جستجو در تأليفات معظم له
 

قرآن، حديث، دعا
زندگينامه
کتابخانه
احکام و فتاوا
دروس
اخبار
ديدارها و ملاقات ها
پيامها
فعاليتهاى فرهنگى
کتابخانه تخصصى فقهى
نگارخانه
پايگاه هاى مرتبط
مناسبتها
معرفى و اخبار دفاتر
صفحه اصلي  

كتابخانه فقه الدولة الإسلامية
صفحات بعد
صفحات قبل
(الصفحة 25)

وجعلهم يشعرون بالاستياء والتذمّر . ومن جانب آخر فإنّ البيزنطيين ـ بعد ثلاث سنوات من فتح الاسكندرية ـ بعثوا بقوّاتهم البحرية على أمل خوض الحرب واستعادة تلك المنطقة ، فما كان من أولئك الناس المتذمّرين إلاّ أن ولّوا ظهورهم للفاتحين المسلمين وفتحوا أبواب المدينة بوجه القوّات البيزنطية وقد سلّموها لهم لقمة سائغة .
طبعاً لم تتمكن القوات البيزنطية من إحكام سيطرتها ، حيث تمكّن عمرو بن العاص بعد مدّة قليلة من استعادة المنطقة ، إلاّ أنّ النتيجة المهمّة التي ينبغي التوصّل إليها هي أنّ مصر أصبحت في الحقيقة بؤرة للتوتّر وكأنّها برميل من البارود يخشى انفجاره في كلّ آن; لأنّ الناس الذين خضعوا لسلطة اليونانيين والرومان وعانوا منهما الأمرّين ، قد عقدوا آمالهم اليوم على هذا الدين الجديد ، ويشقّ عليهم أن يروا ما يسيء إليهم من عمّال وولاة هذا الدين الجديد الفاتح .
الحادثة الثانية: تتعلّق بثورة بعض أهالي مصر الذين تركوا ديارهم إبّان خلافة عثمان ، وجاءوا إلى المدينة ليعربوا عن غضبهم واستيائهم لممارسات عمّاله وولاته ، فقد قام هؤلاء المصريّون بمحاصرة دار عثمان حتّى قتلوه في نهاية الأمر . وهذه الحادثة تشكّل القرينة الثانية على الحسّاسية القصوى للأوضاع السائدة في مصر .

تزايد دور وأهمّية مصر كلّ يوم

بعد فتح الاسكندريّة ثانية سقطت تدريجيّاً كلّ الأراضي المصريّة الخصبة والغنية بيد المسلمين ، ولكنّ هناك أمر جدير بالإشارة إليه ، وهو أنّ كلّ مناطق مصر تقريباً دخلها المسلمون بيسر ودون أيّ صعوبة أو مقاومة تُذكر . وقيل : إنّ السبب في ذلك راجع إلى الاختلافات والصراعات المذهبيّة بين اليعقوبين
(الصفحة 26)

المصريين والملكانيين ، والتي دامت لسنوات عديدة تسبّبت في حروب وقتل وأذى وآلام للناس . وكان للمسلمين دور كبير في تسريع عمليّة التسليم والفتح ودخول مصر من غير مقاومة .
وبعد فتح مصر بكاملها استطاع المسلمون ـ بالاستفادة من حدودها وطرقها ـ أن يحقّقوا تقدّماً ملحوظاً في مدّة قصيرة ، حيث حقّقوا فتوحات عظيمة من جهة المغرب العربي إلى أرض ليبيا ، ومنها انطلقوا إلى الأندلس .
ومن هذه الجهة اُخذت أهمّية مصر تتعاظم وتبرز يوماً بعد يوم في نظر المسلمين ، وذلك لأنّه بعد فتح مصر لم تستطع كلّ ولايات الروم والأراضي التابعة للحكومة البيزنطية من الدفاع ، وأضحى فتحها ميسوراً للمسلمين ومهمّاً .
لقد تقدّم المسلمون سنة 32هـ من ناحية «بنتاپوليس» وأخضعوا مدينة برقة ، ثمّ تمكّنوا من إخضاع قبائل البربر في طرابلس ، ومن جملة تلك القبائل قبيلة «لواته» .
وأيضاً استطاع عبدالله بن أبي سرح ـ الذي حلّ محلّ عمرو بن العاص وأصبح والياً على مصر ـ أن يحرز تقدّماً ملحوظاً في إخضاع قسم مهمّ من أفريقيا ، وتصالح مع أهل «كارتاج» عاصمة أفريقيا آنذاك على عهد يتضمّن دفع الجزية للمسملين(1) .
ومّما مرّ يُعلم سبب توجّه المسلمين وإدراكهم لموقع مصر وأهمّيتها في العالم الإسلامي ، والإحاطة بأوضاع وأحوال أرض مصر وأهلها . لكن مع هذه الجهود المبذولة والاهتمام المزيد للمسلمين حول مصر ، فقد أهمل الخليفة الثالث كلّ تلك الجهود أيّما إهمال ، الأمر الذي أثار حفيظة المصريّين فأبدوا استياءهم وغضبهم من
  • 1 . تاريخ عرب : 215 .

(الصفحة 27)

الأوضاع التي عاشوها ، وأخذت نفوسهم تمتلئ غيضاً ونقمة على الخليفة وولاته ، فقد أمر عثمان بن عفّان شخصاً مثل عبدالله بن أبي سرح بتولّي اُمور مصر والتصدّي لقيادة أهلها ، حيث كان يسوّغ الظلم والتعدّي على حقوق الناس كيف ما اتّفق ; ذلك إنّ عبدالله بن أبي سرح كان معروفاً بسوء الأخلاق وخبث السريرة ، وكان من العشرة الذين غضب عليهم رسول الله (صلى الله عليه وآله) يوم فتح مكّة وأمر بإهدار دمائهم(1) .
ومع كلّ هذه الصفات التي يتمتّع بها ابن أبي سرح فقد أرسله عثمان إلى أكثر البلدان حسّاسيّة وأهمّية ، وجعله مبسوط اليد يفعل ما يشاء من دون رقيب أو حسيب ، لكنّ النهاية كانت في طرد ابن أبي سرح من مصر على يد محمّد بن حذيفة الذي كان مخالفاً لعثمان ومحرّكاً رئيسيّاً في قيام المصريّين ودفعهم لقتل عثمان بن عفّان ، وكان محمّد بن حذيفة بعد طرد عبدالله يريد أن يتولّى مقاليد اُمور مصر ، ولذلك توجّه ابن حذيفة مباشرة إلى المسجد ودعا الناس للصلاة وأعلن عن تولّيه شؤون مصر وولايتها .

أميرالمؤمنين (عليه السلام) يهدّئ أوضاع مصر

لقد آلت خلافة رسول الله (صلى الله عليه وآله) إلى علي (عليه السلام) بعد خمس وعشرين سنة من الصبر والسكوت والجلوس في البيت ـ بعد أن صبر وفي العين قذى وفي الحلق شجا(2) ـ من أجل حفظ كيان الإسلام . كان ذلك بعد أن تغيّرت كلّ الأشياء; ومن ذلك أنّه كان يولي أهمّية قصوى لأوضاع مصر بالاستناد إلى موقعها وخصائصها
  • 1 . تاريخ اليعقوبي : 2/174 .
  • 2 . نهج البلاغة : 48 ، الخطبة 3 .

(الصفحة 28)

آنذاك ، ولذلك ما إن استقرّت حكومته حتّى بذل جهده من أجل تنظيم أوضاع مصر وإعادتها إلى مجاريها الطبيعية .
فكانت أوّل خطوة اتّخذها علي (عليه السلام) بهذا الشأن أن اختار أحد ثقاته وهو «قيس بن سعد بن عبادة» ليولّيه مصر، ولم يكد قيس يصل مصر ويتصدّى لولايتها، حتّى رأى معاوية ـ الذي كان يطمع بمصر و يحلم بضمّها إلى نفوذه ، إلى جانب عدائه المعروف لأمير المؤمنين (عليه السلام) ومحاولته إثارة الفتن والبلابل ـ الفرصة مناسبة ، فانتهزها ليكتب رسالة إلى قيس يقترح عليه فيها التخلّي عن علي (عليه السلام)ومبايعته .
وقد نمّق معاوية رسالته بمختلف الحيل والخدع والأساليب الرذيلة الرخيصة ، فقد أغرى قيساً من جانب ومنّاه بوعود ضخمة معسولة ، كما اتّهم من جانب آخر عليّاً (عليه السلام) بالضلوع في قتل عثمان و لم يتورّع عن وصفه بالقاتل في رسالته .
إلاّ أنّ هذه الترّهات لم يكن لها أدنى تأثير على قيس ولم تحرفه عن طريقه قيد أنملة ، غير أنّ قيساً الذي ورد مصر لتوّه ولم يكن على علم بأوضاعها ولم يتمكّن من السيطرة عليها ، إلى جانب حداثة حكومة علي (عليه السلام) ، فهو كان لا يعلم بكيفية التعامل مع مثل هذه الخدع بغية عدم زلزلة أركان الحكومة الإسلامية ، الأمر الذي جعله لا يردّ بصراحة على اقتراح معاوية ، فكتب له رسالة جوابية ذات وجهين كي لاتكون ذريعة تمكّن معاوية من استغلالها ، فما كان من معاوية إلاّ أن كتب رسالة ثانية لجأ فيها إلى الترهيب بدلا من الترغيب فقد توعّد قيساً وهدّده بالبيعة له . فلم يكن أمام قيس من سبيل سوى أن ردّ على رسالته بشدّة وأعلن فيها عن مدى وفائه لعلي (عليه السلام)حيث خاطبه قائلاً: «أمّا بعد ، فإنّما أنت وثن من أوثان مكّة ،
(الصفحة 29)

دخلت في الإسلام كارهاً وخرجت منه طائعاً»(1) . فلمّا وصلت رسالته إلى معاوية واطّلع عليها ويئس من قيس ، عاود حيلته مرة اُخرى ، فزوّر رسالة نسبها إلى قيس وضمّ إليها الرسالة السابقة ، ثمّ أعلن أمام الملأ من الشام: أنّ قيساً رسول علي إلى مصر قد انصرف عن مولاه وبايعني(2) .
فبلغ الخبر أصحاب أمير المؤمنين (عليه السلام) فحزنوا حزناً شديداً وكثر اللغط بينهم ، فأصرّ بعض أصحابه ـ ولا سيما عبدالله بن جعفر ـ على إخماد نار الفتنة وعزل قيس عن ولاية مصر ، إلاّ أنّه لم يوافقهم (عليه السلام) قائلاً: هناك خدعة ، وإنّي لأعرف قيساً ولا يصدر منه مثل هذا الكلام ، ولا أراه سوى تهمة . مع ذلك فقد دفعت الأجواء والضجيج آنذاك بالإمام ـ رغم ثقته بقيس ـ إلى عزله عن مصر واستبداله بمحمّد   بن أبي بكر(3) فلمّا بلغ محمّد بن أبي بكر مصر وتولّى ولايتها ، كتب لأميرالمؤمنين (عليه السلام)رسالة طلب فيها من الإمام أن يكتب له كتاباً يبّين له فيه وظائفه ويضمّنه الأحكام الإسلامية والحلال والحرام ليعتمدها في حكومته دون الخروج عن هذه الأحكام . فكتب (عليه السلام)رسالة مفصّلة ضمّنها توجيهاته ومواعظه ، وهي
  • 1 . تاريخ اليعقوبي 2 : 187 .
  • 2 . تاريخ الطبري : 3/64 ـ 66 .
  • 3 . لعلّ هنالك من يقول: أفيمكن للإمام (عليه السلام) أن يعزل قيساً من منصبه الذي يستحقّه رغم علمه ببراءته واتّهامه بالباطل استجابةً للأجواء التي أثارها بعض أصحابه؟ نقول: بلى ، هذه هي السياسة الصائبة والجدّية بغية حفظ كيان الإسلام ، والحيلولة دون الفوضى التي من شأنها أن تؤدّي إلى الفساد والانحراف ، فقد يضطرّ القائد أحياناً للقيام بعمل على أساس الظرف المحيط به بهدف إعادة الهدوء إلى المجتمع رغم عدم إيمانه بذلك العمل .
  • وقد رأينا شبيه ذلك في تجربتنا في الجمهورية الإسلاميّة بشأن بني صدر الذي اُبقي لزمان في منصبه رغم عدم استحقاقه وأعماله المناهضة للثورة ، فلمّا عُزل ، قال الإمام الخميني (قدس سره): «كنت أعلم قبل عام تقريباً أنّ هذا الشخص يتحرك ضدّ الثورة» إلاّ أنّ الظروف المحيطة آنذاك والمجتمع لم تكن مناسبة لطرح قضية بني صدر وفضحه; الأمر الذي جعل الإمام يتحمّله لسنة في منصبه . ويمكننا من هذه القرينة أن نتحسّس صعوبة الأجواء والظروف التي أحاطت بالإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) .