ج4
بل لا يلائم ما أفاده نفسه رحمهالله أيضاً من كون «القابليّة» و«القرشيّة» منعوارض الوجود الخارجي للحيوان والمرأة، لامن عوارض ماهيّتهما، فإنّالالتزام بكون الاتّصاف بالقرشيّة وغير القرشيّة، وبالقابليّة وغير القابليّةمختصّا بالوجود الخارجي للحيوان والمرأة ينافي القول بصحّة أن يقال: «ماهيّةهذه المرأة غير قرشيّة» و«ماهيّة هذا الحيوان غير قابل للتذكية».
وبالجملة: ما كان من عوارض وجود شيء كان انتفائه قبل وجود ذلكالشيء من قبيل السالبة بانتفاء الموضوع.
لا يقال: ما ذكرتم لا يفيد المنع عن جريان الاستصحاب في الصورةالأخيرة، وهي ما إذا كان موضوع الحكم الشرعي مركّباً من جزءين: أحدهموجودي والآخر عدمي من دون أن يكونا بصورة القضيّة أو الوصفوالموصوف، لأنّ الموضوع إذا كان مركّباً من جزئين لا يرتبط أحدهما بالآخريمكن إحراز أحد الجزئين بالوجدان والآخر بالأصل كما هو المعروفالمشهور، فلو كانت «الميتة» التي جعلت موضوعاً للحرمة في قوله تعالى:«حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ الْمَيْتَةُ» مركّبة من «الحيوان» و«عدم التذكية» لأجريناستصحاب عدم قابليّة التذكية(1)، ليثبت(2) به «عدم التذكية» ويكمل موضوعالحرمة.
فإنّه يقال: استقلال جزئي المركّب وعدم ارتباط أحدهما بالآخر وإن كانقابلاً للتصوّر في بعض الموضوعات المركّبة، إلاّ أنّه غير متصوّر في المقام، فإنّالقول بأنّ «عدم التذكية» لا يرتبط بحيوان أصلاً، أو يرتبط بحيوان آخر غيرماجعل جزءً آخر للموضوع ضروري البطلان، فلابدّ من إثبات عدم تذكية
- (1) لا استصحاب عدم قابليّة هذا الحيوان الكذائي للتذكية كي يرتبط بالجزء الآخر من موضوع الحرمة.منه مدّ ظلّه.
- (2) هذا مع قطع النظر عن الإشكال الأوّل، وهوكون هذا الأصل مثبتاً. منه مدّ ظلّه.
(صفحه492)
هذا الحيوان من طريق استصحاب عدم قابليّة تذكيته، ويعود حينئذٍ إشكالعدم الاتّحاد بين القضيّة المتيقّنة والمشكوكة.
والحاصل: أنّا إذا شككنا في قابليّة حيوان للتذكية فلا منع من إجراء أصالةالبرائة من حرمة لحمه وأصالة الطهارة في أجزاء بدنه إذا ذبح مع الشرائطالمعتبرة في التذكية الشرعيّة، لعدم وجود أصل حاكم عليهما.
هذا تمام الكلام في التنبيه الثالث.
ج4
(صفحه494)
في أخبار «من بلغ»
التنبيه الرابع: في أخبار «من بلغ»(1)
إنّ من الروايات مايدلّ على أنّ من بلغه خبر دالّ على ترتّب ثواب علىفعل، فعمله، كان له أجر ذلك، وإن كان ذلك الخبر مخالفاً للواقع، ولم يقلهالمعصوم عليهالسلام .
وهذا ما اشتهر في الألسن بـ «قاعدة التسامح في أدلّة السنن».
من تلك الأخبار: صحيحة هشام بن سالم، عن أبي عبداللّه عليهالسلام قال: «منبلغه عن النبيّ صلىاللهعليهوآله شيء من الثواب فعمله، كان أجر ذلك له، وإن كانرسول اللّه صلىاللهعليهوآله لم يقله»(2).
ومنها: ما عن محمّد بن مروان، قال سمعت أبا جعفر عليهالسلام يقول: «من بلغهثواب من اللّه على عمل، فعمل ذلك العمل التماس ذلك الثواب اُوتيه، وإنلم يكن الحديث كما بلغه»(3).
- (2) وسائل الشيعة 1: 81 ، كتاب الطهارة، الباب 18 من أبواب مقدّمة العبادات، الحديث 3.
ج4
ومنها: ما روي عن الكليني بطرقه إلى الأئمّة عليهمالسلام أنّ «من بلغه شيء منالخير فعمل به كان له من الثواب ما بلغه، وإن لم يكن الأمر كما نقل إليه»(1).
إلى غير ذلك من الأحاديث الواردة بهذا المضمون(2).
ولا ينبغي الإشكال في سند هذه الأحاديث، فإنّ بعضها من الصحاحوبعضها من الحسان.
إنّما الإشكال والكلام في مدلولها.
ما أفاده صاحب الكفاية في مفاد أخبار «من بلغ»
فذهب المحقّق الخراساني رحمهالله إلى أنّه لا يبعد دلالة بعضها على استحباب مبلغ عليه الثواب بعنوانه الأوّلي، فإنّ صحيحة هشام بن سالم المحكيّة عنالمحاسن عن أبي عبداللّه عليهالسلام قال: «من بلغه عن النبيّ صلىاللهعليهوآله شيء من الثواب،فعمله، كان أجر ذلك له، وإن كان رسول اللّه صلىاللهعليهوآله لم يقله» ظاهرة في أنّ الأجركان مترتّباً على نفس العمل الذي بلغه عنه صلىاللهعليهوآله أنّه ذو ثواب، وكون العملمتفرّعاً على البلوغ وكونها(3) الداعي إلى العمل غير موجب لأن يكون الثوابإنّما يكون مترتّباً عليه فيما إذا اُتي برجاء أنّه مأمور به وبعنوان الاحتياط،بداهة أنّ الداعي إلى العمل لا يوجب له وجهاً وعنواناً يؤتى به بذاك الوجهوالعنوان، وإتيان العمل بداعي طلب قول النبيّ صلىاللهعليهوآله ، كما قيّد به في بعضالأخبار، وإن كان انقياداً، إلاّ أنّ الثواب في الصحيحة إنّما رتّب على نفسالعمل، ولاموجب لتقييدها به، لعدم المنافاة بينهما، بل لو اُتي به كذلك أو التماس
- (1) وسائل الشيعة 1: 82 ، كتاب الطهارة، الباب 18 من أبواب مقدّمة العبادات، الحديث 7.
- (2) وسائل الشيعه 1: 82 ، كتاب الطهارة، الباب 18 من أبواب مقدّمة العبادات، الحديث 8 .
- (3) راجع وسائل الشيعه 1: 80 ـ 82 ، كتاب الطهارة، الباب 18 من أبواب مقدّمة العبادات.
- (4) «كونه» صحّ ظاهراً. م ح ـ ى.