(الصفحة 89)
وإقرار المساواة بين أفراد الأُمّة سوف يحول دون إسرافها وسيطرتها على الأموال والثروات التي تحصل عليها بمختلف الطرق والوسائل .
شكر النعم
يرى الإنسان نفسه وبوحي من فطرته ملزماً بأداء الشكر لمن أسدى إليه إحساناً أو كافأه بنعمة . فالمحرومون ـ وبدافع من فطرتهم الإنسانية الأصيلة ـ لايَدَعون ألسنتهم تنفكّ عن شكر ما يسديه إليهم الحاكم من إحسان ، فهم لا ينسون أو يتناسون أياديه قط; بينما لا يكترث المترفون وبدافع من شرههم لهذه النعم مهما بلغت ، بل يرون إسداء النعم من قبيل وظائف الحاكم ، الأمر الذي لايَدَعهم يشعرون بأنّ هناك إحساناً اُسدي إليهم ويجب عليهم شكره .
قبول العذر وعدم الإصرار
إنّ ضمان معيشة أفراد الاُمّة وتلبية حاجاتهم ومتطلّباتهم تعتبر وظيفة الحاكم الإسلامي والدولة الإسلاميّة . ومن الطبيعي أن تكون هذه الوظيفة مرنة على ضوء توفّر الظروف والإمكانات . فقد تقوم الدولة بهذه الوظيفة على أحسن ما يرام إذا ما توفّرت الإمكانات وتهيّأت الظروف بحيث تنال رضى الاُمّة ، بينما قد تعرض بعض الظروف وتستجدّ بعض الأزمات ـ والتي قد تباغت الدولة ولم تكن قد تكهّنت بها ـ بحيث يتعذّر على الدولة أن تقوم بهذه الوظيفة كما ينبغي ، ففي مثل هذه الحالة لا ترى الدولة التي ترى نفسها منبثقة من وسط الناس من وسيلة سوى الاعتذار للاُمّة .
(الصفحة 90)
وهنا يطالعنا التباين في المواقف ، حيث يسارع المحرومون لقبول العذر ويتنازلون عن متطلّباتهم ، بينما لا يقبل المترفون العذر ولا يتزحزحون قيد أنملة عن متطلّباتهم بكلّ إصرار وعناد .
الصبر على النوائب
لا تخلو المسيرة الاجتماعية لكلّ اُمّة من رفاهية ودعة وسلامة وأمن في حياتها تارة ، ومن ضيق وشدائد تارة اُخرى . وليس هناك من اُمّة أو حاكم يسعه الادّعاء بأنّه سوف لن يشهد بعض الصعاب والمعضلات وسيعيش حياته على الدوام بصورة مرفّهة وآمنة .
ولمّا كان محروموا المجتمع قد عاشوا مع الحرمان والضيق والشدّة وغير ذلك من الابتلاءات فإنّهم عادة ما يكونون أصبر على الشدائد وأجلد على النوائب ، بينما لا تبدي الجماعة المترفة مثل هذا الصبر والجلد ، بفعل حالة البذخ والترف التي تسود حياتهم اليومية .
هذا غيض من فيض الخصائص ـ التي سنتطرّق إلى المزيد منها ـ التي تدفع بالحاكم لأن يتحرّك من أجل الطبقات المستضعفة المحرومة بهدف تأمين متطلّباتها والفوز برضاها .
«وَإِنَّمَا عِمَادُ الدّينِ ، وَجِمَاعُ الْمُسْلِمينَ ، وَالْعُدَّةُ لِلاَْعْداءِ الْعَامَّةُ مِنَ الاُْمَّةِ ، فَلْيَكُنْ صِغْوُكَ لَهُمْ ، وَمَيْلُكَ مَعَهُمْ» .
نستنتج من وصايا الإمام (عليه السلام) والآيات القرآنية ـ التي مرّت ـ أنّ الإسلام دين
(الصفحة 91)
العامّة من الأُمّة . وهذه العامّة هي التي تؤمن ـ استنادا لكون حياتهم قائمة على أساس الحقّ والعدل والمساواة التي يتبنّاها الدين ـ بأنّ الإسلام هو الدين الوحيد الذي من شأنه خلق الشخصية الإسلاميّة وإنقاذها ، فهي لا تتوانى في التضحية بالغالي والنفيس من أجل هذا الدين .
جنود الحقّ
إنّ تعاليم الدين الإسلامي الحنيف التي تهدف إلى تحطيم القيود والأغلال المفروضة على الناس ، وتحرير المستضعفين والمحرومين ممّا يعانون من ظلم وإجحاف ، وتدعوهم لمقارعة المستعمر الطامع ، إنّما تستتبع على الدوام إثارة حفيظة المترفين المستكبرين الناهبين لثروات العالم ، الأمر الذي يدفع بهم لمواجهة الإسلام والقضاء عليه .
وهنا تنشب الحرب على قدم وساق لينبري المستضعفون لخوضها بكلّ شجاعة وبسالة ، بينما يتنحّى جانباً المتنعِّمون والأثرياء ويخلو الميدان . وقد لمسنا هذه الحقيقة في جبهات صراع الحقّ ضدّ الباطل إبّان الحرب المفروضة من قبل النظام العراقي البائد على الجمهورية الإسلامية الإيرانية ، ورأينا كيف اتّخذ أصحاب الثروة موقف المتفرِّج من تلك الحرب .
وهنا نقول بأنّ هذه الصفة ـ التي تتجسّد في العبارة «والعدّة للأعداء» ـ وسائر صفات المستضعفين ـ التي بيّناها سابقاً ـ تدفع بالحاكم لأن يتحرّك من أجل المستضعفين وضمان مصالحهم وتلبية متطلّباتهم المشروعة .
(الصفحة 92)
(الصفحة 93)
الحكومة والوشاة
تعتبر النميمة في الإسلام من أقبح الرذائل ، كما أنّ النمّـام من أقبح الأفراد ، حتّى صوّره رسول الله (عليه السلام) لأصحابه قائلاً: «ألا أُنبِّئكم بشراركم؟ قالوا: بلى يا رسول الله قال: المشّاؤون بالنميمة ، المفرّقون بين الأحِبّة»(1) .
وقال الإمام الباقر (عليه السلام): محرّمة الجنّة على القتّاتين المشّائين بالنميمة(2) .
ولو تدبّرنا حديث رسول الله (صلى الله عليه وآله) لوقفنا على مدى قبح النميمة ودورها الخطير ، إلى جانب قدرة النمّام على تصديع علاقات الأفراد فيما بينهم ، إضافة إلى تصديع العلاقات بين أبناء المجتمع والحكومة .
ومن هنا يعلم أنّ النمّـام ـ الذي لا يتورّع عن الكذب ـ ما إن شاهد نقطة ضعف صغيرة من أحد الأفراد حتّى يسارع إلى تضخيمها وتفخيمها عند صاحبه ، بهدف التفريق بينهما وإثارة أحقادهما وأضغانهما . فلو قدّر لمثل هذا الفرد أن يتسلّل إلى المناصب الحكومية ويكون أحد كوادرها بحيث يتردّد على سائر مسؤولي الحكومة ، فإنّه سيتمكّن بكلّ بساطة من استغلال نقاط ضعف الآخرين ، ليبعد الحاكم عن الأُمّة من جهة ويؤلّب الأُمّة على الحاكم من جهة اُخرى ، الأمر الذي يُفقد الحاكم القدرة على الاستناد إلى القاعدة الجماهيرية ، وبالتالي يؤدّي إلى عجزه وانهياره . وهذا ما جعل الإمام (عليه السلام) ينبّه واليه إلى هذا الأمر ، بهدف إشاعة أجواء الأمن والثقة المتبادلة ، فقال (عليه السلام):
«وَلْيَكُنْ أَبْعَدَ رَعِيَّتِكَ مِنْكَ وَأَشْنَأَهُمْ عِنْدَكَ أَطْلَبُهُمْ لِمَعَائِبِ النَّاسِ ، فَإِنَّ فِي
- 1 ، 2 . الكافي: 2 / 369 ح1 ، 2 .