(الصفحة 501)
إخباراً عن الحكم مع أنّه ربما لا يكون المخبر عالماً بوجود رسالة لمن يخبر عن اجتهاده ، فضلا عن الأحكام الموجودة فيها؟ فالإنصاف أنّ إقامة الدليل على اعتبار خبر الثقة في الموضوعات الخارجيّة من هذا الطريق مشكلة لو لم تكن ممنوعة ، كما عرفت .
الأمر الثاني : الظاهر أنّ حجّية البيّنة إنّما هي بعنوان كونها من الأمارات الشرعيّة ; لأنّ اعتبارها عند العقلاء إنّما يكون بهذا العنوان ، والظاهر أنّ الشارع قد عامل معها معاملة العقلاء ، فاعتبارها في الشرع أيضاً يكون بعنوان الأمارة .
وعلى هذا ، فلو وقع التعارض بين البيّنة وبين الاُصول الموضوعيّة ; كما إذا كان مقتضى الاستصحاب بقاء خمريّة المائع المشكوك ، وقامت البيّنة على كونه خلاًّ ، أو كان مقتضى قاعدة الفراغ ـ بناءً على كونها من الاُصول ـ البناء على الصّحة مع الشك في الإتيان بالجزء أو الشرط أو ترك المانع أو القاطع ، ولكن قامت البيّنة على الإخلال بما يعتبر وجوده ، وعلى إتيان ما يعتبر عدمه ، ولم يكن هناك ما يدلّ على الصحّة كذلك ، مثل قاعدة : «لا تعاد» في الصلاة ، فمقتضى تقدّم الأمارات على الاُصول وحكومة الاُولى على الثانية ـ كما قد حقّق في الاُصول ـ لزوم الأخذ بالبيّنة والحكم بالخلّية في المثال الأوّل ، وبالبطلان في الثاني .
وأمّا لو وقع التعارض بين البيّنة وبين اليد ، فلا إشكال في تقديمها على اليد ; لأنّ عمدة تشريعها في باب التنازع والتخاصم إنّما هو لإبطال التمسّك باليد ; فإنّ العمدة في تشخيص المدّعي إنّما هي لأجل كونه مدّعياً في مقابل ذي اليد ومريداً لأخذ ما في يده منه ، وصاحب اليد ينكر ويدّعي كونه مال نفسه ، فالأخذ بالبيّنة ابتداءً ـ لقوله (صلى الله عليه وآله) : البيّنة على من ادّعى واليمين على من أنكر(1) ـ إنّما هو لأجل تقدّم البيّنة على اليد ، وإلاّ فلو كانت البيّنة في عرض اليد أو متأخّرة عنها ، لايبقى مجال
(الصفحة 502)
لتقديم البيّنة والقضاء بنفع المدّعي إذا كانت له بيّنة .
وأمّا تعارضها مع سوق المسلم الذي هو أمارة على التذكية والحلية ; كما إذا اشترى لحماً من سوق المسلمين وقامت البيّنة على عدم كونه مذكّى ، وأنّه محرّم ، فربما يقال : إنّ تقديم البيّنة على السّوق من الواضحات والمسلّمات ، ولعلّ الوجه فيه أنّ ملاحظة أدلّة اعتبار السّوق وأماريّته تقضي بأنّ موردها ما إذا لم يكن هناك أمارة على خلافه ، وكانت التذكية مشكوكة من رأس . وأمّا أدلّة اعتبار البيّنة فلا تكون كذلك ، فراجع .
وأمّا لو وقع التعارض بين البيّنة وبين الإقرار ، كما إذا أقرّ بأنّ ما في يده لزيد مثلا ، وقامت البيّنة على كونه للمقرّ دون زيد ، فمقتضى القاعدة تساقط الأمارتين ، ولكنّ الظاهر أنّ بناء العرف والعقلاء على تقديم الإقرار ، ولعلّ الوجه فيه اختصاص كاشفية البيّنة عندهم بصورة عدم الإقرار ، وأنّه مع وجوده لا يرون الكاشف إلاّ الإقرار ، فالإقرار عندهم بمنزلة العلم الذي لا مجال للبيّنة مع وجوده على خلافها .
ولكن وردت روايات في باب القتل في أنّه إذا قامت البيّنة على أنّ زيداً مثلا قاتل ، ثمّ أقرّ عمرو بأنّه القاتل ، يكون للوليّ الأخذ بأيّة واحدة مع الأمارتين ، وقتل أيّ واحد منهما(1) ، وقد عملوا بها وأفتوا على طبقها(2) ، ولكنّ الظاهر أنّه خلاف القاعدة يجب الأخذ به لوجود النصّ .
ولو وقع التعارض بين البينتين ، فمقتضى القاعدة تساقط الأمارتين وعدم ثبوت حجّة في البين ، من دون فرق بين أن تكون هناك مزيّة من جهة الكمية أو
- (1) الكافي : 7 / 289 ح 1 ، تهذيب الأحكام : 10 / 172 ح 677 ، الفقيه : 4 / 78 ح 244 ، وعنها وسائل الشيعة : 29 / 141 ، كتاب القصاص ، أبواب دعوى القتل وما يثبت به ب 3 ح 1 ، وانظر وسائل الشيعة : 29 / 142 ب 4 ومستدرك الوسائل : 18 / 264 ، كتاب القصاص ، أبواب دعوى القتل ب 3 و 4 .
(2) رياض المسائل : 14 / 105 ـ 106 ، جواهر الكلام : 42 / 206 .
(الصفحة 503)
الكيفيّة ; كما إذا كان العدد في أحد الطرفين زائداً على اثنين ، أو كان أحدهما أعدل من الآخر ; وذلك لعدم دليل على ثبوت الترجيح . نعم ، لو احتمل الثبوت لكان مقتضى القاعدة الأخذ بذي الترجيح ; لدوران الأمر بين التعيين والتخيير . وأمّا مع عدم الاحتمال فالقاعدة تقتضي التساقط .
هذا تمام الكلام في قاعدة حجّية البيّنة.
16 شهر صفر 1409