جستجو در تأليفات معظم له
 

قرآن، حديث، دعا
زندگينامه
کتابخانه
احکام و فتاوا
دروس
اخبار
ديدارها و ملاقات ها
پيامها
فعاليتهاى فرهنگى
کتابخانه تخصصى فقهى
نگارخانه
پايگاه هاى مرتبط
مناسبتها
معرفى و اخبار دفاتر
صفحه اصلي  

كتابخانه فقه الدولة الإسلامية
صفحات بعد
صفحات قبل
(الصفحة 82)

الظالم دفاعاً عن المظلوم:
«ومَن ظَلَمَ عبادَ الله كان اللهُ خصمَهُ دونَ عبادِهِ ، ومَن خاصَمَهُ اللهُ أَدحَضَ حُجَّتَهُ ، وكان للّهِ حَرباً حتّى يَنْزِعَ أو يَتُوبَ» .

تعمّق في بلاغة الكلام

إنّنا نعتقد بأنّ الإمام (عليه السلام) قد اعتمد بلاغة وسَبكاً في كلامه ـ في نهج البلاغة ـ بما يعجز العقل البشري العادي عن الوقوف على عمقه وسبر أغواره; إلاّ أنّ التأمّل والتدبّر في كلماته (عليه السلام) يكشف بما لا يقبل الشكّ دقّة التصوير وروعة التعبير .
فقد طالعتنا عباراته السابقة باستعماله لمفردة «الناس» حين كان الحديث عن أوضاع الأُمّة في ظلّ حكومة العدل الإسلاميّة بالاستناد إلى إحقاق حقوقهم المشروعة ، فقال (عليه السلام): «أنصف الناس» بينما أتى بلفظ «الرعية» حين ساق الكلام في موضع آخر في إطار حديثه عن حقوق الأُمّة من حيث كونها جماعة تعيش في كنف الحكومة الإسلاميّة ، فقال (عليه السلام): «ومَن لك فيه هوى من رعيتك» .
أمّا هنا حيث أراد أن يتحدّث عن الظلم ويلفت انتباه الآخرين إلى وخامته وأنّ الله هو الذي يواجه الظالم ، لم يعد الكلام عن الناس والرعية ، بل عمد (عليه السلام) إلى كلمة اُخرى تتضمّن معنى الناس من جانب وعلاقتهم باللّه من جانب آخر ، بحيث اعتمد منتهى الدقّة والبلاغة من أجل إماطة اللثام عن عمق المفهوم الذي أراد توضيحه ، فاكتفى بعبارة قصيرة تختزن معنى واسعاً كبيراً ، فقال (عليه السلام) «عباد الله» .
لقد اختصر (عليه السلام)عالماً من المواضيع في كلمة قصيرة ، قال (عليه السلام): «ومن ظلم عباد الله» أي أنّ هؤلاء هم عباد الله تربطهم به سبحانه رابطة الخالق بالمخلوق ، الرابط الأعمق والأشمل والأقوى من رابط الاُبوّة والبنوّة ، هؤلاء عيال الله وأهله ، وإذا ما تعرّضوا للظلم والجور فإنّ الله بالمرصاد لهذا الظالم .

(الصفحة 83)

كما يتعرّض (عليه السلام) لموقف الله حيال الظالم فيصفه قائلاً: «كان لله حرباً» فهو لايقول: «كان لله محارباً» وهذا البيان يفيد ذروة بلاغة كلامه (عليه السلام) كما يكشف عن الروعة المتناهية لمعنى هذا الكلام .
ونضرب هذا المثل بهدف إيضاح الموضوع ، فتارةً نقول: «زيد عادل» واُخرى نقول: «زيد عدل» فالعبارة «زيد عادل» تثبت عدالة زيد فقط ، أمّا العبارة «زيد عدل» رغم أنّها تتضمّن مفهوم العبارة «زيد عادل» إلاّ أنّها تفيد أمراً آخر ، وهو شدّة ثبوت العدالة لزيد ، أي أنّك إذا استعملت عبارة «زيد عدل» فإنّك تريد أن تقول بأنّ زيداً كتلة من العدل وينطوي على أقصى درجات العدل ، وهذا لايخالف عبارة «زيد عادل» بل يثبت هذا المفهوم ودرجات أرفع منه .
والعجب أنّ الإمام (عليه السلام) يصف مَن يظلم عباد الله بأنّه «وكان لله حرباً» أي أنّ الظالم ليس في حال خوض الحرب ضدّ الله ، بل هو نفسه عبارة عن حرب ضدّ الله ، وهذا التعبير يتضمّن ذات المعنى الذي بيّناه لعبارة «زيد عدل» فالظالم هنا هو كتلة من الحرب وصورة تتجسّد فيه حرب الله .

الهزيمة الحتمية للظالم

طالما كان الظالم مجابهاً لله وأنّه لا يعتمد سوى القوّة والغطرسة تجاه الناس ، فإنّ الله سبحانه ذو القدرة المطلقة {يَدُ اللهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ} (1) وإنّ فضحه للظلمة وتعريتهم أمام الأُمّة يهدف إلى عدم استناد الظالم في ظلمه وحيفه سوى إلى الظلم والغطرسة دون أن يكون لديه أيّ منطق ودليل عقلائي .
ومن الطبيعي أنّ الله إذا أماط اللثام عن وجه الظالم ورأته الأُمّة على طبيعته الظالمة الجائرة القائمة على أساس الأهواء النفسية فإنّها ـ وبعد الاتّكال على الله ـ
  • 1 . سورة الفتح ، الآية 10 .

(الصفحة 84)

ستهبّ لمقارعته ، وأنّ النصر لا محالة سيكون حليفها ، وذلك لأنّ الله هو الذي يتولّى أمر هذا الظالم ويمدّ المستضعفين ويشدّ أزرهم ، الأمر الذي سيؤدّي بالتالي إلى هزيمة الظالم ليصبح مصداقاً واضحاً لقوله (عليه السلام): «أدحض حجّته» .

توبة الظالم

رغم أنّ الشارع قد أكّد على قبح وشناعة الظلم ، وأدانه في أكثر من مناسبة على أنّه من الذنوب التي لا تترك وسرعان ما تنال جزائها ، إلاّ أنّه لم يغلق كافّة الأبواب بوجه الظالم ، فهو الرحمن الرحيم الذي يقبل التوبة عن عباده ويعفو عن السيّئات، وكبرياؤه وعظمته أجلّ شأناًمن إهمال عباده الضعفاء،وباب توبته مفتوح.
ولذلك قال (عليه السلام) بالنسبة لهذا الظالم: «وكان لله حرباً حتّى ينزع ويتوب»; ولاغرو فإنّ الله للظالم بالمرصاد مادام يواصل الظلم ولا يخطو نحو التوبة . فالله خصمه «حتّى ينزع ويتوب» فإذا تاب بصدق تاب الله عليه وكفّ عن مخاصمته .
وبالطبع فإنّ التوبة درجات ومراتب لابدّ من مراعاتها ، ولابدّ أن تكون من جنس مبرّراتها . فلو هضم أحد حقّ الناس لم يكفِ في قبول توبته العزم على عدم هضم حقوق الناس فحسب ، بل عليه أن يسعى سعيه ويجهد نفسه إلى الحدّ الذي يمكنه من إعادة حقوق الناس حتّى يحصل على رضى من ظلمه وضَيّع حقّه .
فعلى سبيل المثال لو سرق أحد مالاً أو اغتصب أملاك أحد أو سلب بيته وشرّده منه أو حصل على ثروة بسبل غير شرعية ، ففي مثل هذه الحالات لا يكفي أن يقول: سوف لن أقارف مثل هذه المحرّمات وأتطاول على أموال الآخرين وسأقضي ما بقي من عمري في رفاهية ودعة وأتنعّم في الدنيا بهذه الأموال التي شقى في الحصول عليها الآخرون وتحمّلوا العناء ، وطالما تبت من هذه الأعمال فسيغفر لي الله في الآخرة ، وعليه سأفوز في الدنيا والآخرة!

(الصفحة 85)

كلاّ ، هذا مكر وخداع وحيلة تجاه الله ، والحال ليس لأحد أن يخدع الله; فمن مكر مكر الله به والله أشدّ مكراً .
إذن فمن تاب وعاد إلى الحقّ وأناب إلى الله وجب عليه أن يردّ المظالم حتّى يرضي مَن ظلمهم عنه ، وفي هذه الحالة يقبل الله توبته ويعفو عنه .

تأثير أنين المظلوم



ترى المدرسة الإسلاميّة أنّ من الذنوب ما يبدّل النعمة نقمة والعزّة ذلّة ، ومنها ما يعجِّل نزول البلاء والعذاب الإلهي ، ولعلّ العذاب الذي تسبّبه هذه الذنوب يكون في الآخرة كما يمكن أن يكون في الدنيا . النعمة هي الاُخرى ليست محدّدة ، فلعلّ الظلم يستتبع تغيير عدّة نِعم ، كما يمكن أن يؤدّي بالظالم إلى الهلاك والزوال ، وكلّ ذلك إنّما ينبع من أنين المظلوم .
ولنا أن نسأل هنا ما هي دعوة المظلوم التي لها مثل هذه الفاعلية؟ إنّ المظلوم الذي لايستطيع أن يدفع عن نفسه الظلم ويفوّض أمره إلى الله ويدعوه لما مسّه من ظلم ، فإنّ دعوته مسموعة ، ولا تستبطن سوى تجريد هذا الظالم من قدرته وجبروته بحيث لا يسعه التطاول على الآخرين وتعريضهم للظلم والعدوان ، إلى جانب سلبه النعم ليعيش الذلّة والهوان فلا يجرّعهما الناس .
ولمّا كانت هذه هي دعوات المظلوم وأنّ الله سامع لهذه الدعوات ـ التي لايحجبها عنه حجاب ـ فإنّه يجيبه فوراً ، وإثر هذه الدعوات والحسرات سرعان ما تتحوّل نعمة الظالم إلى نقمة وعزّته إلى ذلّة:
«وليسَ شيءٌ أَدْعى إلى تغييرِ نِعْمَةِ الله وتَعْجِيلِ نِقْمَتِهِ من إقامة على ظُلم ، فإنّ اللهَ سَميعُ دعوةَ المُضْطَهدِينَ وَهوَ للظالمِينَ بالمرصاد» .

(الصفحة 86)


معايير القرار لدى الحاكم



ينبغي أن تستند القرارات التي يتّخذها الحاكم الإسلامي إلى الضوابط والمعايير الإسلاميّة . وعلى هذا الأساس فإنّ معيار الحاكم في كافّة قراراته وممارساته الحكومية إنّما يكمن في إرساء دعائم الحقّ وبسط العدل والقسط وضمان رفاهية عامة الاُمّة:
«ولْيَكُن أَحَبُّ الأُمورِ إليكَ أَوسَطَها في الحقِّ ، وأَعَمَّها في العدل ، وأَجمَعَها لرضى الرعية ، فإنَّ سُخْطَ العامّةِ يُجحِفُ برضى الخاصّة ، وإنّ سُخْطَ الخاصّةِ يُغتَفَرُ مع رضى العامّة» .
ليس المراد من مراعاة الحقّ والعدل هو قيام المدينة الفاضلة الخيالية في عالم الأذهان ، وهذا ما يؤدّي بدوره إلى تحجيم القرارات العملية والدفع بالحاكم إلى المثالية .
ولذلك يحثّ الإمام (عليه السلام) الحاكم بقوله: «أوسطها في الحقّ» إلى الأخذ بنظر الاعتبار الواقع والإمكانات المتاحة في المجتمع ، وعليه فهو يوصي الوالي والحاكم بمراعاة كلّ ما من شأنه التقريب من الحقّ ، وعدم التهرّب من المسؤولية بذريعة تعذّر إقامة الحقّ بكلّ ما لهذه الكلمة من معنى .
وعلى ضوء هذه النظرة الواقعية فإنّ الإمام (عليه السلام)يوصي مالكاً بشأن العدالة من خلال الأخذ بنظر الاعتبار كافّة جوانب الأمر ، فيؤكّد عليه بإيلاء الأهمّية القصوى لكلّ شأن ذي صلة بالعدالة ، وأخيراً يرى الإمام علي (عليه السلام) أنّ رضى عامة الأُمّة هو الملاك الرئيسي في حركة الحاكم بعد إحقاق الحقّ وبسط القسط والعدل .