(الصفحة 346)
العين على نحو يكون المقدار الذي يتصرّف فيه المستأجر مملوكاً له من حيث المنفعة ، فلايمكن التسليم على طبق ما وقع عليه التمليك بمقتضى عقد الإجارة .
ومنه يظهر أنّه مع عدم الإذن لا محيص عن الضمان أيضاً ، مضافاً إلى الحرمة ، وإن كان ربما يستفاد من المتن ومثله ممّا اقتصر فيه على مجرّد النهي أوالعصيان لو وقع التسليم بدون إذن الشريك عدم الضمان ، إلاّ أن يقال بعدم كونه في مقام البيان من هذه الجهة ، والغرض بيان عدم التنافي بين النهي أو العصيان الحاصل بالتصرّف في مال الغير بغير إذنه ، وبين صحّة التسليم وترتّب آثاره عليه ، كما لايخفى على المتأمِّل .
وكيف كان ، فالجواب عن أصل الإشكال منع عدم إمكان التسليم على طبق ما وقع عليه التمليك ، ضرورة أنّ المستأجر لا يستحقّ إلاّ المنفعة على سبيل الإشاعة ، والمؤجر قادر على تسليم العين إليه لاستيفاء ما يستحقّه ، إمّا بإذن الشريك ، وإمّا بدون إذنه . غاية الأمر ثبوت الحرمة والضمان ، ولكنّهما لا يمنعان عن صحّة الإجارة ووقوع التسليم مطابقاً لمقتضاها .
وقد انقدح ممّا ذكرنا أنّ جواز إجارة المشاع فيما إذا كان المؤجر مالكاً للكلّ ممّا لا ينبغي المناقشة فيه أصلاً ; لعدم الافتقار إلى إذن الغير .
كما أنّه لا إشكال في جواز استئجار اثنين داراً على نحو الإشاعة ، إمّا بأن يستأجراها بإجارة واحدة ، أو يستأجر كلّ واحد منهما نصفها المشاع ثمّ يقتسمان مساكنها بالتراضي ، أو بالقرعة على نحو اقتسام المؤجر مع شريكه ، ولا مجال للإشكال بأنّ القدر المتيقّن من تأثير القسمة إنّما هو لو كانت موجبة لإفراز العين وتقسيمها من حيث الملكيّة ، وأمّا تأثيرها في اقتسام المنفعة فلا دليل عليه ، وجه بطلان الإشكال ـ مضافاً إلى ما عرفت من أنّ تقسيم المستأجرين إنّما هو كتقسيم
(الصفحة 347)
المؤجر مع شريكه ، إلاّ أن يقال بجريان الإشكال فيه أيضاً ـ أنّ القسمة عقد مستقلّ يشمله عموم
{أَوْفُوا بِالْعُقُودِ}(1) ولا تحتاج في كلّ مورد إلى دليل خاصّ .
ويجوز الاقتسام بالمهاياة أيضاً بأن يقتسما المنفعة من حيث الزمان ، كما في استئجار شخصين دابّة للركوب على التناوب على ما أوضحه في المتن .
ثمّ إنّه يجوز إجارة اثنين نفسهما على عمل معيّن على وجه الشركة، كحمل شيء معيّن لا يمكن إلاّ بالمتعدّد أو مع إمكان الواحد أيضاً ، وليس هذا من قبيل الشركة في الأبدان ; لأنّ موردها ما إذا اشترك اثنان فيما يحصل من عمل كلّ واحد منهما مع استقلالهما فيه ، كما إذا اشترك كاتبان فيما يحصل من عملهما مع استقلال كلّ منهما بعمله وبالاستئجار عليه .
تتمّة : حكم في العروة بثبوت الخيار في موضعين :
أحدهما : ما لو كان المستأجر جاهلاً بكون مورد الإجارة مشتركاً ، كما إذا آجره داره فتبيّن أنّ نصفها للغير ولم يجز ذلك الغير، فإنّ له خيار الشركة بل وخيار التبعّض.
ثانيهما : ما إذا آجره نصف الدار مشاعاً ، وكان المستأجر معتقداً أنّ تمام الدار له فيكون شريكاً معه في منفعتها، فتبيّن أنّ النصف الآخر مال الغير فالشركة مع ذلك الغير . قال فيها : ففي ثبوت الخيار له حينئذ وجهان ، لا يبعد ذلك إذا كان في الشركة مع ذلك الغير منقصة له(2) .
ويرد عليه ما أورد عليه بعض المحقّقين من المحشين : من عدم الدليل على ثبوت
- (1) سوة المائدة 5 : 1 .(2) العروة الوثقى : 5 / 59 مسألة 17 .
(الصفحة 348)
الخيار في الصورة الأخيرة ، وإن كانت الشركة مع الغير منقصة له ; لأنّ مجرّد ذلك ليس من أسباب الخيار ما لم تكن المعاملة مبنية عليه ، ضرورة أنّ الخيار في المقام لابدّ إمّا أن يكون مسبّباً عن تخلّف الشرط أو الوصف والمفروض العدم ، وإمّا أن يكون لأجل التبعّض والشركة والمفروض ثبوتهما من أوّل الأمر ، فلا وجه لثبوت الخيار(1) .
- (1) راجع العروة الوثقى : 5 / 59 ، التعليقة 3 .
(الصفحة 349)
[لو آجر المستأجر العين المستأجرة بأكثر ممّا استأجر]
مسألة : لو استأجر عيناً ولم يشترط عليه استيفاء منفعتها بالمباشرة يجوز أن يؤجرها بأقلّ ممّا استأجر وبالمساوي وبالأكثر . هذا في غير البيت والدار والدكّان والأجير ، وأمّا فيها فلا تجوز إجارتها بأكثر منه إلاّ إذا أحدث فيها حدثاً من تعمير أو تبييض أو نحو ذلك ، ولا يبعد جوازها أيضاً إن كانت الاُجرة من غير جنس الاُجرة السابقة . والأحوط إلحاق الخان والرحى والسفينة بها ، وإن كان عدمه لا يخلو من قوّة . ولو استأجر داراً مثلاً بعشرة دراهم فسكن في نصفها وآجر الباقي بعشرة دراهم من دون إحداث حدث جاز ، وليس من الإجارة بأكثر ممّا استأجر . وكذا لو سكنها في نصف المدّة وآجرها في باقيها بعشرة . نعم ، لو آجرها في باقي المدّة أو آجر نصفها بأكثر من عشرة لا يجوز1 .
1 ـ لا إشكال في جواز أن يؤجر العين بأقلّ ممّا استأجر أو بالمساوي مع عدم اشتراط استيفاء المنفعة عليه بالمباشرة ، إنّما الإشكال والخلاف في جوازه بالأكثر ، وقد اختلفت فيه الآراء وتشتّت فيه الأقوال ، حتّى أنّه وقع من الفقيه الواحد مذهبان في الموضعين ، ووقع الخلل والاختلاف في نقل المذاهب والأقوال كما في المفتاح(1) ، ولكنّ الظاهر ثبوت الشهرة(2) بين القدماء على المنع ، بل قد ادّعى الإجماع السيّدان رحمهما الله في الانتصار(3) والغنية(4) ، وكذا الشيخ في الخلاف(5) ،
- (1) مفتاح الكرامة : 7 / 83 .(2) المقنع : 392 ، النهاية : 445 ، المقنعة : 640 .(3) الانتصار : 475 .(4) غنية النزوع : 287 .(5) الخلاف : 3/ 494 مسألة 11 .
(الصفحة 350)
ولكن مع وجود الروايات الكثيرة في المسألة وظهور كونها المستند لهم لا مجال للاتّكال على الإجماع فضلاً عن الشهرة ، فلابدّ من التكلّم أوّلاً فيما هو مقتضى القاعدة ، ثمّ فيما تقتضيه الروايات الواردة في المقام ، وأنّها هل تقتضي الجواز والكراهة ، أو الحرمة الوضعيّة أو التكليفيّة ، أو كلتيهما مطلقاً أو في بعض الموارد ؟ فنقول :
أمّا القاعدة فلا ريب في أنّ مقتضاها الجواز ; لعدم وجود ما يقتضي المنع ، والتعليل باستلزام الزيادة للربا واضح المنع بعد ظهور أنّه يكون هنا معاملتان لا ارتباط لإحداهما بالاُخرى ، وإن كان المستأجر في الإجارة الثانية هو المؤجر في الإجارة الاُولى كما في البيع .
وأمّا الروايات ، فاعلم أنّ العناوين الواردة فيها المحكومة بالجواز أو الكراهة أو الحرمة ستّة أو سبعة ، بناءً على اختلاف معنى الدار والبيت كما هو الظاهر من اللغة . ولابدّ من البحث في كلّ واحد من هذه العناوين مستقلاًّ ، فنقول :
منها : الأرض ، وقد وردت فيها طوائف من الأخبار :
الاُولى : ما يدلّ بظاهرها على جواز إجارة الأرض المستأجرة بأكثر ممّا استؤجرت مطلقاً ، من دون فرق بين ما إذا أحدث فيها شيئاً ، وما إذا لم يحدث ، مثل رواية أبي الربيع الشامي ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : سألته عن الرجل يتقبّل الأرض من الدهاقين ثمّ يؤاجرها بأكثر ممّا تقبّلها به ويقوم فيها بحظ السلطان ؟ فقال : لابأس به ، إنّ الأرض ليست مثل الأجير ولا مثل البيت ، إنّ فضل الأجير والبيت حرام . ورواه الصدوق مع زيادة : ولو أنّ رجلاً استأجر داراً بعشرة دراهم فسكن ثلثيها وآجر ثلثها بعشرة دراهم لم يكن به بأس ، ولكن لا يؤاجرها باكثر