لسان دليل اعتبار القيد هو حكومته على دليل المأمور به، مثل أن يكون دليلوجوب الصلاة قوله تعالى: «أَقِيمُوا الصَّلاَةَ»(1) ودليل جزئيّة الفاتحة ما رويعن النبيّ صلىاللهعليهوآله : «لا صلاة إلاّ بفاتحة الكتاب»(2) فإنّه نظير جملة «لا شكّ لكثيرالشكّ»(3) الحاكمة على أدلّة أحكام الشكوك، وقد يكون لسان دليل المأمور بههو حكومته على دليل اعتبار القيد، كما لو كان دليل وجوب الصلاة: «لا تتركالصلاة بحال» ودليل جزئيّة الفاتحة: «اقرأ فاتحة الكتاب في الصلاة» وقد ليكون في البين حكومة أصلاً.
فهذه الصورة الأخيرة داخلة في محلّ النزاع، لانتفاء الحكومة وتحقّقالتعارض، دون الصورتين الاُوليين، لأنّ إطلاق الدليل الحاكم ـ سواء كاندليل اعتبار القيد أو دليل المأمور به ـ مقدَّم على إطلاق الدليل المحكوم فيهاتين الصورتين، فيرفع التعارض من بين الدليلين.
فإن كان لدليل القيد إطلاق لصورة التمكّن منه وعدمه، فلا إشكال فياقتضاء الإطلاق ثبوت القيديّة حتّى في صورة تعذّر القيد، ويلزمه سقوطالأمر بالمقيّد عند تعذّره، فلا يجب فعل المقيّد خالياً عن القيد، إلاّ أن يثبتوجوبه بأمر آخر، من أصل أو قاعدة، وهذا من غير فرق بين أن يكون للأمر
المتعلّق بالمقيّد إطلاق أو لم يكن، فإنّ إطلاق دليل القيد حاكم على إطلاقدليل المقيّد، كحكومة إطلاق القرينة على ذيها(1)، إنتهى موضع الحاجة منكلامه.
ويرد عليه أوّلاً: أنّ تقديم إطلاق القرينة على إطلاق ذيها ليس من بابالحكومة، بل من جهة تقديم الأظهر على الظاهر، فإنّ ظهور «يرمي» فيالرجل الشجاع أكثر من ظهور «أسد» في الحيوان المفترس إذا قلنا: «رأيتأسداً يرمي».
وثانياً: أنّك قد عرفت أنّ ضابطة الحكومة قد تقتضي حكومة إطلاق دليلالمقيّد على إطلاق دليل القيد، كما إذا كان دليل المقيّد مثل «لا تترك الصلاةبحال» ودليل القيد مثل «اقرأ فاتحة الكتاب في الصلاة»، وقد لا يكون في البينحكومة أصلاً، فكيف يمكن الالتزام بحكومة إطلاق دليل القيد على إطلاقدليل المقيّد في جميع الموارد؟!
ما أفاده الوحيد البهبهاني رحمهالله في المسألة
وللمحقّق الوحيد البهبهاني رحمهالله هاهنا تفصيل، وهو أنّ القيد إن كان مستفادمن مثل «لا صلاة إلاّ بفاتحة الكتاب» و«لا صلاة إلاّ بطهور»(2) سقط الأمربالمقيّد عند تعذّر القيد، وإن كان مستفاداً من مثل «اسجد في الصلاة» و«لتلبس الحرير في الصلاة» لم يسقط الأمر بالمقيّد عند تعذّر القيد(3).
قال سيّدنا الاُستاذ الأعظم الإمام«مدّ ظلّه»: كلام الوحيد البهبهاني موافق لمذكرناه(4).
- (1) فوائد الاُصول 4: 250.
- (2) وسائل الشيعة 1: 315، كتاب الطهارة، الباب 9 من أبواب أحكام الخلوة، الحديث 1.
- (3) أنوار الهداية 2: 374 نقلاً عن الوحيد البهبهاني رحمهالله .
(صفحه288)
نقد كلام الوحيد البهبهاني من قبل المحقّق النائيني رحمهماالله
ووجّه المحقّق النائيني كلام الوحيد البهبهاني رحمهماالله بوجه آخر، ثمّ استشكلعليه بأمرين، فإنّه قال:
إنّ مقتضى إطلاق دليل القيد سقوط الأمر بالمقيّد عند تعذّر القيد مطلقاً،من غير فرق بين القيود المستفادة من مثل قوله: «لا صلاة إلاّ بفاتحة الكتاب»و«لا صلاة إلاّ بطهور» وبين القيود المستفادة من مثل قوله: «اسجد في الصلاة»أو «لا تلبس الحرير فيها» وأمثال ذلك من الأوامر والنواهي الغيريّة.
وقد نسب التفصيل بين ذلك إلى الوحيد البهبهاني قدسسره فذهب إلى سقوطالأمر بالمقيّد عند تعذّر القيد في الأوّل دون الثاني.
ويمكن توجيهه بأنّ الأمر الغيري المتعلّق بالجزء أو الشرط مقصور بصورةالتمكّن من ذلك الجزء أو الشرط، لاشتراط كلّ خطاب بالقدرة على متعلّقه،فلابدّ من سقوط الأمر بالقيد عند عدم التمكّن منه ويبقى الأمر بالباقي الفاقدللقيد على حاله، كما إذا لم يرد أمر بالقيد من أوّل الأمر.
وهذا بخلاف القيديّة المستفادة من مثل قوله: «لا صلاة إلاّ بفاتحة الكتاب»ونحوه، فإنّه لم يتعلّق أمر بالفاتحة والطهور حتّى يشترط فيه القدرة عليهما، بلإنّما اُفيد قيديّة الطهور والفاتحة بلسان الوضع لا التكليف، فإنّ معنى قوله: «لصلاة إلاّ بفاتحة الكتاب» هو أنّه لا تصحّ الصلاة إلاّ بالفاتحة، ولازم ذلكسقوط الأمر بالصلاة عند تعذّر الفاتحة، لعدم تمكّن المكلّف من إيجاد الصلاةالصحيحة عند عدم تمكّنه من الفاتحة أو الطهور، هذا غاية ما يمكن أن يوجّهبه كلام الوحيد رحمهالله من التفصيل بين القيود.
- (1) وهو ما اختاره الاُستاذ المحاضر العلاّمة آية اللّه الفاضل«مدّ ظلّه». م ح ـ ى.