(الصفحة 71)والغالط والسكران وأشباههم . نعم في خصوص عقد السكرى إذا عقبه الإجازة بعد إفاقتها لا يترك الاحتياط بتجديد العقد أو الطلاق1.
1 ـ ظاهر العبارة سقوط عبارة الصبي والمجنون ولو ادواريّاً حال جنونه ، مع أنّه لم يقم دليل على سقوط عبارة الصبي مطلقاً ، وحجره من التصرّفات المالية أعمّ من سقوط العبارة ، وقد فصّلنا القول في شرعية عبادات الصبي في كتابنا القواعد الفقهية(1) فراجع . والشرعية ملازمة لعدم سقوط العبارة ، وإن كان القلم التكليف الإلزامي أعمّ من الوجوب والحرمة مرفوعاً عنه ، وحينئذ لو قصد الصبيّ المميّز المعنى في عقد النكاح لنفسه أو لغيره وكالة أو فضولاً مع إذن الوليّ أو إجازته أو أجاز بعد البلوغ فالعقد صحيح ، ولا وجه لجعل الاحتياط البناء على سقوط عبارة الصبي والتخلص بالاحتياط بالتجديد أو الطلاق بعد البلوغ كما في المتن .
نعم ، لا إشكال في اعتبار القصد وأنّه لا عبرة بعقد الساهي والغالط والسكران والغافل وأشباههم .
نعم ، في خصوص عقد الزوجة السكرى مع تعقّب الإجازة بعد الإفاقة وردت رواية محمد بن إسماعيل بن بزيع قال : سألت أبا الحسن (عليه السلام) عن امرأة ابتليت بشرب النبيذ فسكرت فزوّجت نفسها رجلاً في سكرها ، ثمّ أفاقت فأنكرت ذلك ، ثم ظنّت أنّه يلزمها ففرغت منه فأقامت مع الرجل على ذلك التزويج ، أحلال هو لها أم التزويج فاسد لمكان السكر ولا سبيل للزوج عليها؟ فقال : إذا أقامت معه بعدما أفاقت فهو رضا منها ، قلت : ويجوز ذلك التزويج عليها؟ فقال : نعم(2) .
- (1) القواعد الفقهية : 1/341 .
- (2) التهذيب : 7/392 ح1571 ، الفقيه : 3/259 ح 1230 ، عيون اخبار الرضا (عليه السلام) : 2/19 ح 44 ، الوسائل : 29420 ، أبواب عقد النكاح ب14 ح1 .
(الصفحة 72)
والرواية صحيحة غير مهجورة ، وقد حكي الميل إلى العمل بها حتى من مثل صاحب المدارك(1) المقتصر في العمل بخبر الواحد على الصحيح الاعلائي منه ، وقد أيّده المحدِّث البحراني صاحب الحدائق(2) رحمه الله تعالى بصحيحة الحلبي قال : قلت لأبي عبدالله (عليه السلام) : الغلام له عشر سنين فيزوّجه أبوه في صغره ، أيجوز طلاقه وهو ابن عشر سنين؟ قال : فقال : أمّا تزويجه فهو صحيح ، وأمّا طلاقه فينبغي أن تحبس عليه امرأته حتى يدرك فيعلم أنّه كان قد طلّق ، فإن أقرّ بذلك وأمضاه فهي واحدة بائنة وهو خاطب من الخطّاب ، وإن أنكر ذلك وأبى أن يمضيه فهي امرأته ، الحديث(3) .
وعن المختلف تنزيل رواية المقام على سكر لا يبلغ حدّ عدم التحصيل ، فانّه إذا كان كذلك صحّ العقد مع تقريرها(4) .
وعن المسالك : وفيه نظر بيّن ، لأنّه إذا لم يبلغ ذلك القدر فعقدها صحيح ، وإن لم تقرره وترضى به بعد ذلك فالجمع بين اعتبار رضاها مع السكر مطلقاً غير مستقيم ، بل اللازم إمّا اطراح الرواية رأساً أو العمل بمضمونها ، ولعلّ الأوّل أولى(5) .
وذكر صاحب الجواهر : أنّه لعلّ الأمر بالعكس ، لصحّة الخبر وعدم مهجوريته ، كعدم ثبوت سلب حكم عبارة السكران وكونه كالمجنون ، ويمكن أن يكون مراد
- (1) نهاية المرام : 1/30 .
- (2) الحدائق الناضرة : 23/175 .
- (3) الفقيه : 4/227 ح722 ، الوسائل : 26/220 ، أبواب ميراث الأزواج ب11 ح4 .
- (4) مختلف الشيعة : 7/131 .
- (5) مسالك الأفهام : 7/99 .
(الصفحة 73)مسألة 12 : يشترط في صحة العقد تعيين الزوجين على وجه يمتازان عن غيرهما بالاسم أو الإشارة أو الوصف الموجب لذلك ، فلو قال : زوّجتك إحدى بناتي أو قال : زوّجت بنتي فلانة من أحد بنيك أو من أحد هذين بطل . نعم يشكل فيما لو كانا معيّنين بحسب قصد المتعاقدين ومتميّزين في ذهنهما ، لكن لم يعنياهما عند اجراء الصيغة ولم يكن مايدلّ عليه من لفظ أو فعل أو قرينة خارجية ، كما إذا تقاولا وتعاهدا على تزويج بنته الكبرى من ابنه الكبير ، ولكن في مقام إجراء الصيغة قال : «زوّجت إحدى بناتي من أحد بنيك» وقبل الآخر . نعم لو تقاولان وتعاهدا على واحدة فعقدا مبنيّاً عليه فالظاهر الصحة ، كما إذا قال بعد التقاول : «زوّجت ابنتي منك» دون أن يقول : «زوّجت إحدى بناتي»1.
العلاّمة بالتنزيل المزبور عدم بلوغ السكر إلى حدّ يصدر منه الكلام على وجه الهذيان كالنوم ونحوه ، بل هو باق على قابليّة قصد العقد كما يومئ إليه قوله : فزوّجت نفسها إلاّ أنّه لمّا غطّى السكر عقله لم يفرّق بين ذي المصلحة والمفسدة ، فهو حينئذ قاصد للعقد ، إلاّ أنّه لم يؤثر قصده لعارض السكر الذي ذهب معه صفة الرشد ، فإذا تعقّبته الإجازة صحّ(1) .
ولعلّه لأجل هذه الأُمور نهى في المتن عن ترك الاحتياط فيما إذا تعقّبته الإجازة بعد الإفاقة بتجديد العقد أو الطلاق ، كما لا يخفى .1 ـ لو لم يكن الزوجان أو أحدهما متميّزين ومتشخصين لا واقعاً ولا ظاهراً ، كما إذا فرض أنّ هناك بنتين توأمتين غير مختلفتين في الأوصاف والخصوصيات
- (1) جواهر الكلام : 29/145 .
(الصفحة 74)
الموجبة لتفاوت الرغبات واختلاف النظرات ، حتى في السنّ الملحوظ في باب النكاح نوعاً والجمال الملحوظ كذلك ، وأراد الزوج التزويج مع إحداهما من دون فرق بينهما ، فالدليل على البطلان المستفاد من المتن إن كان هو الجهالة والغرر المنهي عنها في باب البيع ، فيرد عليه أنّه لا دليل على النهي عن الغرر في غير باب البيع والمعاوضات على تقديره ، مع أنّه في باب البيع يصحّ تعلّقه بالكلّي كما في بيع السلّم ، وإن كان هو أنّه لابدّ من تعينهما حتى يقع التكليف بما هو مقتضى الزوجية ويترتّب عليه أحكامها .
فيرد عليه أنّه لا محالة يتحقّق التعيّن بعد العقد إلاّ أن يقال بأنّه حيث يكون الزوجان في باب النكاح كالمبيع والمشتري في باب البيع ، واللازم في باب العقد تعيّن الوقوع على من يقع عليه ، فعليه لابدّ وأن يكون الزوجان متشخصين ، فعدم تعيّنهما بمنزلة عدم تعيّن المبيع أو الثمن وعدم تميّزهما أصلاً .
وكيف كان لم ينهض دليل قوي على الاعتبار في النكاح ، ويؤيّده قول شعيب لموسى في القصة المذكورة في القرآن :
{ اِنِّى أُرِيدُ أَن أُنكِحَكَ إِحدَى ابنَتَىَّ هَاتَين . . .}(1) بناء على أن يكون هي بنفسها صيغة النكاح أو كانت الصيغة مماثلة له ، اللّهم إلاّ أن يكون هناك إجماع على الاعتبار أو يقتصر في خلاف أصالة العدم على القدر المتيقّن على الثبوت ، وهي صورة التعيين ، هذا إذا لم يكونا بحسب الواقع متميّزين .
وأمّا إذا كان معيّنين في الواقع ومتميّزين في ذهنهما ولكن لم يعيناهما عند إجراء الصيغة ولم يكن ما يدلّ عليه من لفظ أو فعل أو قرينة خارجية كالمثال المذكور في
(الصفحة 75)مسألة 13 : لو اختلف الاسم مع الوصف أو اختلفا أو أحدهما مع الإشارة يتبع العقد لما هو المقصود ويلغى ما وقع غلطاً وخطأً ، فإذا كان المقصود تزويج البنت الكبرى وتخيلّ أنّ اسمها فاطمة ، وكانت المسمّاة بفاطمة هي الصغرى وكانت الكبرى مسمّاة بخديجة ، وقال : «زوّجتك الكبرى من بناتي فاطمة» وقع العقد على الكبرى التي اسمها خديجة ويلغى تسميتها بفاطمة ، وإن كان المقصود تزويج فاطمة وتخيّل أنّها كبرى فتبيّن أنّها صغرى وقع العقد على المسمّاة بفاطمة واُلغي وصفها بأنّها الكبرى ، وكذا لو كان المقصود تزويج المرأة الحاضرة وتخيّل أنّها كبرى واسمها فاطمة فقال : «زوّجتك هذه وهي
المتن ، فالظاهر أنّ الصحّة مشكلة لاختلاف مدلول الفظ مع ما هو المقصود والمنظور واقعاً ، ولا دلالة للفظ عليه ، فانّ التعاهد والتقاول على تزويج ابنته الكبيرة مع ابنه الكبير ، واللفظ إنّما يكون مفاده تزويج إحدى البنات مع أحد البنين ، ففي الحقيقة يكون المقصود غير مدلول عليه والمدلول عليه غير مقصود ، وإرادة أصل التزويج غير كافية فالصحة مشكلة .
نعم ، في هذا الفرض إذا قال : زوّجت ابنتي منك من دون أن يقول : زوّجت إحدى بناتي ، وكان المراد من البنت التي زوّجها هي البنت التي وقعت عليها المقاولة والمواعدة ، غاية الأمر عدم دلالة اللفظ على خصوصياتها وان كان دالاًّ على المتشخص واقعاً ، فالظاهر فيه الصحة مع فرض وقوع العقد مبنيّاً على المقصود والمراد ، لأنّ الظاهر عدم كون لفظ ابنتي في هذا المقام مراداً به الكلّي القابل للانطباق على غيرها ولو بنحو الكلّي في المعيّن ، بل يكون إشارة إلى المعهود المشخص والفرد المعيّن ، فتدبّر حتى تعرف الفرق بين الفرضين ، والإشكال في الصحة في الأوّل واستظهار الصحة في الثاني .