جستجو در تأليفات معظم له
 

قرآن، حديث، دعا
زندگينامه
کتابخانه
احکام و فتاوا
دروس
اخبار
ديدارها و ملاقات ها
پيامها
فعاليتهاى فرهنگى
کتابخانه تخصصى فقهى
نگارخانه
پايگاه هاى مرتبط
مناسبتها
معرفى و اخبار دفاتر
صفحه اصلي  

كتابخانه فقه الدولة الإسلامية
صفحات بعد
صفحات قبل
(الصفحة 22)

وإجحافه بالناس عزم على المسير إلى الشام لمعالجة الأمر . أمّا عمرو بن العاص الذي كان يتحيّن الفرص فقد سار خلف الخليفة ليلتقيه سرّاً في بيت المقدس . وهناك أيضاً طرح عليه قضية فتح مصر بعد أن شجّعه على ذلك . فقد قال للخليفة: «أتأذن لي في أن أصير إلى مصر ، فإنّا إن فتحناها كانت قوّة للمسلمين ، وهي من أكثر الأرض أموالا ، وأعجزها عن القتال»(1) . أضف إلى ذلك فقد كان عمرو بن العاص يعظم قيمة مصرفي نظر الخليفة ويحاول إقناعه بسهولة فتحها .
كان عمرو بن العاص لا ينفكّ عن التأكيد على تنامي شوكة الإسلام واتّساع قدرته; إلاّ أنّه كان يهمّ بنفسه في اكتساب المقام والشهرة ، لاسيّما أنّه كان يكنّ مزيداً من الحسد لخالد بن الوليد ويتمنّى أن يكون مثله فينهض بإمرة الجيش ويبدي شجاعته وبسالته في المعارك ، حتّى تحدّث صاحب «تاريخ العرب» عن هذا الأمر في أنّ «عمرو بن العاص كان يتحيّن الفرص ليتفوّق على منافسه اللدود خالد بن الوليد .
فلمّا قدم الخليفة الثاني إلى بيت المقدس ، اغتنم الفرصة ليحقّق أمنيته القديمة ، أي زعامة الجيش في قتال مصر»(2) . طبعاً كان الخليفة يرفض مثل هذا الاقتراح كلّما طرحه عليه عمرو بن العاص ، ويقول بأنّ مصر خاضعة لسيطرة الروم الذين يمتلكون العدّة والعدد ، وسيهبّون للدفاع والمقاومة ، ولا نأمل بفتحها من قبل جند الإسلام بهذه السهولة ، إلاّ أن عمرو بن العاص تمكّن أخيراً من تجهيز جيش قوامه أربعة آلاف جندي ليتأهّب لشنّ المعركة دون علم الخليفة . فلمّا بلغ الخليفة الخبر إستاء استياءً بالغاً بحيث بعث فوراً بعقبة بن عامر ليسلّمه كتابه الذي وصف فيه ابن العاص بأنّه آثم بن آثم ، ثمّ يقرّعه قائلاً: «لم هجمت بهذا العدد القليل من الجنود
  • 1 . تأريخ اليعقوبي: 2 / 147 ـ 148 .
  • 2 . تاريخ عرب : 206 .

(الصفحة 23)

على مصر وجيوشها الرومية الكثيرة العدّة والعدد؟ فإذا بلغك كتابي هذا ولم تكن وصلت مصر فارجع; وأمّا إن كنت دخلت مصر فتوكّل على الله وتقدّم»(1) .
فأدركه عقبة بن عامر الجهني في مدينة «رفح» ـ التي تبعد مسافة يومين عن عسقلان ـ التي تبعد مسافة شاسعة عن مصر ، فلمّا رآه عمر بن العاص أدرك أنّه رسول الخليفة ويحمل كتابه بعدم الهجوم على مصر ، فلم يكترث له وواصل مسيرته حتّى وطىء قرية في ساحل بحر الروم قرب منطقة «العريش» ـ وهي منطقة على حدود الشام وتعدّ جزءاً من الأراضي المصرية ـ ، وهنا دعا بعقبة فتناول الكتاب وفضّه . فلمّا اطّلع على مضمونه جمع طائفة من جنوده واُمرائه ثمّ سألهم قائلاً: أين نحن الآن؟ أجابوا: في منطقة من مصر . فقال عمرو بن العاص: إذن لابدّ لنا من مواصلة حركتنا ، فالخليفة «أمرني إن أتاني كتابه وقد دخلت شيئاً من أرض مصر ، أن أمضي لوجهي وأستعين بالله» .
فما كان منه إلاّ أن واصل زحفه ودخل مصر ، فاشتبك مع الجيوش الخاضعة لسلطة حاكم مصر . لقد استمر القتال لشهر دون ظفر جيش عمرو بن العاص; فقد كانت الجيوش التي هبّت لمحاربته ـ وكما تكهّن بذلك الخليفة ـ قويّة مجهزة بالعدّة والعدد .
فاضطرّ ابن العاص لأن يكتب إلى الخليفة ويطالبه بالإمدادات ، فجهّز الخليفة جيشاً قوامه اثني عشر ألف مقاتل بقيادة الزبير بن العوام والمقداد بن الأسود وعبادة بن الصامت ومسلمة بن مخلّد .
وقد اشتدّت عزائم الجيش بحضور أربعة عشر من أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله)من المهاجرين بإمرة الزبير بن العوام وستّة عشر من الأنصار بقيادة عبادة بن
  • 1 . تاريخ عرب : 207; تاريخ يعقوبي : 2/148 .

(الصفحة 24)

الصامت ، فاستمر القتال ثلاثة شهور تمكّن بعدها جيش المسلمين من الانتصار والسيطرة على قلاع البلاد . فاضطرّ والي مصر المقوقس لمفاوضة المسلمين ودفع الجزية ، فكانت دينارين لكلّ رجل .(1) ثمّ انطلق الجيش الإسلامي صوب الاسكندرية .
الاسكندرية كانت تضمّ ثلاث قلاع مستحكمة ، كما كان معسكرها يضمّ ما يناهز الخمسين ألف مقاتل ، بينما لم يكن يبلغ عدد المسلمين سوى عشرين ألف مقاتل ، ولم تكن لديهم العدّة والوسائل الحربية الكافية لمحاصرة المدينة . مع ذلك فقد تمّ فتح المدينة سلميّاً ، فقد دفعت الأحداث والاختلافات الداخلية بالناس إلى قبول الجزية وتجنّب القتال . وهكذا استسلمت هذه المدينة المتميّزة في حضارتها ومدنيّتها والتي وصفها عمرو بن العاص بأنّها تشتمل على أربعة آلاف قصر وأربعة آلاف حمّام إلى جانب أربعة آلاف يهودي يدفعون الجزية و . . .(2)
وهكذا وقعت مصر هذه البلاد الغنية بثرواتها ونيلها الكبير في يد المسلمين ليحكمها عمرو بن العاص مدّة أربعة سنين وبضع شهور بعد ذلك الفتح .

حادثتان مهمّتان بعد فتح مصر

لابدّ من الإشارة إلى حادثتين مهمّتين من أجل الوقوف على الموقع الحسّاس لمصر من الناحية السياسية ، والذي حظي باهتمام أميرالمؤمنين (عليه السلام) :
الحادثة الاُولى : أنّ أهل مصر أدركوا منذ البدء أنّ الوالي الجديد ـ عمرو بن العاص ـ وعمّاله وأعوانه الذين دخلوا البلاد فاتحين ، إنّما يعاملون الناس معاملة سيّئة تهدف إلى تحقيرهم والحطّ من شأنهم ، الأمر الذي أجّج مشاعر الناس
  • 1 . تأريخ اليعقوبي: 2 / 148 ، بامداد اسلام: 85 .
  • 2 . تأريخ العرب: 211 .

(الصفحة 25)

وجعلهم يشعرون بالاستياء والتذمّر . ومن جانب آخر فإنّ البيزنطيين ـ بعد ثلاث سنوات من فتح الاسكندرية ـ بعثوا بقوّاتهم البحرية على أمل خوض الحرب واستعادة تلك المنطقة ، فما كان من أولئك الناس المتذمّرين إلاّ أن ولّوا ظهورهم للفاتحين المسلمين وفتحوا أبواب المدينة بوجه القوّات البيزنطية وقد سلّموها لهم لقمة سائغة .
طبعاً لم تتمكن القوات البيزنطية من إحكام سيطرتها ، حيث تمكّن عمرو بن العاص بعد مدّة قليلة من استعادة المنطقة ، إلاّ أنّ النتيجة المهمّة التي ينبغي التوصّل إليها هي أنّ مصر أصبحت في الحقيقة بؤرة للتوتّر وكأنّها برميل من البارود يخشى انفجاره في كلّ آن; لأنّ الناس الذين خضعوا لسلطة اليونانيين والرومان وعانوا منهما الأمرّين ، قد عقدوا آمالهم اليوم على هذا الدين الجديد ، ويشقّ عليهم أن يروا ما يسيء إليهم من عمّال وولاة هذا الدين الجديد الفاتح .
الحادثة الثانية: تتعلّق بثورة بعض أهالي مصر الذين تركوا ديارهم إبّان خلافة عثمان ، وجاءوا إلى المدينة ليعربوا عن غضبهم واستيائهم لممارسات عمّاله وولاته ، فقد قام هؤلاء المصريّون بمحاصرة دار عثمان حتّى قتلوه في نهاية الأمر . وهذه الحادثة تشكّل القرينة الثانية على الحسّاسية القصوى للأوضاع السائدة في مصر .

تزايد دور وأهمّية مصر كلّ يوم

بعد فتح الاسكندريّة ثانية سقطت تدريجيّاً كلّ الأراضي المصريّة الخصبة والغنية بيد المسلمين ، ولكنّ هناك أمر جدير بالإشارة إليه ، وهو أنّ كلّ مناطق مصر تقريباً دخلها المسلمون بيسر ودون أيّ صعوبة أو مقاومة تُذكر . وقيل : إنّ السبب في ذلك راجع إلى الاختلافات والصراعات المذهبيّة بين اليعقوبين
(الصفحة 26)

المصريين والملكانيين ، والتي دامت لسنوات عديدة تسبّبت في حروب وقتل وأذى وآلام للناس . وكان للمسلمين دور كبير في تسريع عمليّة التسليم والفتح ودخول مصر من غير مقاومة .
وبعد فتح مصر بكاملها استطاع المسلمون ـ بالاستفادة من حدودها وطرقها ـ أن يحقّقوا تقدّماً ملحوظاً في مدّة قصيرة ، حيث حقّقوا فتوحات عظيمة من جهة المغرب العربي إلى أرض ليبيا ، ومنها انطلقوا إلى الأندلس .
ومن هذه الجهة اُخذت أهمّية مصر تتعاظم وتبرز يوماً بعد يوم في نظر المسلمين ، وذلك لأنّه بعد فتح مصر لم تستطع كلّ ولايات الروم والأراضي التابعة للحكومة البيزنطية من الدفاع ، وأضحى فتحها ميسوراً للمسلمين ومهمّاً .
لقد تقدّم المسلمون سنة 32هـ من ناحية «بنتاپوليس» وأخضعوا مدينة برقة ، ثمّ تمكّنوا من إخضاع قبائل البربر في طرابلس ، ومن جملة تلك القبائل قبيلة «لواته» .
وأيضاً استطاع عبدالله بن أبي سرح ـ الذي حلّ محلّ عمرو بن العاص وأصبح والياً على مصر ـ أن يحرز تقدّماً ملحوظاً في إخضاع قسم مهمّ من أفريقيا ، وتصالح مع أهل «كارتاج» عاصمة أفريقيا آنذاك على عهد يتضمّن دفع الجزية للمسملين(1) .
ومّما مرّ يُعلم سبب توجّه المسلمين وإدراكهم لموقع مصر وأهمّيتها في العالم الإسلامي ، والإحاطة بأوضاع وأحوال أرض مصر وأهلها . لكن مع هذه الجهود المبذولة والاهتمام المزيد للمسلمين حول مصر ، فقد أهمل الخليفة الثالث كلّ تلك الجهود أيّما إهمال ، الأمر الذي أثار حفيظة المصريّين فأبدوا استياءهم وغضبهم من
  • 1 . تاريخ عرب : 215 .