(الصفحة 193)
الأنجم المضروبة قبل أخذ الاُجرة فلورثتها تلك الأُجرة ، فالإجارة بمعنى الأُجرة ، والمراد بالشرطية الثانية أعني قوله (عليه السلام) : «وإن لم تبلغ ذلك الوقت وبلغت ثلثه . . .» إنّها ماتت في أثناء الأجل المضروب قبل أخذ الأُجرة ، وبقوله (عليه السلام) : «فيعطى ورثتها بقدر ما بلغت» ماهو ظاهره ; أعني استحقاق الورثة اُجرة الماضي من الزمان دون المستقبل . ووجه دلالتها على الفساد على هذا التقدير واضح ; لأنّ اختصاص استحقاق الورثة بالماضي دون المستقبل لا يتمّ إلاّ بفساد الإجارة في الأثناء بموت المرأة ، وفي مفتاح الكرامة(1) أنّ وجه العدول عن جواب سؤال الراوي بكلمة واحدة ـ وهو إمّا إنفاذ الإجارة أو بطلانها إلى التعرّض بحال الأُجرةـ هو التقية عن أصحاب الرأي(2) .
والجواب عن هذا التقريب واضح ; لأنّه ـ مضافاً إلى أنّ لازمه عدم مطابقة الجواب مع السؤال ، ضرورة أنّ السؤال إنّما هو عن إنفاذ الإجارة وانتقاضها بالموت ، والجواب متعرّض لحال الأُجرة المضروبة لها أوقات ، ومجرّد احتمال التقية لا يصحّح ذلك ـ يرد عليه أنّ الجواب ظاهر في أنّ الفاعل في كلمتي : «لم تبلغه» «وإن لم تبلغ» واحد وهي المرأة ، فجعل الفاعل في الاُولى «الأُجرة» وفي الثانية «المرأة» خلاف للظاهر جدّاً ، مع أنّ حمل كلمة الإجارة في الجواب على الأُجرة مع كونها في السؤال بمعنى الإجارة المصطلحة ـ على ماهو المفروض ـ ممّا لا شاهد له .
هذا ، مضافاً إلى أنّ هذا كلّه إنّما يتمّ على تقدير كون النسخة «لم تبلغه» مع أنّ أكثر النسخ على ما رأيت هو «لم يبلغ» والفاعل حينئذ هو الضمير الذي يرجع إلى
- (1) مفتاح الكرامة : 7 / 77 ـ 78 .(2) كتاب الإجارة للمحقّق الرشتي : 41 .
(الصفحة 194)
الوقت ، كما أنّه يتمّ على تقدير نسخة الواو دون الفاء ، مع أنّ الواو لا تكون إلاّ في التهذيب ، والمعروف أنّ الكافي أضبط من غيره ، وإلى غير ذلك من الإيرادات غير الخفية .
ثانيها : ما وصفه المحقّق الإصفهاني (قدس سره) بأنّه أحسن الوجوه ناقلاً حكايته عن غير واحد من مشايخه ; وهو أنّ الوقت في آخر السؤال محمول على مدّة أصل الإجارة ، لا على المدّة المضروبة لدفع الأجرة بقرينة الإنفاذ والانقضاء أو الانتقاض ، والجواب أيضاً محمول عليه ليكون الجواب مطابقاً للسؤال ، وحمل الشرطية الاُولى حفظاً لتقابلها مع الشرطية الثانية على عدم بلوغ شيء من مدّة الإجارة ; بأن يكون زمان العقد منفصلاً عن زمان المنفعة المملوكة بالعقد ، وحمل قوله (عليه السلام) : «فلورثتها تلك الإجارة» على أنّ أمرها بيد الورثة ردّاً وإمضاءً ، أو فعلاً وتركاً ، وحمل قوله (عليه السلام) : «فتعطى ورثتها . . .» على أنّ مقدار استحقاقهم الموروث من المرأة ما بلغت المرأة من الثلث أو النصف دون باقي مدّة الإجارة ، وهذا لازم انفساخ الإجارة بموتها(1) .
والجواب عنه ـ مضافاً إلى كون هذا التقريب أيضاً مبنيّاً على نسخة الواو وهي غير ثابتة ـ : أنّ حمل الشرطية الاُولى على عدم بلوغ شيء من مدّة الإجارة ، وكون زمان العقد منفصلاً عن زمان المنفعة ، مع عدم إشعار في السؤال بهذا الفرض بعيد جدّاً ، وأنّ اللاّم لا تفيد هنا إلاّ الاختصاص ، ومن المعلوم أنّ اختصاص تلك الإجارة بالورثة ليس معناه إلاّ قيامهم مقام المورِّث لا كون أمر الإجارة بيدهم .
مضافاً إلى أنّ إعطاء الورثة مقدار ما بلغت المرأة من الوقت ـ نصفاً أو ثلثاً أو
- (1) بحوث في الفقه ، كتاب الإجارة : 21 ـ 22 .
(الصفحة 195)
غيرهما ـ لا يلازم الانفساخ ، فمن الممكن أن يكون المراد مقدار استحقاق الدفع فعلاً ، فلا ينافي صحّة الإجارة بالنسبة إلى جميع الوقت . وإلى أنّ التفصيل بين ما إذا مضى مقدار من الوقت ، وبين ما إذا لم يبلغ شيء منه بالانفساخ في الأوّل وعدمه في الثاني ، غاية الأمر التوقّف على إنفاذ الورثة ـ كما هو المفروض ـ ممّا لا يقبله الذوق السليم ، فإنّ الصورة الثانية أولى بالانفساخ من الاُولى ، كما لايخفى ، فهذا الوجه أيضاً لا يكاد يتمّ بوجه .
ثالثها : ما هو نظير الوجه الثاني ، غاية الأمر ابتناؤه على نسخة الفاء ، وحينئذ فالشرطية الثانية تفريع على الشرطية الاُولى ، وكلتاهما متعرّضتان لحال مورد السؤال ; وهو عدم إدراك المؤجر جميع المدّة المسمّـاة في أصل الإجارة ، واستفادة البطلان حينئذ من إيجاب الإعطاء من الأُجرة بمقدار ما أدركته المرأة من تلك المدّة ، ولا ينافي ذلك قوله (عليه السلام) : «فلورثتها تلك الإجارة» فإنّ معناه عدم وجوب الإنفاذ الذي هو بمعنى الوفاء ; وهو كناية عن البطلان بالموت ، وإن أبيت ذلك نقول : بأنّه يستفاد منه البطلان بمعنى التوقّف على إجازة الوارث ، وهو أحد محتملات البطلان كما مرّ .
وجواب هذا الوجه يستفاد من الجواب عن الوجه المتقدّم ، فتدبّر .
ثمّ إنّك قد عرفت أنّ عدم تماميّة دلالة الرواية على البطلان يكفي لنا ، ولا حاجة إلى إثبات دلالتها على الصحّة بعد اقتضاء العمومات والروايات لها ، إلاّ أنّه لا بأس بإيراد تقريب الاستدلال بها للصحّة ، ثمّ بيان ماهو مقتضى التحقيق في معنى الرواية ومفادها تتميماً للفائدة ، فنقول : إنّ الاستدلال بها للصحّة له تقريبان على ما أفاده المحقّق الإصفهاني (قدس سره) :
أحدهما : أنّ المراد من الوقت هو مدّة أصل الإجارة ، ومن الشرطية الاُولى
(الصفحة 196)
عدم البلوغ رأساً ومن الثانية عدم البلوغ بتمامه . واللام في قوله (عليه السلام) : «فلورثتها» لام الاختصاص ، ومعناه قيام الورثة مقام مورّثهم ، ولا موقع للحمل على أنّ لهم الردّ والإمضاء ، أو أنّ لهم أن يؤجروا وأن لايؤجروا ، والمراد من قوله (عليه السلام) : «فتعطى» هو دفع الأُجرة بالنسبة إلى المنفعة الماضية لا استحقاق هذا المقدار من الأُجرة ، بل استحقاق فعلية الدفع بالمقدار المزبور ، فالشرطية الاُولى مصحّحة للإجارة والثانية غير منافية لها ، فإنّ استحقاق الأُجرة تماماً لا ينافي عدم استحقاق الدفع إلاّ بمقدار ما بلغت المرأة من النصف أو الثلث أو غيرهما .
ثانيهما : حمل الشرطيتين على الإجمال والتفصيل لا على عدم البلوغ رأساً أو تماماً ، فإنّ الأوّل خارج عن مورد السؤال ، وهذا الحمل مبنيّ على نسخة الفاء كما في الكافي ، والتقريب حينئذ ما تقدّم من كون اللام للاختصاص . .(1) .
ويظهر ممّا ذكرنا في الجواب عن التقريبات المتقدّمة للبطلان، الإشكال في هذين التقريبين أيضاً ، فتأمّل .
والتحقيق في بيان معنى الرواية ومفادها أنّ الرواية لا تعرّض فيها لحال الإجارة ، من حيث بقاء صحّتها أو عروض البطلان لها بموت المرأة التي هي المؤجرة ، وإنّما هي متعرّضة لحال الأُجرة فيها لأجل الاشتراط الواقع على المؤجر في كيفية الدفع والإعطاء . نعم ، يستفاد منها كون بقاء الصحّة بالموت مفروغاً عنه عند الراوي الذي كان هو وأبوه من وكلاء أبي الحسن (عليه السلام) ، وقد وثّقه الإمام (عليه السلام) ، ولذلك تكون الرواية موصوفة عند جمع كثير بالصحّة ، وإن ناقش فيها البعض كالمحقّق الأردبيلي في محكي مجمع البرهان على ما عرفت .
- (1) بحوث في الفقه ، كتاب الإجارة : 22 .
(الصفحة 197)
وكيف كان ، فتوضيح معنى الرواية أنّه لابدّ في استفادة المراد منها من حفظ ظهورات متعدّدة فيها ، وهي كثيرة :
أحدها : أنّ بيان كيفية دفع الأُجرة وإعطائها في السؤال ظاهر في تعلّق غرض السائل بهذه الخصوصية ، خصوصاً مع عدم الاقتصار على جملة واحدة والإتيان بجملة اُخرى تأكيداً وتوضيحاً ، ودعوى أنّه يمكن أن يكون ذلك لأجل بيان ما هو الواقع وليس له مدخلية فيما هو محطّ نظر السائل ، مدفوعة ـ مضافاً إلى أنّها في نفسها خلاف الظاهر ـ بأنّه لو كان السائل مثل إبراهيم الذي هو من وكلاء الإمام (عليه السلام)لكان من البعيد جدّاً تقييد مورد السؤال بما هو خارج عن محط نظره ، وغير دخيل فيما هو بصدده ، كما لا يخفى .
ثانيها : ظهور قوله (عليه السلام) : «فماتت قبل ثلاث سنين أو بعدها» في أنّ موت المرأة واقع في أثناء السنة لا عند انقضائها الذي هو الوقت المضروب للاُجرة ، فيدلّ ذلك على أنّه ليس محطّ النظر مجرّد موت المؤجر قبل انقضاء مدّة الإجارة ، وإلاّ لم يكن فرق بين الموت في أثناء السنة أو عند انقضائها .
ثالثها : ظهور ألفاظ الإجارة في السؤال وكذا في الجواب في كونها بمعنى واحد وهي الأُجرة ، ضرورة استعمالها في الرواية بمعنى الأُجرة قطعاً ، والظاهر كون الجميع بمعنى واحد .
رابعها : ظهور لفظ الوقت في الجُمَل الواقعة فيها هذه الكلمة في كونه في الجميع بمعنى واحد ; وهو الوقت المضروب لدفع الأُجرة ، ضرورة استعماله في هذا المعنى قطعاً ، والظاهر كون المراد من الجميع كذلك .
خامسها : ظهور قوله (عليه السلام) : «إنفاذ الإجارة إلى الوقت» في كون المراد من الوقت هو الوقت المضروب لدفع الأُجرة ، ضرورة أنّه لو كان المراد هي مدّة أصل