جستجو در تأليفات معظم له
 

قرآن، حديث، دعا
زندگينامه
کتابخانه
احکام و فتاوا
دروس
اخبار
ديدارها و ملاقات ها
پيامها
فعاليتهاى فرهنگى
کتابخانه تخصصى فقهى
نگارخانه
پايگاه هاى مرتبط
مناسبتها
معرفى و اخبار دفاتر
صفحه اصلي  

كتابخانه فقه الدولة الإسلامية
صفحات بعد
صفحات قبل
(الصفحة 39)

* الأوّل: إزالة الغفلة

إنّ أعظم آفة لأصحاب القدرة والسطوة ـ الذين تحفل قواميس معظمهم بالفساد والظلم والجور والسلب والنهب والقتل ـ تكمن في غفلتهم عن أنفسهم ونسيانهم لماضيهم ، فلو علم الحاكم ومهما كانت قدرته ومنصبه بأنّ هناك من أفاض عليه كافّة قدراته واستعداداته الجسمية والنفسية ، وأنّ هذا الفيّاض قادرٌ على سلبه إيّاها متى شاء ، فإنّه لن يعدّ يفكِّر في ظلم أحد ، كما لا يهمّ بالتمرّد وإشعال فتيل الحروب . أمّا إذا لم يلتفت لهذه الآفة ، ولم يكترث لعظمة خالقه وزهادة شخصه ، فإنّ الطغيان والفرعنة ستتجذّر في شخصه يوماً بعد آخر .
وهذا هو الذي ربّما خاطب به علي (عليه السلام) نفسه حين جلس على كرسي الحكم وتولّى مقاليد الاُمور ، بأنّ كلّ مالدينا من الله; ومن هنا ندب الشارع إلى القول: «بحول الله وقوّته أقوم وأقعد»(1) في قيام وقعود الصلوات اليومية الخمس ، أي أنّ الإنسان لابدّ أن يعلم بأنّ هذه القدرة على القيام والقعود ليست مستقلّة نابعة من قدرة الإنسان ، بل هي إفاضة من إفاضات الحقّ تبارك وتعالى . وهنا نقول : هل سيكون هنا لك من ظلم و جور لو اكتفى الحكّام و الزعماء بهذا الأمر فقط وجعلوا الله أمام أعينهم في أنّه هو الذي وهبهم كلّ هذه القوّة والقدرة؟!

* الثاني: العزّة في العبودية:

يرى الإمام علي (عليه السلام) ـ وهي الرؤية الإسلامية الحقّة ـ أنّ القدرة والرئاسة والسلطة المعنوية وبالتالي العزّة والسيادة ـ بمعناها الصحيح لا بمعنى الغطرسة والقوّة الغاشمة ـ إنّما تتحقّق في ظلّ العبودية . فالإمام (عليه السلام) ولبيان هذا الهدف ـ عدم
  • 1 . الوسائل : 6/361 ، أبواب السجود ب13 .

(الصفحة 40)

تحقّق السيادة دون العبودية ـ قد طرح مسألة «عبدالله» إثر كلمة «أمر» التي تفيد العلوّ والرفعة ، فقال: «هذا ما أمر به عبدالله» وهو عين ماورد في القرآن { سُبْحَانَ الَّذِى أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الاَْقْصَى} (1) فالله سبحانه وتعالى لم يقل : «سبحان الذي أسرى برسوله . . .» بل قال : «سبحان الذي أسرى بعبده» ، أي هنالك علاقة بين العبودية والمعراج ، كما ورد في تشهّد الصلوات اليومية «أشهد أنّ محمّداً عبده ورسوله»(2) ، فتقديم العبودية (عبده) على الرسالة (رسوله) دليل على العبودية الخالصة للنبيّ (صلى الله عليه وآله) من أجل الرسالة .

دائرة الحكومة والولاية



«جِبَايَةَ خَرَاجِهَا وَجِهَادَ عَدُوِّهَا وَاسْتِصْلاحَ أَهْلِهَا وَعِمَارَةَ بِلادِهَا» لقد أوجز الإمام (عليه السلام) دائرة حكومة وولاية مالك الأشتر في أربعة محاور رئيسيّة هي: ـ

* الأوّل: جباية الخراج

المراد بالخراج الضرائب ـ الضرائب الخاصة كما سيأتي لاحقاً ـ فأهل مصر لم يُسلموا طوعاً ، بل أسلموا تحت طائلة السيف والقوّة . ويصطلح الفقه على الأراضي التي يسيطر عليها المسلمون بالقوّة دون الصلح بالأراضي المفتوحة عنوة ، ومثل هذه الأراضي ملك لجميع المسلمين .
وعلى ضوء ذلك فإنّ الدولة الإسلامية والحاكم الإسلامي يقوم ـ وطبقاً
  • 1 . سورة الإسراء ، الآية 1 .
  • 2 . الوسائل : 6/393 ، أبواب التشهّد ب3 .

(الصفحة 41)

للمصالح الإسلامية ـ بتقسيم هذه الأراضي على المسلمين على أن يأخذ منهم مبالغ سنوية ، ويطلق على هذه المبالغ من الناحية الفقهيّة اسم «الخراج»(1) .

* الثاني: جهاد العدو دائرة الحكومة والولاية

نفهم من إضافة الجهاد إلى العدو أنّ مراده (عليه السلام) الجهاد الدفاعي ، لا الجهاد بالمعنى الاصطلاحي الفقهي; لأن روايات أهل البيت (عليهم السلام) ـ وبإجماع فقهاء الشيعة ـ تصرّح بعدم جواز الجهاد الابتدائي وحمل سائر القوى والأنظمة على التسليم إلاّ بحضور الإمام المعصوم وإذنه وإشرافه ، ولا يجوز الجهاد الابتدائي في زمان غيبة الإمام (عليه السلام) ، ولمّا كان مالك الأشتر في تلك المنطقة البعيدة عن الإشراف المباشر للإمام المعصوم ، فإنّه يتولّى إدارتها وكأنّه في زمان الغيبة ، وعليه فليس له الجهاد الابتدائي وله الدفاع والوقوف بوجه الأعداء إذا ما تعرّض الكيان الإسلامي للخطر .

* الثالث: استصلاح أهل مصر

يتّضح من هذه الوصيّة أنّ وظائف الوالي لا تقتصر على رعاية الجوانب المادّية والدنيوية من حياة الاُمّة ، وأنّ إصلاح الاُمّة وإرشادها تعدّ من سائر وظائف الوالي وأنشطته الأساسية ، وعليه فلا بدّ أن يلتفت المسؤولون إلى أنّ وظيفتهم لا تنتهي بتعبيد بعض الطرق والشوارع وتزويد السوق بالحاجات المنزلية من قبيل الثلاّجات والغسّالات . وأنّ هناك الجوانب المعنوية التي ينبغي أن يهتمّ بها المسؤولون في المجتمع الإسلامي إلى جانب دورهم في النهوض بهذه
  • 1 . اُنظر كتاب المكاسب للشيخ الأنصاري : 2/239 .

(الصفحة 42)

الجوانب المعنوية ونشرها بين صفوف الناس ، وألاّ يتخلّوا عن هذه المسؤوليّات التأريخية بحجّة أنّها من اختصاصات الحوزات الدينية ورجال الدين .

* الرابع: عمارة البلاد

الوظيفة الاُخرى الأساسية والمهمّة لمالك الأشتر هي عمارة البلاد . وهذا الكلام ـ ورغم التهم والافتراءات التي ألصقت وما زالت تلصق بالإسلام طيلة التأريخ ـ إنّما يفيد أنّ الإسلام وخلافاً للرهبنة المسيحية يولي أهمّية قصوى للقضايا المادّية والرفاهية في حياة المجتمع الإسلامي ، ويرى ضرورة التمتّع بكافّة النِعم الدنيوية واللذائذ المادّية شريطة ألاّ تنسيه ذكر الله وتؤدّي به إلى ظلم الآخرين واستغلالهم .

نظام مركزي أم . . .؟

لعلّ هناك من يعتقد بأن هذه الصلاحيات ـ في الاُمور المالية والعسكرية والقضائية والثقافية ـ التي فوّضها أمير المؤمنين (عليه السلام) لمالك الأشتر تفيد أنّ الأساس الذي اعتمده الإمام (عليه السلام) في حكمه ، وبعبارة اُخرى اُسلوب الحكم في الإسلام هو الحكومة اللامركزية ، وأنّ الإسلام لا يقرّ الحكومة المركزية .
ونقول بأنّ هذا الاعتقاد لا يبدو صحيحا بالاستناد إلى أسلوبه الذي اتّبعه (عليه السلام)مع سائر أصحابه ، فقد اتّبع الاُسلوب المركزي مع الأشعث بن قيس فمنحه صلاحيات قليلة(1) . ويبدو أيضاً أنّ هذه الفوارق في حجم الصلاحيات معلولة للتفاوت بين مكانة وقدرات صحابته لا إلى أساس الحكومة في الإسلام .

  • 1 . نهج البلاغة : 366 ، الكتاب 5 .

(الصفحة 43)

فالخصائص التي ميّزت شخصية مالك الأشتر والصلاحيات التي منحها إيّاه الإمام ، توضح ثقته المطلقة (عليه السلام)بمالك ، بالشكل الذي جعل الإمام لا يرى ضرورة للإشراف على سلوكية مالك ومنهجه في الحكومة; على الخلاف من سائر صحبه الذين لا يتمتّعون بصفات مالك ، الأمر الذي جعله يفوّضهم صلاحيات أقلّ ويُخضع أعمالهم وممارساتهم للإشراف والسيطرة .

أمره بتقوى الله



إذا تأمّلنا هذا الكلام ـ الأمر بالتقوى ـ بالاستناد إلى الوصايا السابقة فإنّه سينطوي على مفهوم واضح ومعنى واسع . فقد أمر الإمام مالكاً بصفته العالم باستصلاح أمور الناس . ومن الواضح أنّ الوالي ما لم يكن متّقياً ، وكان أسيراً لأهوائه النفسية وغرائزه الحيوانية ، فإنّه لايسعه هداية الرعية وإرشادها إلى الصلاح ، فنفس الإنسان ميدانه الأوّل قبل الانطلاق إلى الآخرين . فإذا استطاع مثل هذا الإنسان أن يخضع هواه وغريزته لعقله ومارس سلطته على نفسه وكبح جماحها ، فإنّه سيتمكّن بالتالي من هداية الآخرين والأخذ بأيديهم لما فيه خيرهم وصلاحهم وأمّا إن كان تابعاً لهواه ، أسيراً لغرائزه الشيطانية ، عاجزاً عن إرشاد نفسه ، فكيف يمكن له إرشاد الآخرين وهدايتهم؟! وكيف يصلح غيره مَن يعجز عن إصلاح نفسه؟!
وهذا الكلام ينطبق تماماً على المؤسّسة الدينية التي تتولّى مهمّة إرشاد الاُمّة وهدايتها ، فالفرد الذي لا يهبّ لتزكية نفسه وينغمس في هواه وشهواته سوف لن يسعه إرشاد الآخرين وهدايتهم . وليت الأمر يقف عند هذه الحدود ، بل سيقود الاُمّة إلى الفساد والانحراف . وقد رأينا باُمّ أعيننا مثل هؤلاء الأفراد المتلبّسين