المسبّبي.
فلو كان المسبّب من الآثار الشرعيّة للسبب لكان الأصل الجاري في الثانيحاكما على الجاري في الأوّل، كما إذا شككنا في بقاء كرّيّة ماءٍ ثمّ غسلنا فيهثوبنا النجس، فهاهنا لا يجري استصحاب نجاسة الثوب، لأنّ استصحابكرّيّة الماء أصل سببي يترتّب عليه آثاره الشرعيّة التي منها كونه مطهّرا،فالتعبّد بالسبب هاهنا يزيل الشكّ عن ناحية المسبّب.
وأمّا إذا لم يكن بينهما سببيّة شرعيّة فصرف السببيّة والمسبّبيّة لا تقتضيالحكومة، وما نحن فيه من هذا القبيل، فإنّ نجاسة الملاقي ـ بالكسر ـ وإنكانت من الآثار الشرعيّة لنجاسة الملاقى ـ بالفتح ـ إلاّ أنّ طهارته ليست أثرشرعيّاً لطهارته، لأنّه كان طاهرا ولو لم تتحقّق الملاقاة.
وبالجملة: تجري أصالة الطهارة في الملاقي ـ بالكسر ـ سواء جرت في الملاقىـ بالفتح ـ أم لا، فالقول بعدم جريانها في الملاقي لو فرض جريانها في الملاقىغير تامّ.
جريان أصالة الطهارة في ناحية المسبّب، لأنّ نجاسة السبب يؤثّر شرعا فينجاسة المسبّب، فلا مجال لجريان أصالة الطهارة فيه.
إشكال وجواب
ثمّ إنّ هاهنا شبهة استصعب حلّها بناءً على كون طهارة الملاقي من آثارطهارة الملاقى، وهي أنّ في المقام مسألتين:
أ ـ طهارة الملاقي التي هي مسبّبة عن طهارة الملاقى.
ب ـ حلّيّته التي هي مسبّبة عن طهارة نفسه.
فهاهنا في بادئ النظر اُصول ستّة، إذ يتصوّر في كلّ من الملاقي والملاقىوالطرف الآخر أصالة الطهارة وأصالة الحلّيّة.
وهذه الاُصول الستّة وقعت في ثلاث رتب:
ففي الرتبة الاُولى أصلان: أصالة الطهارة في الملاقى ـ بالفتح ـ والطرفالآخر، وهما تتعارضان وتتساقطان، لأنّ جريانهما يستلزم الترخيص فيالمخالفة القطعيّة العمليّة والتناقض في أدلّة الاُصول.
وفي الرتبة الثانية ثلاثة اُصول: أصالة الطهارة في الملاقي ـ بالكسر ـ وأصالةالحلّيّة في الملاقى ـ بالفتح ـ وأصالة الحلّيّة في الطرف الآخر.
ووجه كون هذه الاُصول الثلاثة في رتبة واحدة أنّ الشكّ في الحلّ والحرمةفي طرفي العلم الإجمالي وهما الملاقى ـ بالفتح ـ والطرف الآخر مسبّب عنالشكّ في طهارتهما ونجاستهما، والشكّ في طهارة الملاقي ـ بالكسر ـ أيضاً مسبّبعن الشكّ في طهارة الملاقى ـ بالفتح ـ فهذه الاُصول الثلاثة تكون في رتبةواحدة متأخّرة عن رتبة أصالتي الطهارة في الطرفين المتساقطتين بالتعارض،فتتعارض هذه الاُصول أيضاً وتتساقط.
(صفحه146)
وفي الرتبة الثالثة أصل واحد سليم عن المعارض: وهو أصالة الحلّيّة فيالملاقي(1) ـ بالكسر ـ .
والحاصل: أنّه لا تجري أصالة الطهارة في الملاقي ـ بالكسر ـ ، فلا يجوزاستعماله فيما يشترط فيه الطهارة، لكن تجري فيه أصالة الحلّيّة، فيجوز شربالماء الملاقي لأحد الطرفين، ولا يجوز التوضّي به، لاشتراط كون ماء الوضوءطاهرا، فما لم يحرز طهارته لا يجوز التوضّي به.
ويمكن الجواب عنها بوجوه:
الأوّل: أنّك قد عرفت أنّ طهارة الملاقي لا تكون مسبّبة عن طهارةالملاقى.
الثاني: أنّا لا نسلّم أن تكون حلّيّة الشيء أثرا لطهارته، إذ ليس لنا دليليدلّ على أنّ «كلّ طاهر حلال»، فالطهارة والنجاسة مسألة والحلّيّة والحرمةمسألة اُخرى.
نعم، قد تجتمع الطهارة مع الحلّيّة، لكنّه لا يقتضي السببيّة والمسبّبيّة كما ليخفى. فعلى هذا حلّيّة الشيء تكون في رتبة طهارته من دون أن يكون بينهمتقدّم وتأخّر أصلاً.
فأصالة الحلّيّة في الطرفين تكون في رتبة أصالة الطهارة فيهما، فيقعالتعارض بين أصالتي الحلّيّة في الرتبة الاُولى التي كان يقع التعارض فيها بينأصالتي الطهارة، وتبقى أصالة طهارة الملاقي في الرتبة المتأخّرة سليمة عنالمعارض.
الثالث: أنّه لا مدرك لأصالة الحلّيّة في المقام، فإنّك عرفت(2) المناقشة في
- (1) فإنّ الشكّ في حلّيّة الملاقي وحرمته لو كان مسبّبا عن الشكّ في طهارته ونجاسته ولم يجر الأصلالسببي، وهو أصالة الطهارة لأجل المعارضة ـ كما هو مدّعى قائل هذه الشبهة ـ لوصلت النوبة إلى جريانالأصل المسبّبي، وهو أصالة الحلّيّة التي هي سليمة عن المعارض. م ح ـ ى.