لأنّ الصحيح هاهنا ما كان واجداً للأجزاء والشرائط الشرعيّة وإن كان فاقدلسائر الشرائط، كما إذا صلّى في سعة الوقت وترك إزالة النجاسة عن المسجدوقلنا بفسادها لاشتراط صحّتها بعدم الابتلاء بالمزاحم الأقوى عقلاً، فهذهالصلاة مع كونها فاسدة بحسب مقام الامتثال وسقوط التكليف، صحيحةبالمعنى المراد في المقام من الصحّة، فالجامع المتصوّر عند الصحيحي لابدّ منأن يعمّها مع أنّه لا يعمّها آثار الجامع المذكورة في كلام المحقّق الخراساني رحمهالله ،لاختصاصها بالصلاة الصحيحة من جميع الجهات، ولا تترتّب على الفاسدةولو من جهة فقدانها لشرط عقلي.
ولأجل هذه المناقشات اختار كلّ من تلامذته طريقاً آخر.
فذهب المحقّق النائيني رحمهالله إلى عدم لزوم تصوير الجامع كما مرّ.
وذهب المحقّق العراقي رحمهالله إلى أنّ الجامع ليس جامعاً ماهويّاً مقوليّاً،كالإنسان الذي هو جامع بين زيد وعمرو وبكر مثلاً لاشتراكهم في الماهيّةوكونهم من مقولة واحدة، لعدم إمكان تصوير الجامع المقولي بين أجزاءالصلاة مثلاً، لكونها مركّبة من مقولات مختلفة، ووحدتها وحدة اعتباريّة،فضلاً عن تصويره بين أفرادها الصحيحة المختلفة اختلافاً فاحشاً جدّاً، فإنّبعضها صلاة الحاضر المختار الواجدة لجميع الأجزاء والشرائط، وبعضها صلاة
الغريق التي هي صرف إيماء قلبي، وما بينهما أيضاً أفراد كثيرة مختلفة، فإذا لميكن جامع ذاتي مقولي لمرتبة واحدة من الصلاة فعدم الجامع للمراتب المختلفةكمّاً وكيفاً بطريق أولى.
وأمّا الجامع العنواني(1) فهو وإن كان ممكناً عقلاً، حيث يمكن أن يقال:الجامع بين أفراد الصلاة الصحيحة الذي يكون مسمّاها هو عنوان «الناهية عنالفحشاء والمنكر» أو نحوها، إلاّ أنّ الظاهر خلافه(2).
فالجامع هو الحصّة من الوجودات المشتملة على الصلوات الصحيحة(3).
هذا حاصل كلام المحقّق العراقي رحمهالله .
وفيه: أنّ هذه الحصّة هل هي من وجودات الماهيّة أو من وجوداتالوجود؟
لا طريق لكم إلى الأوّل، لما ذهبتم إليه من عدم إمكان اجتماع مقولاتمختلفة تحت ماهيّة واحدة.
ويرد على الثاني أوّلاً: أنّ الوجود مساوق للجزئيّة مع أنّ ألفاظ العباداتمسانخة لأسماء الأجناس في عموميّة الوضع والموضوع له.
وثانياً: أنّه إن لوحظت الحصّة وجوداً واحداً فلا يمكن اتّحاد الماهيّاتالمتباينة وجوداً، وإن لوحظت وجودات متعدّدة احتاجت إلى جامع.
- (1) المراد به عنوان شامل لأشياء متعدّدة وإن كانت مختلفة بحسب الماهيّة، مثل عنوان «الممكن» و«الشيء»و«الموجود» ونحوها. منه مدّ ظلّه.
- (2) لعلّ نظره من استظهار الخلاف أنّه يستلزم أن يكون المعنى في قوله تعالى: «إِنَّ الصَّلاَةَ تَنْهَى عَنْالْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ» أنّ الذي ينهى عن الفحشاء والمنكر ينهى عن الفحشاء والمنكر، كما مرّ عن آية اللّهالبروجردي رحمهالله ، ولا يجري هاهنا ما تقدّم من الجواب هناك كما هو واضح. منه مدّ ظلّه.
- (3) نهاية الأفكار 1 و 2: 81 .
ج1
فلابدّ لكم من القول بأنّ الحصّة المذكورة جامع عنواني، وهذا كرّ على مفررتم منه.
مقالة المحقّق الاصفهاني رحمهالله حول الجامع ونقده
وذهب المحقّق الاصفهاني رحمهالله إلى أنّ الجامع شيء يدرك ويفهم، لكنّه لا يمكنوصفه إلاّ بآثاره وخواصّه، وذكر لتوضيح ذلك مقدّمة:
وهي أنّ الماهيّة والوجود متعاكسان سعةً وضيقاً بحسب الإبهام والوضوح،فإنّ الماهيّة كلّما ازدادت إبهاماً ازدادت سعةً وكلّما ازدادت وضوحاً ازدادتضيقاً، وينعكس الأمر في الوجود، فإنّ شدّة ضعفه وخفائه توجب شدّة ضيقهوصغره، وشدّة قوّته وظهوره توجب شدّة سعته وكبره، حتّى أنّ واجبالوجود الذي هو في كمال الوضوح والظهور، حتّى قال في المنظومة:
يا من هو اختفى لفرط نوره
|
الظاهر الباطن في ظهوره
|
يكون أوسع الوجودات، بل لا نهاية لوجوده تعالى.
والماهيّات على قسمين: أصيلة واعتباريّة، فالماهيّة الأصيلة ما يكون منمقولة واحدة ولا إبهام في ذاتها، لكن يعرضها الإبهام لأجل العوارضالخارجيّة، كالإنسان، فإنّ ذاته واضح، وهو «الحيوان الناطق» من غير زيادةأو نقيصة، لكن يعرضه الإبهام من حيث الشكل وشدّة القوى وضعفها مثلاً.
والماهيّة الاعتباريّة ما يتركّب من مقولات مختلفة، ويكون مبهماً ذاتاً بحيثتزيد وتنقص كمّاً وكيفاً كالصلاة.
والفرق بينهما من وجهين:
1ـ ما تقدّم من كون الإبهام في الأصيلة بلحاظ الطوارئ والعوارض، وفيالاعتباريّة بلحاظ ذاتها.