(الصفحة 228)ثمّ طلّقها ثمّ تزوّجت وولدت من الزوج الثاني بنتاً تحرم هذه البنت على الزوج الأوّل1.مسألة 5 : لا إشكال في ترتّب الحرمات الأربع على النكاح والوطء الصحيحين ، وهل تترتّب على الزنا ووطء الشبهة أم لا؟ قولان : أحوطهما وأشهرهما أوّلهما ، فلو زنى بامرأة حرمت على أبي الزاني وحرمت على الزاني اُمّ المزني بها وبنتها ، وكذلك الموطوءة بالشبهة . نعم الزنا الطارئ على التزويج لا يوجب الحرمة سواء كان بعد الوطء أو قبله ، فلو تزوّج بامرأة ثم زنى باُمّها أو بنتها لم تحرم عليه امرأته ، وكذا لو زنى الأب بامرأة الابن لم تحرم على الابن ، أو زنى الابن بامرأة الأب لم تحرم على أبيه2
1 ـ الدليل عليه الآية الشريفة بعد دلالة جملة من الروايات على عدم كون في «حُجُورِكُم» قيداً للحكم ، بل الذي له دخالة فيه هو عنوان الدخول بالاُمّ المفروض تحقّقه في صورة المسألة ، فمقتضى إطلاق الآية أو عمومها عدم الفرق بين الصورتين ، ففي المثال الذي ذكره في المتن تحرم البنت المتولّدة من الزوج الثاني على الأوّل أيضاً ، كما هو واضح .2 ـ قد عرفت(1) أنّه لا إشكال في ترتّب الحرمات الأربع على النكاح والوطء الصحيحين ، والمراد بالحرمات الأربع حرمة اُمّ الزوجة وبنتها وحرمة كلّ من معقودة الأب أو الابن على الآخر ، والكلام هنا في أنّه هل تترتّب الحرمات الأربع
(الصفحة 229)
على الزنا ووطء الشبهة أم لا؟ في المسألة قولان : الأشهر بل المشهور(1) هو القول بالحرمة ، والآخر العدم ، نقل عن جماعة(2) وذكر بعده في الجواهر : ولم نعرف غيرهم(3) . وذكر في المتن : أنّ أحوط القولين أوّلهما ، ويدلّ عليه مثل :
صحيحة محمد بن مسلم ، عن أحدهما (عليهما السلام) أنّه سئل عن الرجل يفجر بامرأة أيتزوّج ابنتها؟ قال : لا ، ولكن إن كانت عنده امرأة ثم فجر باُمّها أو اُختها لم تحرم عليه امرأته ، إنّ الحرام لا يفسد الحلال(4) .
ورواية محمد بن مسلم ، عن أحدهما (عليهما السلام) قال : سألته عن رجل فجر بامرأة أيتزوّج اُمّها من الرضاعة أو ابنتها؟ قال : لا(5) . والظاهر أنّها هي الرواية الاُولى ، وإن جعلهما في الوسائل متعدّدةً وذكر كلاًّ منهما في باب مستقلّ .
وصحيحة منصور بن حازم ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) في رجل كان بينه وبين امرأة فجور هل يتزوّج ابنتها؟ فقال : إن كان من قبلة أو شبهها فليتزوّج ابنتها وليتزوّجها هي إن شاء(6) . وفي المصدر زيادة قوله : وإن كان جماعاً فلا يتزوّج ابنتها .
- (1) النهاية : 452 ، الكافي في الفقه : 286 ، المهذّب : 2/183 ، الوسيلة : 292 ، جامع المقاصد : 12/286 ـ 288 ، الروضة البهية : 5/182 ، مسالك الأفهام : 7/298 ـ 300 .
- (2) المقنعة : 504 ، الناصريات : 318 ، المراسم : 151 ، السرائر : 2/523 .
- (3) جواهر الكلام : 29/368 .
- (4) الكافي : 5/415 ح1 ، الوسائل : 20/428 ، أبواب ما يحرم بالمصاهرة ب8 ح1 .
- (5) الكافي : 5/416 ح8 ، التهذيب : 7/331 ح1360 ، و ص 458 ح 1831 ، الإستبصار : 3/167 ح 611 ، الوسائل : 20/427 ، أبواب ما يحرم بالمصاهرة ب7 ح1 .
- (6) الكافي : 5/416 ح5 ، نوادر أحمد بن محمد بن عيسى : 97 ح233 ، التهذيب : 7/330 ح 1357 ، الوسائل : 20/424 ، أبواب ما يحرم بالمصاهرة ب6 ح3 .
(الصفحة 230)
وصحيحة عيص بن القاسم قال : سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن رجل باشر امرأة وقبّل غير أنّه لم يفض إليها ثم تزوّج ابنتها؟ فقال : إن لم يكن أفضى إلى الاُمّ فلا بأس ، وإن كان أفضى إليها فلا يتزوّج ابنتها(1) .
ورواية بريد قال : إنّ رجلاً من أصحابنا تزوّج امرأة قد زعم أنّه كان يلاعب اُمّها ويقبّلها من غير أن يكون أفضى إليها ، قال : فسألت أبا عبدالله (عليه السلام) فقال لي : كذب ، مره فليفارقها ، قال : فأخبرت الرجل فوالله ما دفع ذلك عن نفسه وخلّى سبيلها(2) .
ورواية أبي الصباح الكناني ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : إذا فجر الرجل بالمرأة لم تحلّ له ابنتها أبداً ، الحديث(3) .
وصحيحة أبي بصير ومضمرته قال : سألته عن الرجل يفجر بالمرأة أتحلّ لابنه؟ أو يفجر بها الابن أتحلّ لأبيه؟ قال : لا ، إن كان الأب أو الابن مسّها (واحد منهما) فلا تحلّ(4) .
ورواية عليّ بن جعفر ، عن أخيه موسى بن جعفر (عليهما السلام) قال : سألته عن رجل زنى بامرأة هل يحلّ لابنه أن يتزوّجها؟ قال : لا(5) . وغير ذلك من الروايات التي
- (1) الكافي : 5/415 ح2 ، نوادر أحمد بن محمد بن عيسى : 95 ح224 ، التهذيب : 7/33 ح1356 ، الإستبصار : 3/166 ح607 ، الوسائل : 20/424 ، أبواب ما يحرم بالمصاهرة ب6 ح2 .
- (2) الكافي : 5/416 ح9 ، الوسائل : 20/424 ، أبواب ما يحرم بالمصاهرة ب6 ح5 .
- (3) التهذيب : 7/329 ح1353 ، الإستبصار : 3/166 ح604 ، نوادر أحمد بن محمد بن عيسى : 95 ح225 ، الوسائل : 20/430 ، أبواب ما يحرم بالمصاهرة ب8 ح8 .
- (4) التهذيب : 7/282 ح1194 ، الإستبصار : 3/163 ح593 ، الوسائل : 20/430 ، أبواب ما يحرم بالمصاهرة ب9 ح1 .
- (5) التهذيب : 7/282 ح1195 ، الإستبصار : 3/163 ح594 ، قرب الإسناد : 247 ح 974 ، الوسائل : 20/431 ، أبواب ما يحرم بالمصاهرة ب9 ح2 .
(الصفحة 231)
تقدّم بعضها .
هذا ، ولكن في مقابلها روايات ، مثل :
رواية هشام بن المثنّى قال : كنت عند أبي عبدالله (عليه السلام) فقال له رجل : رجل فجر بامرأة أتحلّ له ابنتها؟ قال : نعم ، إنّ الحرام لا يفسد الحلال(1) .
ومثلها ما رواه حنان بن سدير(2) .
ورواية اُخرى لهشام بن المثنى ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) أنّه سئل عن الرجل يأتي المرأة حراماً أيتزوّجها؟ قال : نعم ، واُمّها وبنتها(3) . ويحتمل اتّحادها مع الرواية الاُولى ، فتدبّر .
ورواية زرارة قال : قلت لأبي جعفر (عليه السلام) : رجل فجر بامرأة هل يجوز له أن يتزوّج ابنتها؟ قال : ما حرّم حرام حلالاً قط(4) .
ورواية سعيد بن يسار قال : سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن رجل فجر بامرأة يتزوّج ابنتها؟ قال : نعم يا سيعد ، إنّ الحرام لا يفسد الحلال(5) .
ورواية صفوان المضمرة قال : سأله المرزبان عن رجل يفجر بالمرأة
- (1) التهذيب : 7/328 ح1350 ، الإستبصار : 3/165 ح601 ، الوسائل : 20/426 ، أبواب ما يحرم بالمصاهرة ب6 ح10 .
- (2) التهذيب : 7/328 ح1351 ، الإستبصار : 3/165 ح602 ، قرب الإسناد : 97 ح 328 ، الوسائل : 20/426 ، أبواب ما يحرم بالمصاهرة ب6 ح11 .
- (3) التهذيب : 7/326 ح1343 ، الإستبصار : 3/165 ح600 ، نوادر أحمد بن محمد بن عيسى : 94 ح221 ، الوسائل : 20/425 ، أبواب ما يحرم بالمصاهرة ب6 ح7 .
- (4) التهذيب : 7/329 ح1355 ، الإستبصار : 3/166 ح606 ، الوسائل : 20/426 ، أبواب ما يحرم بالمصاهرة ب6 ح9 .
- (5) التهذيب : 7/329 ح1354 ، نوادر أحمد بن محمد بن عيسى : 93/220 ، الوسائل : 20/425 ، أبواب ما يحرم بالمصاهرة ب6 ح6 .
(الصفحة 232)
وهي جارية قوم آخرين ثمّ اشترى ابنتها أيحلّ له ذلك؟ قال : لا يحرّم الحرام الحلال ، ورجل فجر بامرأة حراماً أيتزوّج ابنتها؟ قال : لا يحرّم الحرام الحلال(1) .
هذا ، ولكنّ الترجيح مع الطائفة الاُولى لموافقته للشهرة الفتوائية ، مضافاً إلى ما أفاده في الجواهر من أنّ أحسن المحامل هو الحمل على التقية(2); لأنّ هذا الخبر كما يظهر من الانتصار(3) والغنية(4) وغيرهما نبويّ ، أي «لا يفسد الحرام الحلال» وأنّه من رواياتهم عنه (صلى الله عليه وآله)(5) وهو صحيح ، لكنّهم لم يفهموا المراد منه ، فظنّوا أنّ المراد منه ما يشمل الحلال تقديراً ، وهو ليس كذلك(6) .
أقول : ويؤيّده كلمة الإفساد المشعرة بتحقّق الحلية الفعلية بالعقد مثلاً ، ولذا نقول : بأنّ الزنا الطارئ على العقد الصحيح لا يؤثِّر في فساده بوجه ، فلا يوجب التحريم وإن لم يتحقّق الدخول بوجه ، كالأمثلة المذكورة في المتن ، ويدلّ عليه صريحاً بعض الروايات المتقدّمة .
هذا كلّه بالإضافة إلى الزنا والفجور والجماع ، وأمّا الوطء بالشبهة فقد قال المحقّق في الشرائع : وأمّا الوطء بالشبهة فالذي خرّجه الشيخ(7) أنّه ينزّل منزلة
- (1) التهذيب : 7/471 ح1889 ، الوسائل : 20/427 ، أبواب ما يحرم بالمصاهرة ب6 ح12 .
- (2) كما حمل على التقيّة في الوسائل : 20/425 ذ ح 6 والحدائق الناضرة : 23/483 .
- (3) الإنتصار : 266 .
- (4) غنية النزوع : 337 .
- (5) سنن ابن ماجة : 1/649 ح2015 ، السنن الكبرى للبيهقي : 7/169 بتفاوت .
- (6) جواهر الكلام : 29/372 .
- (7) المبسوط : 4/203 و 208 .