لكون كلّ منهما متعدّداً بالنظر الدّقّي، فيصدق على التعريف بكلّ منهما أنّه«ترتيب اُمور معلومة عند النفس لتحصيل شيء مجهول»(1).
وناقش فيه المحقّق الشريف في بعض حواشيه على شرح المطالع بأنّه ليمكن أخذ «الشيء» في مفهوم المشتقّ، وذلك لأنّ المأخوذ فيه إن كان مفهوم«الشيء» يلزم دخول العرض العامّ في الفصل، وهو محال(2)، وإن كان مصداقهيلزم انقلاب القضيّة الممكنة إلى الضروريّة، مثلاً جملة «الإنسان ضاحك»قضيّة ممكنة، فإذا انحلّت إلى قولنا: «الإنسان إنسان له الضحك» صارت قضيّةضروريّة، لأنّ ثبوت الشيء لنفسه ضروري، وهو خلف(3)،(4).
توضيح مرام شارح المطالع والمحقّق الشريف في المسألة
1ـ ما يكون مركّباً حتّى بالنظر التصوّري السطحي، مثل «غلام زيد».
2ـ ما يكون مركّباً بالنظر التصوّري الدقّي، لكنّه بسيط بالنظر السطحيالبدوي، والمشتقّ كذلك عند شارح المطالع.
3ـ ما لا يكون مركّباً إلاّ بالنظر التحليلي العقلي، وهو الجوامد، مثل«الحجر» فإنّه بسيط بحسب الإدراك السطحي والدقّي، إلاّ أنّه ينحلّ بتعمّل منالعقل إلى شيء له الحجريّة.
فاعتقد شارح المطالع بالتركيب التصوّري بحسب النظر الدقيق العرفي،والمحقّق الشريف ردّه وذهب إلى البساطة التصوّريّة حّتى بالنظر الدقيق.
ويشهد عليه أوّلاً: أنّه قال: مفهوم المشتقّ بسيط منتزع عن الذات باعتبارتلبّسها بالمبدء، فهو مع ذهابه إلى البساطة قائل بتركّب منشأ الانتزاع منالذات والمبدء وتلبّسها به، وهل هذا إلاّ التركّب بالتحليل العقلي، فلم يريدالبساطة والتركّب الانحلاليّين عقلاً، وإلاّ فلم يقع بينهما نزاع أصلاً.
وثانياً: أنّه لو كان نظر شارح المطالع بساطة المشتقّ بحسب الإدراكوالتصوّر حتّى بالنظر الدقيق العرفي، وتركّبه بتحليل العقل فقط، لم يتوجّه إليهإشكال في أخذ مفهوم الشيء في مثل الناطق، لعدم دخله في معناه التصوّريالبدوي والدقّي أصلاً، فيعلم أنّ المحقّق الشريف أيضاً فهم من كلام شارحالمطالع التركّب اللحاظي، فأشكل عليه بهذا الإشكال.
نقد ما أفاده المحقّق الشريف لإثبات بساطة المشتقّ
ويرد عليه أوّلاً: أنّه لو تمّ لدلّ على خروج الشيء مفهوماً ومصداقاً عنمعنى المشتقّ، وهو لا يستلزم البساطة، لإمكان تركّبه من المبدء ونسبته إلى
(صفحه470)
الذات بنحو تكون النسبة داخلةً والذات خارجة.
نعم، لا إشكال في كونه جواباً عن شارح المطالع على فرض تماميّته، فإنّهقال بكون المشتقّ مركّباً من «شيء له المبدء» فيشكل عليه بأنّ الشيء ليمكن أن يكون مأخوذاً في معنى المشتقّ لا مفهوماً ولا مصداقاً.
وثانياً: أنّ الحقّ ما أفاده المحقّق الخراساني رحمهالله من أنّ مثل الناطق ليسبفصل حقيقي(1)، بل لازم ما هو الفصل وأظهر خواصّه، وإنّما يكون فصلمشهوريّاً منطقيّاً يوضع مكانه إذا لم يعلم نفسه، بل لا يكاد يعلم، لأنّ الفصولحاكية عن كنه الأشياء، ولا يعلم كنهها إلاّ علاّم الغيوب.
ويؤيّده أنّه ربما يجعل لا زمان مكانه، كالحسّاس والمتحرّك بالإرادة فيالحيوان، فحيث إنّه ليس لكلّ شيء إلاّ فصل واحد حقيقي فيعلم أنّ كلاًّ منهمخاصّة للحيوان لا فصل له.
والحاصل: أنّه لا يلزم من أخذ مفهوم الشيء في معنى المشتقّ إلاّ دخولالعرض العامّ في الخاصّة التي هي عرضي، لا في الفصل الحقيقي الذي هو منالذاتي(2).
وأورد بعضهم(3) على المحقّق الشريف بأنّ الشيء لا يكون عرضاً، بلجنس الأجناس، فلا يلزم من دخول مفهومه في المشتقّ دخول العرض فيالفصل.
- (1) لأنّ «الناطق» مشتقّ من النطق، وهو إمّا بمعنى التكلّم، فيكون كيفاً مسموعاً، أو بمعنى العلم وإدراكالكلّيّات، فيكون إمّا كيفاً نفسانيّاً أو من مقولة الإضافة أو الإنفعال على الاختلاف الواقع في حقيقة العلموالإدراك، وعلى جميع التقادير فالنّطق عرض خاصّ للإنسان لا جوهر ذاتي له. منه مدّ ظلّه.
- (3) هو المحقّق النائيني رحمهالله في فوائد الاُصول 1 و 2: 111، وأجود التقريرات 1: 102.