جستجو در تأليفات معظم له
 

قرآن، حديث، دعا
زندگينامه
کتابخانه
احکام و فتاوا
دروس
اخبار
ديدارها و ملاقات ها
پيامها
فعاليتهاى فرهنگى
کتابخانه تخصصى فقهى
نگارخانه
پايگاه هاى مرتبط
مناسبتها
معرفى و اخبار دفاتر
صفحه اصلي  

كتابخانه فقه الدولة الإسلامية
صفحات بعد
صفحات قبل
(الصفحة 17)

فإنّ معجزة علوم اليونان قد تقدّمت عليها بآلاف السنين أعمال وجهود المصريّين وربّما بلاد ما بين النهرين ، ويحتمل أيضاً بقيّة البلدان . وإنّ أكثر ما امتازت به العلوم اليونانيّة هي الجنبة التجديدية دون الجنبة الابتكاريّة والإبداعيّة .
الأمر الثاني : وجود الأرضيّة المناسبة للمعتقدات الخيالية والخرافات في علوم الشرق ، بل وفي علوم اليونان . إنّ محاولة إخفاء تطوّر العلوم اليونانيّة وتأثّرها بالشرق تعتبر بحدّ ذاتها مستهجنة وقبيحة . وكثير من المؤرّخين ساهم في مضاعفة هذاالخطأ من خلال حفظ روح التوجّه لتلك المعتقدات الخيالية التي كانت سدّاً منيعاً يحول بين المجتمع وتطوّره ، ومن الممكن أن لا يكون ذلك لأوّل مرّة»(1) .
ويقول أيضاً عن قِدَم الحضارة المصريّة :
«لا ريب في أنّه لا يمكننا القيام بذكر الأوضاع والأحوال التي كانت موجودة في مصر قبل التاريخ ، لكن يمكن الإشارة إلى نكتة تفي بالغرض ، وهي أنّ ثقافة مصر ما قبل التاريخ ترتبط بأواخر العصر الحجري ، وأنّ المصريّين القدامى كانوا متقدّمين في مختلف فنون وأساليب الزراعة ، فقد كانوا يعرفون زراعة الشعير والحنطة والبذور والكتّان ، وكان لهم تقويم سنوي للشهور والأيّام .
وفي هذه الأثناء التي يُرفع فيها الستار عن التاريخ ، تطالعنا أوّل سلسلة من فراعنة مصر ، لتقدّم لنا الشواهد على وجود الثقافة المصرية ، بحيث لا يمكننا أن نطلق عليها ـ بلحاظ العلم والمدنية ـ بأنّها باكورة الأعمال ، بل تشهد أنّه في ذلك الوقت قد بلغت الثقافة المصريّة أوجهاً ، الأمر الذي يكشف عن مسيرة بضعة آلاف من السنين لهذه الحضارة ، وأنّ هذه الحقبة الطويلة كانت مليئة بالسعي والمثابرة على طريق التكامل الثقافي والحضاري ، كما يبدو»(2) .

  • 1 . تاريخ علم ، المقدّمة : 11 .
  • 2 . تاريخ علم : 21 .

(الصفحة 18)

الازدهار والانحطاط

لقد شهدت مسيرة التقدّم والازدهار في التأريخ المصري بعض المطبّات التي جعلتها تعيش التألّق والاُفول إلى الحدّ الذي جعلها تشرف أحياناً على الاضمحلال والانهيار التامّ ، حيث ذكر المؤرّخون أنّ مصر كانت خاضعة لعصور طويلة نسبياً ـ عصر الاسكندر وخلفائه ـ للسيطرة السياسية اليونانية ، وتبعاً لذلك فقد كان هناك تفاعل وتداخل بين هاتين الثقافتين والحضارتين ، غير أنّ الحضارة اليونانية ـ بعد ملوك البطالسة ـ آلت نحو السقوط والزوال ، وما إن نشبت الحرب بين الروم واليونان وانتهت تلك الحرب لصالح الروم حتّى خضعت كافّة المناطق اليونانية بما فيها مصر والاسكندرية لنفوذ الروم .
ومنذ ذلك الوقت أصابت الحضارة المصريّة وأكاديمية علوم الاسكندرية حالة من الوهن والاُفول لعصور ، ثمّ تعود لتنهض من سباتها أحياناً وتلتقط أنفاسها من جديد ، حتّى حَلَّ القرن الخامس عشر الميلادي لتنشطر دولة الروم إلى شطرين هما: روماالشرقية وعاصمتها استانبول الحالية في تركية ، وروما الغربية ومركزها روما الفعلية في إيطاليا ، وتعتنق روما الشرقية الديانة النصرانية .
وممّا لاشكّ فيه أنّ النصرانية تركت بصماتها السلبية وآثارها الهدّامة على المدنية الرومانية واليونانية بما فيها الحضارة المصرية ، بل إنّ ذلك هو الزمان الحقيقي الذي اتّجه فيه الغرب إلى الانهيار والزوال ، الزمان الذي عرف باسم القرون الوسطى .
ومن جانب آخر فإنّ روما الشرقية ـ التي كانت تحكم بقوة الحديد والنار ـ لم تأل جهداً في مناهضة العلم ومظاهر الثقافة الإنسانية من خلال انقيادها لتعاليم الكنيسة التي حرّفت الثقافة المسيحيّة ووجّهت لها أعتى الضربات; وذلك لأن الكنيسة ترى أنّ العلم والفلسفة وتعليمهما وتعلّمهما إنّما يتنافى ومبادئ الدين
(الصفحة 19)

المسيحي ، وعليه فقد كان يوصف بالانحراف والكفر ومعاداة الله والكنيسة كلُّ من سار باتّجاه العلم والمعرفة .
وبالطبع فالأوضاع لم تكن رتيبة على وتيرة واحدة طيلة السلطة الرومانية ، بل كانت الاسكندرية تعيش حالة من النهوض وتتّجه نحو التقدّم والازدهار بين الفينة والاُخرى; لتستعيد مكانتها العلمية والثقافية ، إلاّ أنّها سرعان ما تخفت وتتعثّر خطاها نحو السموّ والكمال كلّما أثيرت النعرات الدينية وما تفرزه من جدل وشجار .
ورغم كلّ ذلك فإن مصر كانت تتمتّع بتجربة علمية مشرقة وحضارة سامية، وقد جعلتها هذه المكانة العلمية الممتازة تتألّق من بين سائر المناطق الإسلامية .
ومن الطبيعي أن يكون الإمام علي (عليه السلام) عالماً بكلّ هذه الاُمور حين كتابته لذلك العهد التأريخي ، كما كان يعلم إلى أيّ أرض عريقة واُمّة متطلّعة قد بعث عضيده المقرّب مالك الأشتر ، وما ينبغي أن يكون عليه حاكمها والبرامج والخطط التي لا بدّ أن يأخذها بنظر الاعتبار ، ولذلك كان يوصي أهل مصر بمالك ، كما كان يوصي مالكاً بأهل مصر . فقد خاطبهم (عليه السلام)قائلاً: «إنّي بعثت إليكم سيفاً من سيوف الله لا نابي الضربة ، ولا كليلَ الحدّ ، فإن استنفركم فانفروا ، وإن أمركم بالمقام فأقيموا ; فإنّه لا يُقدم ولا يحجم إلاّ بأمري ، وقد آثرتكم به على نفسي»(1) .

الأوضاع السياسية لمصر

لقد أشرنا خلال البحث عن الحضارة المصرية إلى الأوضاع السياسية والعلاقات القائمة بين مصر و سائر المناطق العالمية ، فقد سيطر الاسكندر على هذه
  • 1 . تأريخ اليعقوبي: 2 / 194 .

(الصفحة 20)

المنطقة قبل ألف سنة حين تمّ فتحها من قبل المسلمين ، ثمّ حكمها خلفاؤه ـ ملوك البطالسة ـ لبضعة قرون ، حتّى خضعت للسيطرة الرومانية بعد أن هزمت اليونان في الحرب .
وتعتبر الأراضي المصرية من أغنى البقاع التابعة لسيطرة الدولة البيزنطية «روما الشرقية» فقد كانت أراضيها المتاخمة لنهر النيل تتمتّع بطقس ومناخ ممتاز تجعلها تجني محاصيلها ثلاث مرّات سنوياً ، الأمر الذي جعل مصر تعدّ مخزناً لغلاّت الدولة البيزنطية .(1)
مع ذلك فقد كانت الدولة البيزنطية تعتمد الأساليب العدائية تجاه أهل مصر ، ولذلك كانت الأوضاع تشهد حالة من الفوضى والاضطراب على هامش فتحها من قبل المسلمين .
المصريّون من جانبهم كانوا يكنّون البغض والعداء للبيزنطيّين; لما لاقوه منهم من أذى ولا سيّما في الصراعات الدينية . الأقباط أيضا ـ أتباع الفرقة اليعقوبية ـ كانوا يضمرون العداء لأعوان الحكومة البيزنطية ، الذين ينتمون إلى الفرقة الإرثودكسية ، كما كان القساوسة وعناصر الحكومة يسعون لتأجيج هذا العداء وإثارة الأحقاد من خلال ما يمارسونه من أساليب القمع والظلم والعدوان .
وقد قام السلطان الإيراني خسرو برويز ـ قبل قدوم المسلمين ـ بشنّ هجومه على مصر ، وقد سيطر على بعض أجزائها المتاخمة لنهر النيل بعد قتال دموي شديد; إلاّ أنّ الدولة الرومانية خاضت الحرب لتتمكّن من استعادة تلك الأراضي من قبضة السلطان الإيراني ، ثمّ تعمّقت إثر هذا الفتح هوة الخلافات وشدّة الصراعات بين الرومان والمصريين ، وسادت الأوضاع الداخلية الفوضى
  • 1 . بامداد اسلام: 84 .

(الصفحة 21)

والاضطراب . وفي ظلّ هذه الأوضاع عمد عمرو بن العاص لشنّ هجومه على مصر .
عمرو معروف بدهائه ومكره وخداعه ، وقد تصدّى لمعاداة علي (عليه السلام)ولم يتورّع عن ممارسة أبشع الأساليب وطرق الغدر والحيلة من أجل إشعال فتيل الحروب وسفك دماء المسلمين . كُلّف من قبل معاوية بمحاربة محمّد بن أبي بكر ـ والي الإمام علي (عليه السلام)على مصر ـ حتّى انتهى الأمر بقتل محمّد ، كما أمر بقتل مالك الأشتر فتمّ له ذلك عن طريق الغدر والحيلة .
لقد اتّجه عمرو بن العاص مع القوافل التجارية ـ إبّان شبابه ـ إلى مصر وسورية ، وعليه فقد كان على علم بأوضاع مصر الداخلية وغناها من حيث الموارد والثروات الطبيعية; ولذلك ما إن تسلّم الخليفة الثاني زمام الاُمور حتّى اقترح عليه ابن العاص عدّة مرّات إصدار أوامره بفتح مصر ، إلاّ أنّه لم يجبه إلى ذلك .
كان والي مصر آنذاك «المقوقس»(1) الذي قدم مصر من القوقاز ، ولذلك كانت تسمّيه العامّة القوقازي . لقد ورد المقوقس أرض مصر بأمر من هرقل الامبراطور البيزنطي فكان نائبه في إدارة شؤون مصر(2) . وكان يتمتّع بقوّة وسطوة هناك . وهو الذي كتب إليه رسول الله (صلى الله عليه وآله) كتاباً يدعوه فيه إلى الإسلام ، فاستقبل مبعوث النبي (صلى الله عليه وآله)استقبالا حارّاً وبعث ببعض الهدايا لرسول الله (صلى الله عليه وآله) ومنها «مارية القبطية» التي ولدت لرسول الله (صلى الله عليه وآله) إبراهيم الذي توفّي ولمّا يتمّ الرضاعة(3) .
ولمّا تسلّم الخليفة الثاني بعض التقارير بشأن إسراف معاوية وبذخه
  • 1 . بامداد اسلام: 84 .
  • 2 . تاريخ عرب: 208 .
  • 3 . بامداد اسلام: 36 ، 55 ، 84 .