(الصفحة 151)
أيّام في خيار التأخير ، وذلك لثبوت تلك الأحكام بالدليل الخاصّ الذي لايجري في غير البيع .
نعم ، يقع الكلام في جواز اشتراط الخيارين بحدودهما والأحكام الخاصّة بهما ، والظاهر أنّه لامانع من ذلك ; لعدم ثبوت ما يمنع عن اشتراط التخيير بين الردّ والأرش على تقدير العيب ، وكذا اشتراط كون الخيار محدوداً بثلاثة ومقيّداً بما إذا لم يقبض، كما هو واضح .
وقد انقدح ممّا ذكرنا أنّ الفرق بين خيار التأخير وخيار العيب بعدم جريان الأوّل في الإجارة دون الثاني ، كما اُفيد في المتن غير واضح ، فإنّه لو كان الملحوظ هي الأدلّة الخاصّة الواردة في الخيارين المثبتة لأحكام خاصّة فلا خفاء في أنّ موردها البيع ، ولا ينبغي توهّم الشمول للإجارة ، وإن كان الملحوظ هو الدليل العامّ المثبت للخيار في مورد التأخير والعيب ونحوهما ، ولا يكون مفاده الأحكام الخاصّة الثابتة في الخيارين ، بل مجرّد ثبوت الخيار ، فالظاهر أنّه لا فرق بملاحظته بين الخيارين أصلاً ، فالفرق لا يعلم له وجه .
(الصفحة 152)
(الصفحة 153)
[لا تبطل الإجارة ببيع العين المستأجرة]
مسألة : لا تبطل الإجارة بالبيع ، فتنتقل العين إلى المشتري مسلوبة المنفعة في مدتها . نعم ، للمشتري مع جهله بها خيار الفسخ ، بل له الخيار لو علم بها وتخيّل أنّ مدّتها قصيرة فتبيّن أنّها طويلة . ولو فسخ المستأجر الإجارة أو انفسخت رجعت المنفعة في بقيّة المدّة إلى المؤجر لا المشتري ، وكما لاتبطل الإجارة ببيع العين المستأجرة على غير المستأجر لاتبطل ببيعها عليه ، فلو استأجر داراً ثمّ اشتراها بقيت الإجارة على حالها ، ويكون ملكه للمنفعة في بقيّة المدّة بسبب الإجارة لا تبعيّة العين ، فلو انفسخت الإجارة رجعت المنفعة في بقيّة المدّة إلى البائع ، ولو فسخ البيع بأحد أسبابه بقي ملك المشتري المستأجر للمنفعة على حاله1 .
1 ـ قد اتّفق أصحابنا الإمامية(1) ، بل وما عدا أبي حنيفة من العامّة(2) على أنّ بيع العين المستأجرة ممّا لا مانع منه ، ولا يتوقّف على إجازة المستأجر ، ولا يوجب بطلان الإجارة مطلقاً ، والظاهر أنّ ذكر البيع إنّما هو من باب المثال ; لأنّه لا خصوصيّة فيه ، بل الهبة والصلح ونحوهما أيضاً كذلك ، وقد وردت في ذلك نصوص كثيرة . والتفصيل أنّ طرف البيع تارةً يكون غير المستأجر ، واُخرى يكون هو المستأجر ، كما أنّ مقتضى ظاهر العنوان تأخّر البيع عن الإجارة وطروّه عليها ، ولكن يمكن فرض التقارن بينهما ، فهنا فروض ثلاثة :
- (1) المبسوط : 3 / 239 ، غنية النزوع : 288 ، تذكرة الفقهاء : 2 / 328 ، رياض المسائل : 6/13 .(2) تذكرة الفقهاء : 2 / 328ـ 329 ، المغني لابن قدامة : 6 / 46 ـ 47 ، المجموع للنووي : 15/415ـ 416 ، تبيين الحقائق : 5 / 145 ـ 146 .
(الصفحة 154)
1 ـ بيع العين المستأجرة من غير المستأجر
ولا ريب في ذلك نصّاً(1) وفتوى ـ إلاّ من جهة ما يأتي في آخر البحث ـ لا من حيث صحّة البيع ولا من جهة بقاء الإجارة على حالها .
وربّما يتوهّم عدم إمكان اجتماع صحّة البيع مع الإجارة ، فلابدّ من التزام التأويل في النصوص الدالّة عليه ، ويقال في وجهه : إنّ ملك المنفعة تابع لملك العين لابمعنى أنّ مالك المنفعة لابدّ وأن يكون مالكاً للعين ; ضرورة أنّ المستأجر مالك للمنافع دون الذات ، ولا بمعنى أنّ مالك العين لابدّ وأن يكون مالكاً للمنفعة ، كيف والمؤجر مالك للعين دون المنفعة ، بل بمعنى أنّ مالك العين له أن يملك منافعها المملوكة له ، وبعد خروج العين عن ملكه لا تكون المنافع مملوكة له ، فهو نظير ما إذا تلفت العين .
واُجيب عن ذلك بأنّ العين كما يملكها مالكها ملكيّة مرسلة غير موقّتة ، كذلك يملك منافعها ملكيّة مرسلة وله تقطيعها بالإجارة ، فالمنافع التي توجد بعد نقل العين أيضاً مملوكة للمالك الأوّل ، والتنظير بتلف العين ممنوع ; ضرورة أنّه مع التلف لامنفعة هناك لانتفاء موضوعها . نعم ، حكي عن المحقّق الأردبيلي (قدس سره)أنّه قال : ولو كانت المنافاة ثابتة لبطل البيع العارض عليها لا الإجارة(2) ، ولكنّه اُجيب عنه أيضاً بأنّ التبعية إنّما هو من طرف ملك المنفعة لا من ناحية ملك العين .
وكيف كان ، نقول : إنّ البيع والإجارة وإن كان كلّ واحد منهما متعلّقاً بالعين كما
- (1) وسائل الشيعة : 19 / 134 ، كتاب الإجارة ب24 .(2) مجمع الفائدة والبرهان : 10 / 63 .
(الصفحة 155)
عرفت ، إلاّ أنّه حيث يكون الغرض في كلّ منهما أمراً يغاير الغرض المترتّب على الآخر ، وليسا بحيث لا يمكن اجتماعهما عند العقلاء كبيعين على شيء واحد أو إجارتين له في زمان واحد ، فلا مانع من تعلّقهما بعين واحدة ; لأنّه لا مضادّة بينهما ، ومن ذلك يظهر أنّه لا حاجة في ما ذكر إلى التمسّك بالإجماع ولا بالنصوص بعد كون القاعدة مقتضية له .
ثمّ إنّه إن كان المشتري عالماً بكون المبيع مسلوب المنفعة في برهة من الزمان فلا إشكال في صحّة البيع ولزومها ، وأمّا إذا كان جاهلاً بذلك فلا كلام في ثبوت الخيار له ; بمعنى التخيير بين ردّ البيع وإمضائه ; وإنّما الكلام في وجه ثبوت الخيار ، وقد ذكر له وجوه :
أحدها : ما حكي عن المشهور(1) من أنّه نقص وعيب ، وقد وجّهه غير واحد(2)بأنّ المراد هو العيب الحكمي ; نظراً إلى أنّ العيب الحقيقي هو النقص أو الزيادة في الخلقة الأصلية ، وهنا ليس كذلك مضافاً إلى أنّ العيب الحقيقي يستلزم التخيير بين الفسخ والإمساك بالأرش ولا يقولون به .
واعترض على هذا التوجيه المحقّق الإصفهاني (قدس سره) بأنّه إن اُريد من العيب الحكمي العيب العرفي بالتوسعة في دائرة العيب ، وعدم القصر على خصوص النقص والزيادة في الخلقة فاللاّزم إجراء أحكام العيب عليه ، ولا يقولون به . وإن اُريد من العيب الحكمي تنزيل سلب المنفعة منزلة العيب في خصوص الخيار دون الأرش
- (1) الخلاف : 3 / 499 مسألة 20 ، غنية النزوع : 288 ، إصباح الشيعة : 277 ، مفاتيح الشرائع : 3/102 ، رياض المسائل : 6 / 14 ، وراجع بحوث في الفقه ، كتاب الإجارة : 12 .(2) كالسيّد العاملي في مفتاح الكرامة : 7 / 76 ، والمحقّق الرشتي في كتاب الإجارة : 36 ، والسيّد اليزدي في العروة الوثقى : 5 / 25ـ 26 مسألة 1 .