(صفحه292)
الأخير(1)، قائلاً بأنّ الحجّة لا يرفع اليد عنها إلاّ بحجّة مثلها، وأنّ الوضعالسابق حجّة، فلا يتجاوز عنه إلاّ بعد العلم بالوضع الثاني.
وأنت(2) خبير بأنّ المتّبع لديهم والحجّة هو الظهور لا الوضع بنفسه، والعلمبتعاقب الوضعين مع الشكّ في تقدّم الثاني منهما على الاستعمال وتأخّره عنهيمنع عن انعقاده كما هو ظاهر(3).
أضف إلى ذلك أنّه لا معنى للفرق بين الأقسام(4) بعد كون الوضع الأوّل هوالمتّبع مع عدم العلم بنقض الوضع الثاني للوضع الأوّل حال الاستعمال(5).
إنتهى موضع الحاجة من كلامه«مدّ ظلّه».
والحقّ ما ذهب إليه صاحب الكفاية وسيّدنا الاُستاذ من أنّه لا وجه عندتعارض الأحوال الخمسة لترجيح أحدها.
والحقّ أيضاً ما ذهب إليه الإمام«مدّ ظلّه» تبعاً للمحقّق الخراساني في بعضمباحثه(6) من أنّ القدر المتيقّن من ثبوت أصالة عدم النقل عند العقلاء ما إذشكّ في أصل النقل، وأمّا إذا علم ولم يعلم تقدّمه على الاستعمال وتأخّره عنه،فثبوتها مشكوكة لو لم ندّع العلم بعدم الثّبوت، ولا ريب في أنّ الشكّ فيالثبوت مساوق للعلم بعدمه.
- (1) أي ما إذا علم تاريخ الاستعمال. م ح ـ ى.
- (2) هذا جواب حلّي، وما يأتي من قوله: «أضف إلى ذلك» إلخ نقضي. م ح ـ ى.
- (3) فإنّ الاستعمال كان ظاهراً في المعنى المنقول عنه لو كان قبل النقل، وفي المعنى المنقول إليه لو كانبعده، ولا ظهور أصلاً فيما إذا شكّ في ذلك. منه مدّ ظلّه.
- (4) وهي ما إذا علم تاريخ الاستعمال أو تاريخ النقل أو كانا مجهولين. م ح ـ ى.
- (5) تهذيب الاُصول 1: 85 .
ج1
(صفحه294)
في الحقيقة الشرعيّة
الأمر التاسع
في الحقيقة الشرعيّة
اختلفوا في ثبوت الحقيقة الشرعيّة وعدمه، وفي الكتب القديمة أبحاثطويلة حولها، لكنّ الحقّ أنّ ثبوتها يتوقّف على أمرين:
أ ـ أن يكون معاني ألفاظ العبادات(1) كالصلاة والصوم والحجّ ونحوهمستحدثة في شرعنا ولم يكن لها قبل الإسلام عين ولا أثر.
ب ـ أن يثبت نقل هذه الألفاظ من المعاني اللغويّة إلى المعاني الشرعيّة بيدالشارع المقدّس.
ولدينا اُمور تدلّ على انتقاء كلا الأمرين، لحكاية بعضها عن ثبوت هذهالمعاني قبل الإسلام وبعضها عن عدم نقل ألفاظها بيد النبيّ صلىاللهعليهوآله .
1ـ أنّ التاريخ الموجود بين أيدينا الحافظ لسيرة النبيّ صلىاللهعليهوآله وحياته وأفعالهحتّى العادي منها فضلاً عمّا له ربط بالتشريع لم يحفظ ذكراً عن وضعه صلىاللهعليهوآله هذهالألفاظ بإزاء المعاني الشرعيّة، وكذا الأئمّة عليهمالسلام الذين نقلوا كثيراً من أقواله صلىاللهعليهوآله وأفعاله لم ينقلوا وضعها بإزائها، مع أنّه لو كان لنقله الأئمّة عليهمالسلام بل التاريخ أيضاً،لكونه من الاُمور المهمّة التي توفّرت الدواعي على نقله، ولو نقله التاريخ أو
- (1) وأمّا ألفاظ المعاملات فهي مستعملة في لسان الشارع والمتشرّعة في معانيها اللغويّة. منه مدّ ظلّه.
ج1
الأئمّة عليهمالسلام لوصل إلينا، لعدم الداعي على إخفاء مثله.
بل لو كان صلىاللهعليهوآله ينقل الألفاظ من المعاني اللغويّة إلى الشرعيّة باستعمالها فيغير ما وضعت له كما إذا وضعت له(1)، لنقل في التاريخ والآثار المنقولة عنالأئمّة عليهمالسلام .
2ـ أنّ القرآن الكريم يدلّ على عدم كون هذه المعاني مستحدثة، فإنّه قال:«كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ»(2)، وقال حاكياً عنعيسى عليهالسلام : «وَأَوْصَانِى بِالصَّلاَةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيّا»(3)، وقال لإبراهيم عليهالسلام بعد بنائه للكعبة: «وَأَذِّنْ فِى النَّاسِ بِالْحَجِّ»(4)، بل كان للمشركين قبلالإسلام عمل كانوا يسمّونه صلاةً حيث قال سبحانه: «وَمَا كَانَ صَلاَتُهُمْ عِنْدَالْبَيْتِ إِلاَّ مُكَاءً(5) وَتَصْدِيَةً»(6).
فمعاني ألفاظ العبادات كانت متحقّقة قبل الإسلام(7) وإن لم تكن بهذهالكيفيّة التي عندنا، إلاّ أنّ المغايرة في الكيفيّة لا تقتضي المغايرة في الماهيّة، كمأنّ الصلاة الواجدة لجميع أجزائها وشرائطها مغايرة لصلاة الغريق مثلاً منحيث الكيفيّة، لا من حيث الماهيّة، فإنّ كلاًّ منهما صلاة.
- (1) توضيح ذلك: أنّ الوضع التعييني على نحوين: أحدهما: التصريح به، كأن تقول عندما رزقت ولداً:«وضعت لفظ زيد بإزاء هذا المولود» أو «سمّيته زيداً» والثاني: استعمال اللفظ في المعنى كاستعماله فيالمعنى الحقيقي، كأن تقول في المثال: «ائتوني بزيد» مريداً تسميته به، ولا يخفى أنّ كليهما من قبيلالوضع التعييني. م ح ـ ى.
- (5) «المكاء» بضمّ الميم: الصفير. و«التصدية»: التصفيق بضرب اليد على اليد. م ح ـ ى.
- (7) وإن كان يعبّر عنها بلغة غير عربيّة. منه مدّ ظلّه.
(صفحه296)
إن قلت: لعلّ النقل وقع في لسان الأنبياء قبل الإسلام.
قلت: لو ثبت هذا، لنقل إلينا، على أنّه يستلزم أن لا يترتّب على البحثفائدة أصلاً، للزوم حمل كلام اللّه تعالى والنبيّ صلىاللهعليهوآله على المعاني المنقول إليها فيلسانهم عليهمالسلام .
3ـ أنّ الوضع لو تحقّق لكان بعدما كثر المسلمون بعد الهجرة إلى المدينة،وأمّا في مكّة، ولاسيّما في أوائل البعثة فلم يعقل وضع النبيّ صلىاللهعليهوآله لفظ الصلاة مثلللعبادة المخصوصة، لقلّة الابتلاء بها بقلّة المسلمين، فالوضع كان لغواً لخلوّهعن الغرض الذي هو سهولة التفهيم والتفهّم، مع أنّه تعالى قال في سورةالمزمّل المكّيّة النازلة في أوائل البعثة: «وَأَقِيمُوا الصَّلاَةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ»(1) وفيسورة الأعلى المكّيّة: «قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى * وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى»(2) وهكذغيرهما من الآيات المكّيّة، ولا ريب في أنّ المراد بالصلاة والزكاة في هذهالآيات العبادتان المخصوصتان.
إن قلت: لعلّ القرينة تدلّ على المراد منها.
قلت: لا قرينة في البين، أمّا المقاليّة فواضح، وأمّا الحاليّة فلأنّ القرآن كتابأبدي ومعجزة خالدة، ومثله لا يحتفّ بقرينة حاليّة لا يطّلع عليها إلالموجودون حال النزول.
فذكر ألفاظ العبادات في الآيات المكّيّة يدلّ على تحقّقها قبل الإسلام.
وأمّا قوله صلىاللهعليهوآله : «صلّوا كما رأيتموني اُصلّي»(3) فهو للدلالة على كيفيّة الصلاةفي الإسلام لا على ماهيّتها.
- (3) بحار الأنوار 82 : 279، كتاب الصلاة، باب التشهّد وأحكامه.