جستجو در تأليفات معظم له
 

قرآن، حديث، دعا
زندگينامه
کتابخانه
احکام و فتاوا
دروس
اخبار
ديدارها و ملاقات ها
پيامها
فعاليتهاى فرهنگى
کتابخانه تخصصى فقهى
نگارخانه
پايگاه هاى مرتبط
مناسبتها
معرفى و اخبار دفاتر
صفحه اصلي  

كتابخانه فقه الدولة الإسلامية
صفحات بعد
صفحات قبل
(الصفحة 106)


آفة الساسة وسبيل الوقاية



لمّا كان ساسة البلاد يتعايشون مع الشؤون التنفيذية ويقضون أغلب أوقاتهم في إصلاح أُمور البلاد ، فإنّهم عادةً ما يصابون بالإعياء وعدم امتلاك الرؤية الواضحة والإدراك الصائب لبعض الأحداث ، وبالتالي قد تلفّهم الحيرة والغربة عن بعض قضايا البلاد و . . .
هذه هي الآفة الكبرى التي تعترض الساسة ، وقد تتفاقم هذه الآفة لتتحوّل إلى خطر جدّي يهدّد هؤلاء الساسة إذا ما حصلوا على شهرة واعتبار اجتماعي إلى جانب أنشطتهم التنفيذية التي يمارسونها في الحكومة . ففي هذه الحالة ـ وبالإضافة إلى اغترارهم بالأوضاع السائدة ـ سيعيشون تبعية شديدة لذلك الاعتبار الاجتماعي ، الأمر الذي يجعلهم يتخلّفون عن امتلاك الرؤية الصائبة والفهم الصحيح للقضايا الاجتماعية والأحداث التي تشهدها البلاد من جهة ، والضعف واللا أُبالية تجاه المسائل العبادية والشخصية من جهة اُخرى .
أمّا علاج هذه الآفة فإنّما يكمن في مجالسة العلماء والانفتاح على تجارب الحكماء:
«وَأَكْثِرْ مُدَارَسَةَ الْعُلَمَاءِ وَمُنَاقَشَةَ الْحُكَمَاءِ ، فِي تَثْبِيتِ مَا صَلَحَ عَلَيْهِ أَمْرُ بِلادِكَ ، وَإِقَامَةِ مَا اسْتَقَامَ بِهِ النَّاسُ قَبْلَكَ» .

الرسالية أم الاختصاص؟

إنّ التعمّق في كلام الإمام (عليه السلام) يرشد إلى مسألة اُخرى ، فهناك شعاران مرفوعان اليوم في مجتمعنا الإسلامي: أحدهما يتبنّى الاختصاص ويراه هو الملاك
(الصفحة 107)

في الانتخاب ، بينما يولي الآخر الأصالة للرسالية في الاختيار .
لقد تضمّن كلام الإمام (عليه السلام) ضرورة الجمع بين الأمرين في اختيار الأفراد لممارسة المسؤولية في الدولة ، فقد أشار (عليه السلام)على مالك بمدارسة العلماء من أجل تحقّق الصفة الرسالية ، كما أوصاه بمناقشة الحكماء والانتفاع بها ، بغية تحقّق صفة الاختصاص .

المصير المشترك ووحدة طبقات المجتمع


تقوم الرؤية العلوية للمجتمع على أنّه جسد واحد ذو أعضاء متّحدة المصير ، وللوقوف على هذه الرؤية لابدّ من استعراض بعض المقدّمات:
* مفهوم المجتمع
عادة ما يتألّف المجتمع من مجموعة من الأفراد الذين تحكمهم الروابط والعلاقات التي تصل بعضهم بالبعض الآخر . وعليه فالمجتمع تركيب يفتقر لوجوده وكيانه في حالة غياب الأفراد .
* استقلال المجتمع
نريد أن نتعرّف على هذا الكيان بعد أن عرفنا أنّه مركّب من عدد من الأفراد ، كما نروم الوقوف على العلاقة القائمة بين الفرد والمجتمع ، وهل للمجتمع من وجود وشخصية إزاء هؤلاء الأفراد وفي حالة غيابهم أم لا؟
بعبارة اُخرى: هل هناك من وجود عيني وخارجي لمجتمع دون وجود أفراده ، أم بالعكس ليس هناك من استقلال لمجتمع دون أفراد الجنس البشري؟
لقد طُرق هذا الموضوع لأول مرة في وسط الفلاسفة المسلمين من قبل ابن خلدون في مقدّمته لكتابه التأريخي «العبر» فقال: كلّ مجتمع يعيش مرحلة الولادة
(الصفحة 108)

والطفولة والشباب ثمّ الكهولة فالموت ، فإنّه بالتالي سيموت شاء أم أبى ، كما تكهّن بمتوسّط عمر كلّ مجتمع(1) .
ومن الواضح أنّ المجتمع لمّا كان يتألّف من الأفراد ، فإنّ هؤلاء الأفراد يرتبط بعضهم بالبعض الآخر وأنّهم يعيشون مصيراً مشتركاً واحداً ، فإنّهم يتأثّرون بأعمال بعضهم البعض شاءوا أم أبوا . فإن كانت الأكثرية الساحقة سيّئة انعكس ذلك أيضاً على الأقلّية الصالحة ، وإن كانت الأكثرية صالحة استفادت الأقلّية من خيّرات ذلك الصلاح ، وهكذا يتداخل مصير كلّ طائفة مع سائر الطوائف .
وبناءً على هذا فإنّ الإمام (عليه السلام) يرى أنّ من وظائف الحاكم ضرورة التعرّف على طبقات المجتمع والالتفات إلى سلامة كلّ منها ، فقال (عليه السلام):
«وَاعْلَمْ أَنَّ الرَّعِيَّةَ طَبَقَاتٌ لاَ يَصْلُحُ بَعْضُهَا إِلاّ بِبَعْض ، وَلاَ غِنَى بِبَعْضِهَا عَنْ بَعْض: فَمِنْهَا جُنُودُ اللَّهِ ، وَمِنْهَا كُتَّابُ الْعَامَّةِ وَالْخَاصَّةِ ، وَمِنْهَا قُضَاةُ الْعَدْلِ ، وَمِنْهَا عُمَّالُ الإِنْصَافِ وَالرِّفْقِ ، وَمِنْهَا أَهْلُ الْجِزْيَةِ وَالْخَرَاجِ مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ وَمُسْلِمَةِ النَّاسِ ، وَمِنْهَا التُّجَّارُ وَأَهْلُ الصِّنَاعَاتِ ، وَمِنْهَا الطَّبَقَةُ السُّفْلَى مِنْ ذَوِي الْحَاجَةِ وَالْمَسْكَنَةِ ، وَكُلٌّ قَدْ سَمَّى اللَّهُ لَهُ سَهْمَهُ ، وَوَضَعَ عَلَى حَدِّهِ فَرِيضَةً فِي كِتَابِهِ أَوْ سُنَّةِ نَبِيِّهِ (صلى الله عليه وآله) عَهْداً مِنْهُ عِنْدَنَا مَحْفُوظاً» .

  • 1 . مقدّمة ابن خلدون: 170 وما بعدها; ترجمة مقدّمة ابن خلدون: 1 / 324 .

(الصفحة 109)


قوامُ كلّ طبقة يعتمد على قوام اُخرى قوامُ كلّ طبقة يعتمد على قوام اُخرى



تحدّثنا سابقاً عن المصير المشترك لأفراد المجتمع والتحام الطبقات الاجتماعية; ونضيف هنا أنّ الإمام (عليه السلام) يرى بأنّ قوام كلّ طبقة يتوقّف على سائر الطبقات ، وبعبارة اُخرى لا غنى لأيّة طبقة عن اُخرى ، وإذا أرادت طبقة ـ مهما كان شأنها وموقعها ـ أن تحفظ كيانها وجب عليها أن تسعى لحفظ كيان سائر الطبقات .
ولا ينبغي أن يعتقد بأنّ وجودها يتوقّف على انعدام الاُخرى; وذلك لأنّ المجتمع الذي لا يمتلك القوّات المسلّحة لا يعيش الأمن ، وإذا انعدم الأمن ، اختلّت التجارة وتعثّرت الزراعة ، فإذا كان ذلك كذلك زالت الضرائب التي تضمن ميزانية القوّات المسلّحة .
كما أنّ عمل الولاة والقضاة هو الإشراف المستمرّ على سير الأعمال والأنشطة الاجتماعية المختلفة ، فإذا لم يكن هنالك من إشراف ومتابعة سادت المجتمع موجة من القلق والفوضى والاضطراب .
ولذلك يرى الإمام (عليه السلام) بأنّ كلّ طبقة تتقوّم بالاُخرى دون أن تمتاز عليها أو تفضلها ، وإذا فقدت أحدها كيانها أثّرت على سائر الطبقات:
«فَالْجُنُودُ بِإِذْنِ اللَّهِ حُصُونُ الرَّعِيَّةِ ، وَزَيْنُ الْوُلاةِ وَعِزُّ الدِّينِ وَسُبُلُ الأَمْنِ ، وَلَيْسَ تَقُومُ الرَّعِيَّةُ إِلاّ بِهِمْ . ثُمَّ لاَ قِوَامَ لِلْجُنُودِ إِلاّ بِمَا يُخْرِجُ اللَّهُ لَهُمْ مِنَ الْخَرَاجِ الَّذِي يَقْوَوْنَ بِهِ عَلَى جِهَادِ عَدُوِّهِمْ ، وَيَعْتَمِدُونَ عَلَيْهِ فِيمَا يُصْلِحُهُمْ وَيَكُونُ مِنْ وَرَاءِ حَاجَتِهِمْ . ثُمَّ لاَ قِوَامَ لِهَذَيْنِ الصِّنْفَيْنِ إِلاّ بِالصِّنْفِ الثَّالِثِ مِنَ الْقُضَاةِ وَالْعُمَّالِ وَالْكُتَّابِ ، لِمَا يُحْكِمُونَ مِنَ الْمَعَاقِدِ ، وَيَجْمَعُونَ مِنَ الْمَنَافِعِ ، وَيُؤْتَمَنُونَ عَلَيْهِ مِنْ خَوَاصِّ الأُمُورِ وَعَوَامِّهَا . وَلاَ قِوَامَ لَهُمْ جَمِيعاً إِلاّ بِالتُّجَّارِ
(الصفحة 110)

وَذَوِي الصِّنَاعَاتِ ، فِيمَا يَجْتَمِعُونَ عَلَيْهِ مِنْ مَرَافِقِهِمْ وَ يُقِيمُونَهُ مِنْ أَسْوَاقِهِمْ ، وَ يَكْفُونَهُمْ مِنَ التَّرَفُّقِ بِأَيْدِيهِمْ ما لاَ يَبْلُغُهُ رِفْقُ غَيْرِهِمْ . ثُمَّ الطَّبَقَةُ السُّفْلَى مِنْ أَهْلِ الْحَاجَةِ وَ الْمَسْكَنَةِ الَّذِينَ يَحِقُّ رِفْدُهُمْ وَ مَعُونَتُهُمْ» .

تقسيم السلطات وتوزيع الأعمال حسب الاستحقاق


قلنا: إنّ التحام الطبقات الاجتماعية وقوام كلّ منها يتوقّف على ما سواها ، وهذا بدوره يؤدّي إلى ضرورة توزيع الأعمال وتقسيم السلطات التي تُعدّ من صميم وظائف الحاكم الإسلامي .
ومن البديهي أنّ الأنشطة والفعّاليات سوف تصاب بالتعثّر والعرقلة ما لم تسير على ضوء منهاج ونظام ، وعليه فلابدّ للحاكم الإسلامي من تعيين آليّة السلطات ، ومن ثمّ يسند الأعمال إلى أصحابها وفقاً لأهليّتهم وجدارتهم ، ويحول دون تأثير العلاقات الشخصية بدلاً من المقرّرات والضوابط .
وممّا لا شكّ فيه أنّ هذه المسؤولية تعدّ من أهمّ وأصعب وأخطر مهامّ الحاكم الإسلامي ، والتي لا يتسنّى له القيام بها إلاّ من خلال سعيه الدؤوب واستعانته بالحقّ تبارك وتعالى من أجل أداء هذه المهمّة الخطيرة:
«وَفِي اللَّهِ لِكُلّ سَعَةٌ ، وَلِكُلّ عَلَى الْوَالِي حَقٌّ بِقَدْرِ مَا يُصْلِحُهُ ، وَلَيْسَ يَخْرُجُ الْوَالِي مِنْ حَقِيقَةِ مَا أَلْزَمَهُ اللَّهُ مِنْ ذَلِكَ إِلاّ بِالاهْتِمَامِ وَ الاسْتِعَانَةِ بِاللَّهِ ، وَتَوْطِينِ نَفْسِهِ عَلَى لُزُومِ الْحَقِّ وَالصَّبْرِ عَلَيْهِ فِيمَا خَفَّ عَلَيْهِ أَوْ ثَقُلَ» .