جستجو در تأليفات معظم له
 

قرآن، حديث، دعا
زندگينامه
کتابخانه
احکام و فتاوا
دروس
اخبار
ديدارها و ملاقات ها
پيامها
فعاليتهاى فرهنگى
کتابخانه تخصصى فقهى
نگارخانه
پايگاه هاى مرتبط
مناسبتها
معرفى و اخبار دفاتر
صفحه اصلي  

كتابخانه فقه الدولة الإسلامية
صفحات بعد
صفحات قبل
(الصفحة 125)


وظائف الحاكم تجاه القضاة



قلنا بأنّ الأفراد الذين تتوفّر فيهم صفات القاضي العادل قليلون ، وعلى الولاة أن يسعوا جهدهم من أجل إسناد القضاء لمثل هؤلاء الأفراد ، إلاّ أنّ مسؤولية الوالي أو الحاكم لا تقتصر على هذا الحدّ ، فما إن ينصّب مثل هذا الفرد الصالح للقضاء ، حتّى تبرز أمامه قضيّتان مهمّتان بشأن وظائفه وسلوكه حيال القضاة ، ولعلّ هذا أهمّ حتّى من الظفر بالقاضي الصالح وهما:
أوّلاً: على الحاكم أن يلتفت إلى ضرورة عدم معاناة القاضي من ضيق الحياة المادّية; وذلك لأنّه إما أن يستقيل من منصبه ، أو أن يثبّط عزمه فلا يمارس وظيفته كما ينبغي ، أو أن يخشى عليه من الزلل بحيث تنفذ إليه الرشوة التي تجعله يقلب الحقّ رأساً على عقب .
وثانياً: على الحاكم أن يعزّز منزلة القاضي ويمنحه مكانة رفيعة لديه ، حتّى أوّلاً: لا يتمكّن أحد من فرض آرائه وإرادته عليه ، وثانياً: لا يطمع فيه أحد أبداً ، وثالثاً: لا يحقّ لأحد سوى الحاكم عزله عن منصبه ، ورابعاً: لا يجرأ أحد على الوشاية به والتواطئ عليه ، وليعلم الجميع بأنّ القاضي العادل والصالح مأمون الجانب لدى الحاكم من كلّ وشاية وسعاية .
وما إن يفرغ الإمام (عليه السلام) من استعراض وظائف الحاكم حيال القاضي العادل حتّى يؤكّد على عظم منزلة القاضي واستقرار العدل والقانون لدى الحكومة ، ثمّ يتطرّق (عليه السلام) إلى العصر الذي أعقب رحيل النبي (صلى الله عليه وآله) والذي أصبح فيه الإسلام اُلعوبة بيد الأشرار وقد ارتكبوا أشنع الأفعال باسمه ، ولاسيّما الجهاز القضائي الذي جعلوه مطيّة لأطماعهم ومآربهم:

(الصفحة 126)

«ثُمَّ أَكْثِرْ تَعَاهُدَ قَضَائِهِ ، وَافْسَحْ لَهُ فِي الْبَذْلِ مَا يُزِيلُ عِلَّتَهُ ، وَتَقِلُّ مَعَهُ حَاجَتُهُ إِلَى النَّاسِ . وَأَعْطِهِ مِنَ الْمَنْزِلَةِ لَدَيْكَ مَا لاَ يَطْمَعُ فِيهِ غَيْرُهُ مِنْ خَاصَّتِكَ ، لِيَأْمَنَ بِذَلِكَ اغْتِيَالَ الرِّجَالِ لَهُ عِنْدَكَ . فَانْظُرْ فِي ذَلِكَ نَظَراً بَلِيغاً ، فَإِنَّ هَذَا الدِّينَ قَدْ كَانَ أَسِيراً فِي أَيْدِي الأَشْرَارِ ، يُعْمَلُ فِيهِ بِالْهَوَى ، وَتُطْلَبُ بِهِ الدُّنْيَا » .

الضوابط معيار التوظيف في الحكومة لا العلاقات



إنّ من أهمّ مميّزات المجتمع الإسلامي والحكومة الإسلاميّة هي سيادة العدل واعتماد المساواة دون التمييز وتغييب الوساطة والاتّجاهات السياسية والأهواء الشخصية .
وبعبارة اُخرى: أنّ المعايير الشخصية والفئوية والعلاقات الخاصّة المعتمدة في إسناد المناصب في الحكومات غير الإسلاميّة ليس لها وجود في الحكومة الإسلاميّة ، فالمقرّرات والضوابط هي المعتمدة في النظام الإسلامي بدلاً من العلاقات والرغبات الشخصية ، وأنّ رعاية العدالة الإسلامية تقتضي اعتماد الخصال الإسلاميّة والامتيازات الخلقية في توزيع المناصب ، بحيث يشغل كلّ فرد المنصب الذي تؤهّله إليه كفاءته وجدارته وعلمه و تقواه وورعه .
ولذلك يرى الإمام (عليه السلام) أنّ الوالي الناصح مَن يعتمد العدل والحقّ في توزيع المسؤوليات وألاّ يسندها إلاّ بعد تعريض الفرد للامتحان والاختبار . ولذلك يطالب مالكاً باعتماد الملاكات الإسلاميّة في استعمال الأفراد بعيداً عن كافّة أشكال المحاباة والمجاملات .
أمّا الملاكات المعتبرة من وجهة نظر الإمام (عليه السلام) فيمكن إيجازها في مايلي:
1 ـ التجربة والاختصاص والتعايش مع القضايا والمشاكل .

(الصفحة 127)

2 ـ النجابة والعفّة والحياء وصون النفس عن الرذيلة والفحشاء .
3 ـ الترعرع على التقوى والورع والفضيلة في البيوتات الصالحة وعدم النشوء في أجواء الفساد والانحراف والجور والخيانة .
4 ـ امتلاكه للسابقة الحسنة في الإسلام بما يجعله يتقدّم على غيره ، أي يكون ممّن تعايش مع الإسلام قبل تنامي شوكته واتّساع نطاقه ، لا من أولئك الذين اعتنقوه عندما أصبح أمراً واقعاً إرضاءاً لنزواتهم وأطماعهم في الثروة والجاه .
5 ـ أن يكون من الشخصيات الذين جهدوا في صون نفوسهم وتهذيب أرواحهم وبعدوا عن الزلاّت والعثرات .
6 ـ أن يكون ممّن له القدرة على الإدارة وبُعد النظر ، ومن أهل التدبّر والتأمّل في مختلف الأُمور .
7 ـ أن يكون عالي الهمّة بعيداً عن مطامع الدنيا وحطامها وزخرفها .
وفي ذات الوقت وضمن الإشارة إلى خصائص الولاة والعمّال ، يبيّن (عليه السلام)مسؤوليات الحاكم في انتخاب مثل هؤلاء الأفراد ، التي منها:
1 ـ أن يعرض ولاته وعمّاله للاختبار والامتحان .
2 ـ ألاّ يعتمد آراءه الشخصية والأثرة بما يعتقد في انتخاب الولاة ، وعليه استشارة الآخرين واحترام آرائهم .
3 ـ أن يمنح ولاته الفرصة التي يعبّرون فيها عن كفاءتهم وأهليّتهم .
4 ـ ألاّ يسند المناصب للأفراد على ضوء رغبته وعلاقاته الشخصية أو إثر صفة توسّمها في فرد قد لا يكون جديراً بذلك المنصب .
وأخيراً يذكّر (عليه السلام) بأنّ عدم اعتماد مثل هذه المعايير والملاكات في الوظائف لاتكون له نتيجة سوى شيوع الظلم والاضطهاد والخيانة:
«ثُمَّ انْظُرْ فِي أُمُورِ عُمَّالِكَ فَاسْتَعْمِلْهُمُ اخْتِبَاراً ، وَلاَ تُوَلِّهِمْ مُحَابَاةً وَأَثَرَةً ،
(الصفحة 128)

فَإِنَّهُمَا جِمَاعٌ مِنْ شُعَبِ الْجَوْرِ وَالْخِيَانَةِ ، وَتَوَخَّ مِنْهُمْ أَهْلَ التَّجْرِبَةِ وَالْحَيَاءِ مِنْ أَهْلِ الْبُيُوتَاتِ الصَّالِحَةِ ، وَالْقَدَمِ فِي الإِسْلامِ الْمُتَقَدِّمَةِ ، فَإِنَّهُمْ أَكْرَمُ أَخْلاقاً ، وَأَصَحُّ أَعْرَاضاً ، وَأَقَلُّ فِي الْمَطَامِعِ إِشْرَاقاً ، وَأَبْلَغُ فِي عَوَاقِبِ الاُمُورِ نَظَراً» .

تلبية الحاجات المادّية لموظّفي الحكومة



لقد بحثنا هذه القضية سابقاً وقلنا: إنّ الإسلام بصفته مدرسة إنسانية عظمى وديناً إلهيّاً واقعياً قد أولى أهمّية قصوى لتغطية الحاجات المادّية للأفراد وضرورة تلبيتها وإشباعها ، حتّى وضع بعض المقرّرات والضوابط بهذا الخصوص .
ولذلك يؤكّد الإمام (عليه السلام) على ضرورة معالجة الأُمور المادّية وإشباع حاجات عمّال الدولة ، الأمر الذي يعدّ من الأركان المهمّة لإدارة شؤون البلاد ، كما يشكّل العامل الأساسي في الحيلولة دون خيانة العمّال وتطاولهم على بيت المال وتعاطي الرشوة وبالتالي هضم الحقوق وتصدّع النظام .
ثمّ يحذِّر (عليه السلام) بأنّ عدم تلبية هذه الحاجات سيدفع بالأفراد المغرضين لاتّخاذ ذلك ذريعة من أجل مقارفة السرقة والرشوة والتعدّي على أموال الآخرين ، وبالتالي تضيع العفّة والأمانة ، آنذاك تزول حجّة الوالي على الرعيّة والعمّال ، فهم يبرّرون السرقة والخيانة بوقوعهم تحت طائلة الحاجة ، فيلقوا بالمسؤولية على الوالي:
«ثُمَّ أَسْبِغْ عَلَيْهِمُ الأَرْزَاقَ ، فَإِنَّ ذَلِكَ قُوَّةٌ لَهُمْ عَلَى اسْتِصْلاحِ أَنْفُسِهِمْ ، وَغِنَىً لَهُمْ عَنْ تَنَاوُلِ مَا تَحْتَ أَيْدِيهِمْ ، وَحُجَّةٌ عَلَيْهِمْ إِنْ خَالَفُوا أَمْرَكَ ، أَوْ ثَلَمُوا أَمَانَتَكَ» .

(الصفحة 129)


دور الحاكم في الإشراف على أعمال الولاة



لا تقتصر وظيفة الحاكم على انتخاب العمّال والولاة ومعالجة مشاكلهم المادّية وتلبية حاجاتهم ، بل عليه أن يراقب عن كثب سير أعمالهم وقيامهم بمهامّهم . فيجب عليه التحرّي عن كيفيّة قيام الولاة والعمّال بوظائفهم واُسلوب معاملتهم للرعية ، والتأكّد من صحّة وعدم صحّة ما يصله من تقارير بشأن حسن سير الاُمور ، والوقوف على صدق الشكاوى التي تتقدّم بها الرعية ضدّ العمّال من كذبها وما إلى ذلك من أمور .
فلو لم يمارس الحاكم هذه الوظيفة ، لا يستبعد أن يستغلّ بعض الأفراد مناصبهم ومسؤولياتهم فيما رسوا ألوان الظلم والعدوان على الأُمّة فيشيعوا الفساد والاضطهاد بما يجعل الأُمّة تسيء الظنّ بالحكومة ، الأمر الذي يؤدّي إلى انهيارها وسقوطها ، إلى جانب تصدّع كيان المجتمع وتمزّق عراه .
وعليه وبغية الحيلولة دون هذا الأمر تتأتّى ضرورة الإشراف الدقيق والمستمرّ على فعّاليات وأنشطة عمّال الدولة ، ولا يتحقّق هذا الهدف إلاّ من خلال تشكيل جهاز إشراف وتحرّي يتّصف بالصدق والأمانة ، ليرفع التقارير الموثّقة بشأن الولاة والعمّال ، وهذه إحدى وظائف الحاكم الإسلامي .
ومن الطبيعي أن يكون كادر هذا الجهاز من الأفراد المعروفين بالورع والتقوى والصدق والأمانة ومن المعتمدين لدى الحاكم ، حيث لابدّ من وثوقه بصحّة أخبارهم وتقاريرهم التي لا يشوبها أدنى كذب أو افتراء ، ولا يقصدون في تحرّيهم ورفعهم لهذه التقارير سوى خدمة الإسلام والمسلمين والحكومة الإسلاميّة .