ج1
الحاصل بسبب المعاملات الربويّة، على أنّه لا يعقل اعتبار ملكيّة لا يترتّبعليها أثر أصلاً، فإنّه لغو.
فما اعتبره العقلاء دون الشارع كالملكيّة عقيب المعاملات الربويّة ليسموجوداً شرعاً، لا أنّه موجود فاسد، كما أنّ ما اعتبره الشارع أيضاً كالملكيّةعقيب عقد البيع موجود، لا أنّه موجود صحيح.
وانقسام الملكيّة إلى المستقرّة والمتزلزلة أيضاً لا يوجب اتّصافها بالصحّةوالفساد، فإنّ الاستقرار والتزلزل وصفان مترتّبان على أصل وجود الملكيّة لعلى صحّتها وفسادها.
وأمّا إن كانت موضوعةً للأسباب فللنزاع في وضعها لخصوص الصحيحةأو للأعمّ منها ومن الفاسدة مجال.
نظريّة صاحب الكفاية في المقام
والمحقّق الخراساني رحمهالله كما اختار في ألفاظ العبادات كونها موضوعةللصحيحة قال هاهنا أيضاً: لا يبعد دعوى كونها موضوعة للصحيحة أيضاً،وأنّ الموضوع له هو العقد المؤثّر لأثر كذا شرعاً وعرفاً، والاختلاف بينالشرع والعرف فيما يعتبر في تأثير العقد لا يوجب الاختلاف بينهما في المعنى،بل الاختلاف في المحقّقات والمصاديق وتخطئة الشرع العرف في تخيّل كونالعقد بدون ما اعتبره في تأثيره محقّقاً لما هو المؤثّر كما لا يخفى، فافهم(1)، إنتهى.
وقوله: «والاختلاف بين الشرع والعرف إلخ» جواب عن إشكال، وهو أنّالعبادات سواء كانت من مخترعات الإسلام أو كانت قبله في الشرائع السابقة
(صفحه378)
أيضاً ليس لها إلاّ معنى شرعي كما هو واضح، فيحمل الصحيح منها علىالصحيح عند الشارع لا محالة، بخلاف المعاملات، فإنّها كما تكون معهودةًشرعاً تكون معهودةً عند العقلاء أيضاً، فإذا قلنا بكون ألفاظها موضوعةًللصحيح منها فهل المراد هو الصحيح عند الشارع أو عند العقلاء؟
وحاصل الجواب: أنّ المعنى الموضوع له شرعاً وعرفاً واحد بحسبالمفهوم، وهو العقد المؤثّر لأثر كذا، والاختلاف إنّما هو بحسب المحقّقاتوالمصاديق لا بحسب المفهوم الموضوع له.
البحث حول ما أفاده المحقّق الخراساني رحمهالله
وأورد عليه سيّدنا الاُستاذ الأعظم الإمام«مدّ ظلّه» بأنّ الموضوع له لا يكونالعقد الصحيح بالحمل الأوّلي، لعدم تبادره من البيع ونحوه، ولا بالحملالشائع، لأنّ الصحيح بالحمل الشائع إنّما هو الأفراد والوجودات الخارجيّة،وهو يستلزم كون الموضوع له جزئيّاً، فإنّ «العقد» وإن كان كلّيّاً، إلاّ أنّه يصيرجزئيّاً بسبب تقيّده بقيد جزئي كما هو واضح، وهل يلتزم المحقّق الخراساني رحمهالله بهذا مع ذهابه في باب العبادات إلى عموم الوضع والموضوع له؟! بل ذهب فيباب الحروف أيضاً إلى عمومهما، خلافاً للمشهور القائلين بعموم الوضعوخصوص الموضوع له، فكيف يمكن أن يلتزم في باب المعاملات بما أنكرهحتّى في باب الحروف؟!
فإذن لابدّ على القول بالصحيح من القول بوضعها لماهيّة إذا وجدت فيالخارج كانت صحيحة(1)، وهذا مفهوم كلّي إلاّ أنّه يستلزم كون الاختلاف بين
- (1) فالبيع مثلاً: هو العقد على مبادلة مال بمال الذي إذا وجد في الخارج كان صحيحاً. م ح ـ ى.
ج1
الشرع والعرف بحسب المفهوم لا المصداق كما زعم المحقّق الخراساني رحمهالله ، فإنّالمراد بالصحيح المأخوذ في التعريف هو الصحيح عند الشارع إذا لوحظالتعريف شرعيّاً، وعند العرف إذا لوحظ عرفيّاً، فنفس المفهوم مضيّق شرعبالنسبة إلى البيع الربوي مثلاً لا يشمله، بخلاف العرف، فاختلافهما مربوطبمقام المفهوم والموضوع له، لا المصداق والمحقّق كما زعمه المحقّقالخراساني رحمهالله (1).
هذا حاصل كلام سيّدنا الاُستاذ الإمام«مدّ ظلّه» في المقام.
ونحن وإن تلقّيناه بالقبول في الدورة السابقة، إلاّ أنّه خطر ببالي بعد الدقّةالتامّة في هذه الدورة أنّه يمكن الجواب عنه بأنّا نختار الشقّ الأوّل، لكنّا لنقول بأخذ نفس عنوان «الصحيح» في التعريف حتّى يرد عليه عدم تبادره منسماع مثل لفظ «البيع»، كيف؟ ولو قلنا بكون الموضوع له «العقد الصحيح»بالحمل الأوّلي في جميع ألفاظ المعاملات لما حصل الفرق بين البيع والإجارةوالنكاح وغيرها، لاتّحاد المعنى في الجميع، بل نقول بأخذ مفاهيم أنواع«الصحيح» الذي هو بمنزلة الجنس لها في التعريف، فالبيع هو «العقد المؤثّر فيملكيّة العين» والإجارة هي «العقد المؤثّر في ملكيّة المنفعة» والنكاح هو«العقد المؤثّر في الزوجيّة» وهكذا، ولا إشكال في تبادر هذه المعاني عند سماعتلك الألفاظ، أعني لفظ البيع والإجارة والنكاح.
ويؤيّد هذا أنّ المحقّق الخراساني رحمهالله عبّر في كلامه بـ «أنّ الموضوع له هوالعقد المؤثّر لأثر كذا شرعاً وعرفاً» ولم يعبّر بأنّه هو العقد الصحيح.
وعليه فلا إشكال في أخذ «الصحيح» بأنواعه لا بنفسه في التعريف، لتحقّق
- (1) تهذيب الاُصول 1: 123.
(صفحه380)
التبادر مع حفظ كلّيّة المعنى، واتّحاد نظر الشرع والعرف في المفهوم، ورجوعالاختلاف بينهما إلى المحقّقات والمصاديق، وهذا عين ما ذهب إليه صاحبالكفاية، فلا يرد عليه إشكال الإمام«مدّ ظلّه».
الحقّ في المسألة
والحقّ عدم جريان النزاع في ألفاظ المعاملات، لما يقتضيه التحقيق منكونها موضوعة للمسبّبات لا للأسباب، لأنّ البيع مثلاً لو كان موضوعاً للعقدالمؤثّر في الملكيّة لكان من مقولة اللفظ، والحقّ أنّه من مقولة المعنى كما قالالشيخ رحمهالله في أوائل كتاب البيع من المكاسب، والمتبادر منه أيضاً إنّما هو انتقالالعوضين إلى المتبايعين، لا العقد الذي هو سبب للانتقال.
ويؤيّده تعريفه في اللغة بـ «مبادلة مال بمال» كما حكاه الشيخ في المكاسبعن الفيّومي في المصباح المنير. وعلى تقدير وضعها للأسباب فالحقّ أنّهموضوعة للأعمّ من الصحيح والفاسد كألفاظ العبادات، لما قدّمناه في بابالعبادات من أنّ غرض الوضع هو التفهيم والتفهّم بسهولة، وهذا يقتضيوضعها للأعمّ، لأنّ الحاجة إلى استعمال اللفظ في الفاسد والناقص أكثر منالصحيح والتامّ، وهذا الأمر بعينه جارٍ هاهنا أيضاً.
نقد ما استدلّ به الصحيحي في المقام
وأهمّ ما استدلّ به للصحيحي أنّ من أقرّ عند الحاكم ببيع داره لزيد مثلاً،حكم الحاكم عليه وأكرهه على إعطائها إيّاه من دون أن يستفسره عن أنّهقصد البيع الصحيح أو الفاسد، وهذا شاهد على كونه موضوعاً لخصوصالصحيح، إذ لو كان موضوعاً للأعمّ لما جاز له الحكم على المقرّ إلاّ بعد
ج1
الاستفسار وإحراز إرادته الصحيح.
وفيه: أنّ حمل كلام المقرّ على خصوص الصحيح ليس لأجل استعماله فيه،بل لأجل الانطباق عليه بمعونة القرينة.
توضيح ذلك: أنّ اللفظ وإن وضع للجامع الأعمّ من الصحيح والفاسد،ويستعمل دائماً فيه، إلاّ أنّه قد يراد بذاك الجامع الأعمّ خصوص الصحيح أوالفاسد بانطباقه عليه بمعونة القرينة، كما أنّه قد يراد به نفسه، والقرينة الموجودةفي المقام على انطباقه على الصحيح لغويّة الإقرار لو أراد البيع الفاسد، لعدمترتّب أثر عليه أصلاً، والعاقل لا يتكلّم بكلام لغو، فالبيع وضع للأعمّواستعمله المقرّ أيضاً فيه، لكن أراد به خصوص الصحيح بانطباقه عليه بمعونةالقرينة المذكورة.
ثمرة النزاع في المعاملات
ربما يتخيّل في بادئ النظر أنّ ثمرة البحث جواز الرجوع إلى إطلاق مثل«أَحَلَّ اللّهُ الْبَيْعَ»(1) و«تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ»(2) و«أَوْفُوا بِالْعُقُودِ»(3) على قولالأعمّي وعدمه على قول الصحيحي كما في باب العبادات، ولذا استشكل علىالشهيد الأوّل رحمهالله حيث قال في القواعد بأنّ ألفاظ العبادات والمعاملات سوىالحجّ(4) كلّها وضعت للصحيح، ومع ذلك تمسّك بالمطلقات في باب المعاملات.
لكنّ التحقيق أنّ بين البابين فرقاً أساسيّاً يقتضي التفرقة بينهما في جريان
- (4) أمّا الحجّ فقال بكونه موضوعاً للأعمّ، لوجوب إتمامه ولو كان فاسداً، بخلاف سائر العبادات. والمحقّقالنائيني رحمهالله تعرّض لكلام الشهيد رحمهالله في فوائد الاُصول 1 و2: 79، فراجع. م ح ـ ى.