وفي كليهما مناقشة، لأنّ المادّة المشتركة لابدّ من أن تكون سائرة في فروعهبتمام وجودها، أعني حروفها وهيئتها ومعناها، ومن المعلوم أنّهما ليسا كذلك،إذ هيئتهما آبية عن ورود هيئة اُخرى عليهما، ومعنى كلّ منهما أيضاً لم يتحقّقفي الآخر، ولا في سائر المشتقّات.
والحقّ ما ذهب إليه المحقّقون من المتأخّرين، من أنّ مادّة المشتقّات عاريةعن جميع الهيئات ولا بشرط من جميع الجهات إلاّ من ترتيب حروفها،
ووضعت بوضع مستقلّ لنفس الحدث فقط من دون النسبة، فمادّة «ضارب»مثلاً هي «ض، ر، ب» وهذه المادّة وضعت لما نعبّر عنه في الفارسيّة بـ «كتك»،وهي بحروفها المرتّبة ومعناها موجودة في جميع مشتقّاتها، ولا هيئة لها حتّىيستحيل ورود هيئة اُخرى عليها، ألا ترى أنّا نفسّر قولنا: «ضَرَبَ، يَضْرِبُ،ضارِبٌ» بالفارسيّة بـ «كتك زد، كتك مىزند،كتك زننده» فمعنى المادّةوحروفها المرتّبة متحقّقة في هذه المشتقّات.
وقد اُورد على هذا بوجوه:
1ـ أنّ المادّة ـ خاليةً من كلّ هيئة ـ ليست بلفظ، فكيف يكون لها وضع معأنّ الوضع عبارة عن علقة بين اللفظ والمعنى؟!
وفيه: أنّ الغرض من وضع الموادّ ليس الإفادة الفعليّة كي يستلزم فعليّةإمكان التنطّق بها، بل الموادّ موضوعة بالوضع التهيّئي لأن تتلبّس بهيئةموضوعة، فيتحقّق الإفادة والاستفادة، ومثلها لا يجب أن يكون من مقولةاللفظ الذي يتكلّم به.
2ـ المشهور بين أهل الأدب أنّ اسم المصدر موضوع لنفس الحدث بلنسبة، فما الفرق بينه وبين المادّة؟
والجواب عنه: أنّ اسم المصدر وضع لعين المعنى الذي وضعت له المادّة، إلأنّ وضعها تهيّئي كما عرفت، ووضعه لأجل إمكان التنطّق بالمادّة عند الحاجةإلى إفادة معناها.
3ـ أنّ لازم ذلك هو دلالة المادّة على المعنى الذي وضعت له، وإن تحقّقت فيضمن هيئة غير موضوعة، مثل «ضُرْب» و«ضِرْب».
وفيه: أنّ وضع الموادّ تهيّئي للازدواج مع الهيئات الموضوعة، وبذلك يحصل
(صفحه436)
لها ضيق ذاتي لا مجال معه لتوهّم الدلالة في ضمن المهملات.
4ـ أنّ القول باستقلال كلّ من المادّة والهيئة في الوضع يستلزم دلالتهما علىمعنيين مستقلّين، وهو خلاف الضرورة، إذ لا يفهم من كلمة «ضارب» مثلإلاّ معنى واحد.
وفيه: ـ مضافاً إلى كونه وارداً على مذهب الكوفيّين والبصريّين أيضاً ـ أنّدلالة المادّة على معناها مندكّة في دلالة الهيئة، بحيث لا يفهم منها إلاّ معنىمندكّ في معنى الهيئة، وبالجملة: إنّ الواضع وإن لم يلاحظ أيّ هيئة في مقاموضع الموادّ، وأيّ مادّة في مقام وضع الهيئات، بل كلّ منهما مستقلّة في مقامالوضع، إلاّ أنّ المادّة لا تحصّل لها في مقام الاستعمال إلاّ بتحصّل هيئتها، وهيمركّبة معها تركيباً اتّحاديّاً، ودلالتها على المعنى أيضاً كذلك، فنسبة المادّة إلىالهيئة في هذا المقام كنسبة الهيولى إلى الصورة في الاتّحاد.
البحث حول دلالة(1) الفعل على الزمان
ثمّ إنّه قد اشتهر في ألسنة النحاة دلالة الفعل على الزمان، حتّى أخذوالاقتران بها في تعريفه، وهو خطأ كما قال المحقّق الخراساني رحمهالله .
برهان صاحب الكفاية لإثبات عدم دلالة الفعل على الزمان
واستدلّ عليه بعدم دلالة الأمر ولا النهي عليه، بل على إنشاء طلب الفعلأو الترك، غاية الأمر نفس الإنشاء بهما في الحال، كما هو الحال في الإخباربالماضي أو المستقبل أو بغيرهما كما لا يخفى.
- (1) اُريد بها الدلالة التضمّنيّة التي يكون فيها المدلول جزءً لمعنى الدالّ، لا الالتزاميّة التي يكون فيها خارجعنه لازماً له. منه مدّ ظلّه.