعم الدنيوية واللذائذ المادّية شريطة ألاّ تنسيه ذكر الله وتؤدّي به إلى ظلم الآخرين واستغلالهم .

نظام مركزي أم . . .؟

لعلّ هناك من يعتقد بأن هذه الصلاحيات ـ في الاُمور المالية والعسكرية والقضائية والثقافية ـ التي فوّضها أمير المؤمنين (عليه السلام) لمالك الأشتر تفيد أنّ الأساس الذي اعتمده الإمام (عليه السلام) في حكمه ، وبعبارة اُخرى اُسلوب الحكم في الإسلام هو الحكومة اللامركزية ، وأنّ الإسلام لا يقرّ الحكومة المركزية .
ونقول بأنّ هذا الاعتقاد لا يبدو صحيحا بالاستناد إلى أسلوبه الذي اتّبعه (عليه السلام)مع سائر أصحابه ، فقد اتّبع الاُسلوب المركزي مع الأشعث بن قيس فمنحه صلاحيات قليلة(1) . ويبدو أيضاً أنّ هذه الفوارق في حجم الصلاحيات معلولة للتفاوت بين مكانة وقدرات صحابته لا إلى أساس الحكومة في الإسلام .

  • 1 . نهج البلاغة : 366 ، الكتاب 5 .

(الصفحة 43)

فالخصائص التي ميّزت شخصية مالك الأشتر والصلاحيات التي منحها إيّاه الإمام ، توضح ثقته المطلقة (عليه السلام)بمالك ، بالشكل الذي جعل الإمام لا يرى ضرورة للإشراف على سلوكية مالك ومنهجه في الحكومة; على الخلاف من سائر صحبه الذين لا يتمتّعون بصفات مالك ، الأمر الذي جعله يفوّضهم صلاحيات أقلّ ويُخضع أعمالهم وممارساتهم للإشراف والسيطرة .

أمره بتقوى الله



إذا تأمّلنا هذا الكلام ـ الأمر بالتقوى ـ بالاستناد إلى الوصايا السابقة فإنّه سينطوي على مفهوم واضح ومعنى واسع . فقد أمر الإمام مالكاً بصفته العالم باستصلاح أمور الناس . ومن الواضح أنّ الوالي ما لم يكن متّقياً ، وكان أسيراً لأهوائه النفسية وغرائزه الحيوانية ، فإنّه لايسعه هداية الرعية وإرشادها إلى الصلاح ، فنفس الإنسان ميدانه الأوّل قبل الانطلاق إلى الآخرين . فإذا استطاع مثل هذا الإنسان أن يخضع هواه وغريزته لعقله ومارس سلطته على نفسه وكبح جماحها ، فإنّه سيتمكّن بالتالي من هداية الآخرين والأخذ بأيديهم لما فيه خيرهم وصلاحهم وأمّا إن كان تابعاً لهواه ، أسيراً لغرائزه الشيطانية ، عاجزاً عن إرشاد نفسه ، فكيف يمكن له إرشاد الآخرين وهدايتهم؟! وكيف يصلح غيره مَن يعجز عن إصلاح نفسه؟!
وهذا الكلام ينطبق تماماً على المؤسّسة الدينية التي تتولّى مهمّة إرشاد الاُمّة وهدايتها ، فالفرد الذي لا يهبّ لتزكية نفسه وينغمس في هواه وشهواته سوف لن يسعه إرشاد الآخرين وهدايتهم . وليت الأمر يقف عند هذه الحدود ، بل سيقود الاُمّة إلى الفساد والانحراف . وقد رأينا باُمّ أعيننا مثل هؤلاء الأفراد المتلبّسين
(الصفحة 44)

بزيّ رجال الدين عديمي التقوى ـ والذين سدّدوا ضرباتهم الموجعة للجسد الفتيّ لثورتنا الإسلامية المباركة ـ كما لمسنا ضرباتهم القاصمة { فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِى الاَْبْصَارِ} (1) ، إلى جانب وجودهم ـ على مدى التأريخ ـ الذي أدّى إلى ظهور المذاهب المختلفة ، والتي أدّت بالتالي إلى فساد الاُمّة وتخلّفها وانحطاطها .

التقوى في القرآن

إنّنا لنلمس مدى أهمّية التقوى من خلال التعابير القرآنية المختلفة بهذا الشأن في سائر الميادين من قبيل الجهاد والعلم ـ التي سنبيّنها لاحقاً ـ فالقرآن حين يتحدّث عن أفضلية العالم على الجاهل ، يصرّح مقارناً بينهما قائلاً: {هَلْ يَسْتَوِى الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ} (2) .
وتفيد هذه الآية أنّ العاقل يدرك ـ بحكم العقل والوجدان ـ أرجحية العالم على الجاهل دون الحاجة لإقامة الدليل والبرهان . أو حين يتحدّث عن أفضلية المجاهدين على القاعدين ، يقول: { فَضَّلَ اللهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْراً عَظِيماً} (3); وهي القضية الاُخرى التي خضعت فيها المقارنة والأفضلية إلى حكم العقل والوجدان .
إلاّ أنّ القرآن لم يتطرّق لمثل هذه المقارنة مهما تعرّض لمسألة التقوى ، فلم يذكر أفضلية المتقّين على أصحاب الشهوات والأهواء أبداً ، بل أشار إلى قيمتها وعلاقتها بالله فقال: {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقَاكُمْ} (4) .

  • 1 . سورة الحشر ، الآية 2 .
  • 2 . سورة الزمر ، الآية 9 .
  • 3 . سورة النساء ، الآية 95 .
  • 4 . سورة الحجرات ، الآية 13 .

(الصفحة 45)

فهو لايقول: إنّ المتّقي أفضل من غير المتّقي ، ولا يقول : إنّ المتّقي يتساوى مع غير المتّقي ، إلاّ أنّه يقول : {إنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقَاكُمْ} (1) فالتقوى أساس الكرامة ، وهذه الكرامة محسوبة عند الله; وهذا بدوره يفيد خصوصية التقوى ومدى عظمتها وسموّ كرامتها .

مفهوم التقوى

قال الراغب الاصفهاني بشأن التقوى: «الوقاية : حفظ الشيء ممّا يؤذيه ويضرّه ، والتقوى : جعل النفس في وقاية ممّا يخاف . هذا تحقيقه ، ثمّ يسمّى الخوف تارة تقوى والتقوى خوفاً ، حسب تسمية مقتضى الشيء بمقتضيه والمقتضى بمقتضاه ، وصار التقوى في تعاريف الشرع حفظ النفس عمّا يؤثم وذلك بترك المحظور»(2) .
ونفهم من هذا الكلام وسائر الكلمات الواردة بهذا الخصوص ـ ولا سيّما كلمات الأئمة المعصومين (عليهم السلام) ـ أنّ التقوى معناها حفظ النفس ومراقبتها والسيطرة عليها ، وليس معناها الاجتناب الذي اعتمده بعض المتقوقعين الذين أخلدوا للكسل والراحة ، فأوّلوا التقوى الإسلامية التي تختزن القيام والمواجهة بالانزواء واعتزال المجتمع الإسلامي .
ويرى بعض المحقّقين أنّ التقوى تعني الخوف في الاصطلاح الشرعي .
  • 1 . سورة الحجرات ، الآية 13 .
  • 2 . مفردات غريب القرآن: 530 ، مادّة «وقى» . إذا افترضنا التقوى بمعنى الاجتناب ، فنسأل: اجتناب أيّ الأشياء يوجب التقوى؟ إذا قيل : المحرّمات ، فإنّ اجتناب المحرّمات ليس كافياً على ضوء النظرة الإسلامية . فإنّ الإتيان بالواجبات هو الآخر شرط من شروط التقوى ، ولذلك نقول بأنّ التقوى تعني حفظ النفس ، فهذا المعنى يشمل اجتناب المحرّمات إلى جانب الإتيان بالفرائض والواجبات .

(الصفحة 46)

وبالاستناد إلى الآيات والروايات فإنّنا لا نتفق وهذا المعنى الذي لا نراه صحيحاً ، فقد جاء في القرآن: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} (1) فلو كانت التقوى تعني الخوف ، فهل الصيام مدعاة لإيجاد الخوف عند الإنسان؟ ثمّ ما العلاقة بين الخوف والصوم؟ بينما إذا قلنا بأنّ معنى التقوى هو الحفظ والتحفّظ ـ وهو كذلك ـ فإنّ هناك علاقة مباشرة بين التحفّظ والصوم; وذلك لأنّ الصوم تمرين لممارسة التحفّظ . كما قال سبحانه في موضع آخر: { اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقَاتِهِ} (2) .
ومن الواضح أنّ الآية ستفقد معناها و مفهومها إذا قلنا بأنّ التقوى بمعنى الخوف ، في حين سيتّضح مفهومها بجلاء إذا ما فسّرنا التقوى بالتحفّظ وحفظ النفس . وهكذا الآية: {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقَاكُمْ}  .

درجات التقوى

يتّضح من مجموع الآيات القرآنية وتعاليم نهج البلاغة بخصوص التقوى أنّها تشتمل على مراتب ودرجات . ليس هنالك من ركود وسكون ووقفة في التقوى . فالسالك لا يقطع منزلاً إلاّ إذا احتاج إلى اجتياز الآخر ، وهكذا فهو في حركة مستمرّة .
وعليه فلا ينبغي الاعتقاد بأنّ تقوى الفرد قد اكتملت ولم يعد أمامه من ضرورة للحركة إذا ما اجتنب المحرّمات وامتثل الواجبات ، فالحركة قائمة ، وهي على قدر من السعة والشمولية والتكامل الصعودي اللامتناهي بحيث يتعذّر بلوغ قمّته سوى لأهل بيت العصمة والطهارة ، (أو السالكين الحقيقيّين الذين يتعالون من
  • 1 . سورة البقرة ، الاية 183 .
  • 2 . سورة آل عمران ، الآية 102 .