جستجو در تأليفات معظم له
 

قرآن، حديث، دعا
زندگينامه
کتابخانه
احکام و فتاوا
دروس
اخبار
ديدارها و ملاقات ها
پيامها
فعاليتهاى فرهنگى
کتابخانه تخصصى فقهى
نگارخانه
پايگاه هاى مرتبط
مناسبتها
معرفى و اخبار دفاتر
صفحه اصلي  

كتابخانه فقه الدولة الإسلامية
صفحات بعد
صفحات قبل
(الصفحة 79)

الناس بينما لانمتلك مثل هذا الشعور أمام الله المُنعِم ، فإذا أسدى إلينا هذا البعض معروفاً ولو كان بسيطاً ، فإنّنا سنبادله منشاعر اللطف والشكر والامتنان ، حتّى يصل ذلك إلى حدّ نقول فيه: إنّ وظيفتنا الأخلاقية تملي علينا عدم نسيان هذا المعروف ، ونحاول ردّ هذا الجميل كلّما قدرنا عليه . أمّا مقابل النِّعم الإلهية الجمّة فلا نتذكّر هذه الوظيفة الأخلاقية ولا نشعر بها!
لِمَ لا نرى أنفسنا مكلّفين بمعرفة حقّ الله علينا وشكره من خلال تطبيق أحكام دينه وامتثال أوامره التي هي من أجل سعادتنا وفلاحنا؟ وهذه الأحكام والأوامر سهلة التطبيق ، وهذه الشريعة شريعة سمحاء لا تعود بالنفع على الله تعالى ، بل تعود بالنفع على الناس وتحقّق لهم السموّ والكمال والازدهار .
والنتيجة: أنّ عدم شكر المنعم وكفران نعمه والتمرّد على أوامره يُعدّ نوعاً من أنواع عدم إنصاف الخالق العظيم تبارك وتعالى .

إنصاف الناس

إنصاف الناس يعني أداء حقوق الآخرين كاملة غير منقوصة مع رعاية المساواة . وينبغي على الحاكم ـ في إطار حكومته ـ أن يعامل الناس بالإنصاف من ناحيتين:
الأولى: في ما يتعلّق به ، سواء في القضايا الحكومية أو الشخصية .
والاُخرى: فيما يرتبط بقرابته وخاصّته وصحبه .
فإنصاف الحاكم في الحكومة الإسلاميّة عند توزيع الغنائم هو أن ينظر بعين المساواة لكافّة أفراد المجتمع ، فيوزّع عليهم الأموال بالتساوي .
أمّا في القضايا الشخصية فلو كان الحاكم يجاور أحد الأفراد من رعيته فليس له أن يفرض عليه شيئاً بفعل هذه الجورة ، فليس له مساومته فيما لو
(الصفحة 80)

أراد أن يشتري منه أو يبيعه سلعة ، كما ليس له أن يبيعه سلعته بثمن غال أو يشتري سلعته بسعر رخيص ، ويجب عليه أن يعمل بمقتضى العدل والحقّ والإنصاف في الحالتين .
لقد شهدنا في الحكم الشاهنشاهي ـ الملكي ـ البائد أنّ التجّار والكسبة كانوا يبيعون سلعهم وبضائعهم إلى البعض من أصحاب المناصب والمسؤوليات بأزهد الأسعار ، خوفاً من نفوذهم وسطوتهم . ولا يقف الأمر عند حدّ البيع والشراء بل الأعمّ الأغلب كانوا يحملون أفضل السلع مجّاناً إلى بيوت المسؤولين .
أمّا فيما يختصّ بقرابة الحاكم وبطانته فلا ينبغي لبطانته التصرّف على أنّهم مأذونون من قبله ويحظون بإسناده فيسيئون ولاينصفون الآخرين ، فغالباً ما يعيش الأفراد علاقة خاصّة مع قرابتهم وخاصّتهم ولا سيّما أهل بيته وأولاده ، بحيث يندفع أحياناً لضمان مصالحهم أو التعصّب لهم .
فلا ينبغي أن يكون الحاكم كذلك ، وإذا ما شعر بعدم إنصاف قرابته للآخرين فإنّ العدل والإنصاف يطالبه بالحيلولة دون هضم حقوق الآخرين .

مَن للظالم؟



نفهم من قوله (عليه السلام): «مَن ظلم عباد الله كان اللهُ خصمَهُ» أنّ الله هو الذي يتولّى مجابهة مَن يظلم العباد ، أي أن الله هو الذي يتولّى أمر الظالم قبل المظلوم ـ الذي يستاء من ظلمه ـ ويصبّ عليه جام غضبه ويفكّر في الثأر منه; لأنّنا نعلم بأنّ أحدهم لو ظلم ولدك الصغير العاجز الذي لا يسعه ردّ الظلم ، فإنّك ستكون خصمه رغم أنّه لم يوجّه ظلمه إليك ، حيث إنّ العقلاء يرون أنّ ظلم الولد يجعل والده يشعر بأنّ هذا الظلم إنّما وُجّه إلى شخصه وغيرته فيهبّ لمقابلته ، بل إنّ هذا
(الصفحة 81)

هو مقتضى حكم الاُبوّة والبنوّة . أو لم يقل رسول الله (صلى الله عليه وآله): «الخلق عيال الله»(1) .
ومن الواضح على ضوء هذا الحديث أن الإنسان إذا تعرّض للظلم ولم يتمكّن من الدفاع عن نفسه واستعادة حقّه ، فإنّ الله هو الذي يتولّى مواجهة الظلم ، فهل علاقة الولد بأبيه ووثاقة العرى بينهما أقوى وأحكم أم علاقة الخالق سبحانه بعباده؟ يقول أصحاب العلوم العقلية ـ في إطار تحليلهم لدور الأب في إيجاد الولد ـ : إنّ هذا ليس من قبيل دور السببية ولا الشرطية ، بل دوره دور المُعدّ ، وهو جزء من أجزاء السبب والعلّة الذي يلعب أدنى دور فيما يرتبط بالمسبّب ، هذا هو المقدار الحقيقي لرابطة الأب بالابن ليس أكثر ، يعني أنّ دور الأب هو دور «المعدّ» ، وعليه فالدور الذي يلعبه الأب في وجود الولد هو دور ضئيل وجزء يسير من عدّة أجزاء رئيسية في إيجاد الولد .
أمّا علاقة الله سبحانه بهذا الشأن فيعتبر هو السبب الأصلي بالنسبة للمسبّب; لأنّه هو الخالق الذي خلق هذا الولد . وعليه فالدور الأوّل والأخير في تحقّق خلقة هذا الولد هو الله وإرادته الفاعلة .
ونستشفّ ممّا تقدّم أنّ علاقة الله بالعباد ـ بصفته خالقهم وموجدهم ـ تعدّأعظم وأرسخ من علاقة الآباء بأولادهم .
ولذلك حين تهبّ لمجابهة الظالم الذي يتعرّض لولدك معتبراً ذلك الظلم موجّهاً إليك ، فإنّ هذه القضية تتّخذ بعداً أوسع وأشمل وأعمق بالنسبة لله تجاه عباده ، أي أنّ العبد إذا تعرّض لظلم فإنّ الله يغضب أسرع وأقوى وأعظم من أيّ أب بالنسبة لظلم ولده .
نعم ، هذا حقّ عقلائي مفروغ منه في أن يتولّى البارئ سبحانه الأخذ على يد
  • 1 . الكافي: 2 / 164 ح6 .

(الصفحة 82)

الظالم دفاعاً عن المظلوم:
«ومَن ظَلَمَ عبادَ الله كان اللهُ خصمَهُ دونَ عبادِهِ ، ومَن خاصَمَهُ اللهُ أَدحَضَ حُجَّتَهُ ، وكان للّهِ حَرباً حتّى يَنْزِعَ أو يَتُوبَ» .

تعمّق في بلاغة الكلام

إنّنا نعتقد بأنّ الإمام (عليه السلام) قد اعتمد بلاغة وسَبكاً في كلامه ـ في نهج البلاغة ـ بما يعجز العقل البشري العادي عن الوقوف على عمقه وسبر أغواره; إلاّ أنّ التأمّل والتدبّر في كلماته (عليه السلام) يكشف بما لا يقبل الشكّ دقّة التصوير وروعة التعبير .
فقد طالعتنا عباراته السابقة باستعماله لمفردة «الناس» حين كان الحديث عن أوضاع الأُمّة في ظلّ حكومة العدل الإسلاميّة بالاستناد إلى إحقاق حقوقهم المشروعة ، فقال (عليه السلام): «أنصف الناس» بينما أتى بلفظ «الرعية» حين ساق الكلام في موضع آخر في إطار حديثه عن حقوق الأُمّة من حيث كونها جماعة تعيش في كنف الحكومة الإسلاميّة ، فقال (عليه السلام): «ومَن لك فيه هوى من رعيتك» .
أمّا هنا حيث أراد أن يتحدّث عن الظلم ويلفت انتباه الآخرين إلى وخامته وأنّ الله هو الذي يواجه الظالم ، لم يعد الكلام عن الناس والرعية ، بل عمد (عليه السلام) إلى كلمة اُخرى تتضمّن معنى الناس من جانب وعلاقتهم باللّه من جانب آخر ، بحيث اعتمد منتهى الدقّة والبلاغة من أجل إماطة اللثام عن عمق المفهوم الذي أراد توضيحه ، فاكتفى بعبارة قصيرة تختزن معنى واسعاً كبيراً ، فقال (عليه السلام) «عباد الله» .
لقد اختصر (عليه السلام)عالماً من المواضيع في كلمة قصيرة ، قال (عليه السلام): «ومن ظلم عباد الله» أي أنّ هؤلاء هم عباد الله تربطهم به سبحانه رابطة الخالق بالمخلوق ، الرابط الأعمق والأشمل والأقوى من رابط الاُبوّة والبنوّة ، هؤلاء عيال الله وأهله ، وإذا ما تعرّضوا للظلم والجور فإنّ الله بالمرصاد لهذا الظالم .

(الصفحة 83)

كما يتعرّض (عليه السلام) لموقف الله حيال الظالم فيصفه قائلاً: «كان لله حرباً» فهو لايقول: «كان لله محارباً» وهذا البيان يفيد ذروة بلاغة كلامه (عليه السلام) كما يكشف عن الروعة المتناهية لمعنى هذا الكلام .
ونضرب هذا المثل بهدف إيضاح الموضوع ، فتارةً نقول: «زيد عادل» واُخرى نقول: «زيد عدل» فالعبارة «زيد عادل» تثبت عدالة زيد فقط ، أمّا العبارة «زيد عدل» رغم أنّها تتضمّن مفهوم العبارة «زيد عادل» إلاّ أنّها تفيد أمراً آخر ، وهو شدّة ثبوت العدالة لزيد ، أي أنّك إذا استعملت عبارة «زيد عدل» فإنّك تريد أن تقول بأنّ زيداً كتلة من العدل وينطوي على أقصى درجات العدل ، وهذا لايخالف عبارة «زيد عادل» بل يثبت هذا المفهوم ودرجات أرفع منه .
والعجب أنّ الإمام (عليه السلام) يصف مَن يظلم عباد الله بأنّه «وكان لله حرباً» أي أنّ الظالم ليس في حال خوض الحرب ضدّ الله ، بل هو نفسه عبارة عن حرب ضدّ الله ، وهذا التعبير يتضمّن ذات المعنى الذي بيّناه لعبارة «زيد عدل» فالظالم هنا هو كتلة من الحرب وصورة تتجسّد فيه حرب الله .

الهزيمة الحتمية للظالم

طالما كان الظالم مجابهاً لله وأنّه لا يعتمد سوى القوّة والغطرسة تجاه الناس ، فإنّ الله سبحانه ذو القدرة المطلقة {يَدُ اللهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ} (1) وإنّ فضحه للظلمة وتعريتهم أمام الأُمّة يهدف إلى عدم استناد الظالم في ظلمه وحيفه سوى إلى الظلم والغطرسة دون أن يكون لديه أيّ منطق ودليل عقلائي .
ومن الطبيعي أنّ الله إذا أماط اللثام عن وجه الظالم ورأته الأُمّة على طبيعته الظالمة الجائرة القائمة على أساس الأهواء النفسية فإنّها ـ وبعد الاتّكال على الله ـ
  • 1 . سورة الفتح ، الآية 10 .